ستيفن كوك: وهم ترامب يسيطر على مصر وتركيا وإسرائيل
قال الباحث الأمريكي الشهير ستيفن كوك زميل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن مصر وتركيا وإسرائيل وقعن جميعا في شرك الأوهام حول قدرة الرئيس الجديد دونالد ترامب على تغيير مجرى الأمور لصالح تلك البلدان.
وتابع في مقال بموقع Salon: "قادة القوى الرئيسية بالمنطقة يشعرون بالنشوة تجاه دونالد ترامب لكن من المرجح أن يتحول ذلك إلى خيبة أمل".
وإلى نص المقال
في التاسع من نوفمبر، وتحديدا الساعة 3.30 صباحا، تلقى ترامب اتصالا هاتفيا كرئيس منتخب، حيث كان على الخط الآخر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفي الأسابيع التالية لذلك، اعتبر المصريون تلك المكالمة رمزا لعهد جديد في العلاقات الأمريكية المصرية التي لحق بها ضرر معتبر بعد 3 يوليو الذي أطاح بحكومة الإخوان المنتخبة، وجلب السيسي إلى السلطة.
وشعر المسؤولون المصريون بفرحة عارمة تجاه نتائج الانتخابات الأمريكية، ونوهت تقارير أن السيسي فكر في حضور مراسم الترسيم التي أجريت في 20 يناير.
بيد أن الرئيس المصري ظلَّ في القاهرة، لكن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو كان متواجدا بشخصه في حفل التنصيب.
ليس بالأمر غير المعتاد حضور بعض السفراء لمراسم افتتاحية، لكن ما يثير الغرابة هو حضور مسؤول تركي بحجم وزير الخارجية.
وعلاوة على ذلك، ذهب وفد من المستوطنين الإسرائيليين للاحتفال برئاسة ترامب، في غياب أي ممثل من دول الخليج العربي.
وبعكس المصريين والإسرائيليين والأتراك الذين يبدون في حالة من البهجة المفرطة حول ترامب، اتخذ السعوديون والإماراتيون نهجا أكثر حذرا حيال التغيير الذي حدث في البيت الأبيض رغم سعادتهم بانتهاء حقبة أوباما.
كل ذلك يبدو غريبا قياسا بأن صعود ترامب إلى السلطة حدث باستخدام الإسلاموفوبيا، والتعليقات المناهضة للسامية، والتودد إلى الانعزاليين.
لو كانت هنالك أي علامة حول نهج ترامب في السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط والعالم الخارجي بوجه عام، فإنما هي تخفيض النفقات، وهو أمر لا يصب في مصلحة حلفاء واشنطن الرئيسيين بالمنطقة رغم أن قادة الدول المذكورة يتغاضون عن تلك الحقيقة غير المريحة مقابل وهم مفاده أن الرئيس الجديد سيضحى خادما لأمنهم وللمصالح الأمريكية أفضل من سلفه أوباما.
المصريون على سبيل المثال مقتنعون بأن إدارة ترامب سوف تقدم دعما غير مشروط للسيسي وتسقط اعتراضات إدارتي بوش وأوباما على السجل السيء في مجال حقوق الإنسان.
من جهتهم، يعتقد الأتراك أن الإدارة الجديدة سوف تدعم حربهم ضد الأكراد.
إسرائيل من جهتها تشعر بالثقة الآن من وجود غطاء أمريكي سياسي ودبلوماسي تستطيع من خلاله تنفيذ مسألة ضم الضفة الغربية.
وكان تواصل إدارة أوباما مع إيران قد أغضب كلا من دول الخليج وإسرائيل، لكنهم يعولون الآن على عودة العلاقات العدائية بين واشنطن وطهران في حقبة ترامب.
وحتى لو أن ترامب فعل ما يريده الشرق أوسطيون، ينبغي التساؤل إلى أي مدى؟، وهل ستتغير الأمور إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟
الأوهام بحكم تعريفها اللغوي أشياء خادعة، لكن حتى إذا حاول أحد تحويلها إلى حقيقة، فإنها لا تشبع رغبات الواهمين.
ورغم أن المصريين قد يحصلون ظاهريا على ما يريدونه من تغيير في نسق العلاقات لكنهم في حاجة إلى مراجعة هذا الحماس.
وبخلاف الانتعاشة السياسية المؤقتة التي ستمنحها تحسن العلاقات المصرية مع واشنطن للسيسي، لكن الأمريكيين لن يوقفوا عمليات التمرد المسلح في شبه جزيرة سيناء، ولن ينتشلوا الاقتصاد المصري المتعثر من حالته.
لا يوجد أي مؤشر على أن إدارة ترامب ستقدم مساعدات عسكرية والاقتصادية لمصر أكثر من أوباما.
ماذا يملك السيسي ليقدمه لإدارة ترامب؟ بخلاف الدعم الدولي ضد الإخوان المسلمين الذي منحه له مجانا.
وبعد انقضاء لحظات الرضا والبهجة بشأن رحيل أوبامت من البيت الأبيض، من المرجح أن يواجه المصريون حقيقة ان المشكلة في علاقاتهم مع الولايات المتحدة تكمن في القاهرة لا واشنطن.
أهمية مصر تتجلى في مشكلاتها، بينها مشكلة وحيدة تجذب انتباه الرئيس الأمريكي الجديد- وتحديدا الإرهاب.
التجربة الأمريكية على مدى يتجاوز 16 عاما لم تقدم حلولا لهذا الأمر، حتى مع زيادة عدد القوات.
الأمر مشابه بالنسبة للأتراك الذين يستعدون كذلك لخيبة أمل، حاول وزير الخارجية مولود شاويش أوغلو مواراتها في حفل التنصيب.
ريكس تيلرسون وزير خارجية ترامب شهد خلال جلسة تأكيد ترشحه بأن " وحدات حماية الشعب" القوة السورية الكردية الرئيسية التي تعتبرها تركيا عن حق موالية لحزب العمال الكردستاني إنما هي "الحليف الأعظم" لواشنطن في حربها ضد داعش.
يذكر أن حزب العمال الكردستاني يشن حملة إرهابية ضد تركيا منذ أن تزوج ترامب من زوجته الأولى إيفانا.
وكانت إدارة أوباما قد أثارت حنق أنقرة جراء تنسيقها مع "وحدات حماية الشعب" في حربها ضد داعش، والتي تمثل أولوية بالنسبة لترامب.
المصريون على الأقل يستطيعون التودد من البيت الأبيض عبر القول إنهم حلفاء في مناهضة الإخوان المسلمين.
لكن العدالة والتنمية التركي الحاكم على الجانب الآخر هو حزب إسلامي يمنