روبرت فيسك: شيء مشترك بين ترامب و الأسد والسيسي
"هناك شيء مشترك بين دونالد ترامب وبشار الأسد والرئيس السيسي"
هكذا عنون الكاتب البريطاني روبرت فيسك مقالا بصحيفة الاندبندنت البريطانية.
وإلى نص المقال
نحن المراسلين نحب الإحصائيات الخاصة بالجمهور، وكلما زادت الحشود، كلما كانت القصة الخبرية أفضل.
السياسيون يحبون الحشود أيضا، فكلما تنامت أعداد الجماهير كلما كانت مقياسا لزيادة الشعبية.
لا تسأل عن هوية القائل: " لقد ألقيت خطابا، ونظرت حولي فوجدت ما يقرب من مليون ونصف مليون شخص".
يا لها من ملايين.
عودة إلى عام 2011، كان الحشد في ميدان التحرير بمئات الآلاف، أو حوالي مليون شخص، بحسب ما ذهبت إليه قناة الجزيرة آنذاك.
وربما بلغت عدد الحشود 1.5 مليون ساعدوا في الإطاحة مبارك، بمساعدة الجيش، حامي حمى الشعب بالطبع.
بيد أن الخبراء قالوا إن أقصى عدد تستطيع منطقة التحرير استيعابه 300 ألف شخص، لكن ما هذا بحق الجحيم؟ لقد كانت ثورة.
محمد مرسي فاز بأول انتخابات ديمقراطية في التاريخ المصري، لكن بعد عامين من الثورة عادت الجماهير مجددا إلى شوارع أكبر الدول العربية تعدادا سكانيا.
لقد أرادوا هذه المرة الإطاحة بمحمد مرسي بمساعدة اليد القوية للجيش، حامي الشعب.
وأحضر هؤلاء معهم ما قيل إنه 22 مليون توقيع، وأحضروا اللواء عبد الفتاح السيسي الذي أصبح مشيرا ثم رئيسا.
وأعلن أصحاب الدعاية للسيسي إن قرارات 3 يوليو تحظى بدعم من محتجين شاركوا "في أكبر مظاهرات في تاريخ البشرية" وقدروا عدد المشاركين بنحو 33 مليون، أي أكثر من ثلث التعداد الكلي لسكان مصر.
لقد كان ذلك شيئا خياليا لكنه استحوذ على الأذهان.
لا عجب أن يلتقي دونالد ترامب مع السيسي العام الماضي، ووصفه للقائد المصري بـ " الرجل الرائع".
ولا ننسى كذلك أن إدارة أوباما تماشت مع تلك التوقيعات غير المثبتة نهائيا على تلك الوثيقة "المشبوهة".
وأعلنت الخارجية الأمريكية بقيادة هيلاري كلينتون آنذاك أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن "تلغي إرادة 22 مليون شخص الذين تحدثوا وسُمعت أصواتهم".
واستغل الجيش مقياس الـ 33 مليون لادعاء الشرعية.
وعندما أفردت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرا عن تلك المبالغة ذات الطابع الهوليوودي، استشهد مساعدو السيسي بالتقرير كتوثيق للخيال.
الخدمة العربية لبي بي سي كان لديها بعض الشكوك.، وقالت إن "عشرات الآلاف" فقط احتشدوا للإطاحة بمرسي، لكن الضرر كان قد وقع.
قناة تلفزيونية مصرية زعمت الآتي: “قالت شبكة سي إن إن الأمريكية إن 33 مليون خرجوا في الشوارع اليوم، ووصفت بي بي سي المظاهرات بأنها الأكبر في التاريخ".
الحقيقة أن تقرير بي بي سي للصحفي ماكس بلومينثال، أحد الكتاب الأمريكيين الذين شككوا بحدية في تلك الدعاية الصاخبة، لم يتضمن توثيقا لمثل هذه العدد.
مسؤول عسكري وحيد، لم يتم الكشف عن هويته، ربما يكون موجودا أو وهميا زعم أن 17 مليون احتجوا على حكم مرسي وطالبوا بإجراء انتخابات جديدة.
وبالرغم من أن عدد 17 مليون أقل طموحا من 22 مليون و 33 مليون، لكنها إحصائية وهمية، وتندرج تحت بند "الحقيقة البديلة"، إذا كانت متواجدة من الأساس.
لكن بالانتقال بالزمن نحو الأمام ثمة رجل فهم أهمية الشعبية الشخصية، وبدا تواقا في أن يحظى بالإعجاب، واعتقد أيضا أن السيسي "رجل رائع"، وأخبرنا أنه بالرغم من أن وجود 17 مليون شخص في الشارع ليس مثل الانتخابات لكنه تعبير مدهش عن سلطة الشعب. إنه توني بلير.
وتطفو "الحقائق البديلة" مجددا، لكن ماذا يمكنك أن تتوقع من اللورد بلير الذي أخذ يحذرنا طيلة 45 دقائق من أسلحة دمار شامل عراقية، والذي لم يعر انتباها لنحو مليون بريطاني (بحسب بي بي سي) خرجوا في مسيرة في شوارع بريطانيا احتجاجا على قرار غزو العراق.
ثم تناقصت تقديرات عدد محتجي 2013 قليلا إلى 14 مليون، لكن ذلك أيضا كان مجرد "حقيقة بديلة".
وقال مدون مصري إنه إذا شغل كل متظاهر 0.45 مترا فإن عدد المتظاهرين المؤيدين للسيسي في المراكز الرئيسية للمدن المصرية، سيبلغ العدد الإجمالي للمحتجين 2.8 مليون.
إنه رقم ضئيل، لا يتجاوز حتى ضعفي حجم مليون ونصف المليون الذين تباهى بهم ترامب.
والآن دعونا نمكث مع مليون ترامب لوهلة.
عندما أراد المحتجون اللبنانيون الاحتجاج على إدانة قتل رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق عام 2005، خرج مئات الآلاف إلى وسط بيروت وطالبوا بانسحاب الجيش السوري من وطنهم.
وأطلق المراسلون على الاحتجاجات "ثورة الأرز"، وقالت أسوشيتد برس إن عدد المتظاهرين 500 ألف لبناني، فيما ذهبت تقديرات أخرى أن العدد يتراوح بين 800000- 1.2 مليون متظاهر.
دعنا نفترض أنهم مليون، بالرغم أن حزب الله خرج بمظاهرة ربما يبلغ عددها 500 ألف أو ربما 800 ألف بعد أيام قليلة دعما لسوريا.
و أخذ الرئيس السوري ينتقد المحتجين اللبنانيين المناهضين لسوريا، بدعوى أن "ثورة الأرز" لقب من اختراع مسؤول في الخارجية الأمريكية.
ورأى الأسد أن خصومه في بيروت أقل عددا، متهما الإعلام بالتحيز لصالحهم، متحدثا بغضب عما وصفه بـ " زوم عدسات الكاميرا" الذي يضخم من حجم المتظاهرين.
وفي مراسم تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وكذلك في حفل تنصيب أوباما في ولايته الأولى الذي شهد أعدادا أكبر لم يتم استخدام "زوم" الكاميرا.
ورغم ذلك، خرج المتحدث الرسمي الغريب لترامب ليعلن أن تنصيب الرئيس الجديد شهد العدد الأكبر من التواجد الجماهيري.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية التي منحت سيده ترامب هذا النصر، فإن سين سبسر تفوه على غير الحقيقة ما أرد ترامب سماعه، بأن إرادة الشعب ينبغي أن تنفذ.
الحشود تهم، فعندما نظم الجيش المصري قرارات 3 يوليو، قال توني بلير، صديق السيسي، إنه فعل ذلك بناء على "إرادة الشعب".
ربما تحل إحصائيات الحشود محل استطلاعات الرأي العام، التي ظلت لفترة طويلة تحل محل الانتخابات في التخيل الشعبي.
المليون السحري، أو المليون ونصف المليون، ربما هو الاستحواذ الجديد الذي يهمين على الرؤساء الأمريكيين مثلما يهيمن على الرؤساء العرب لسنوات.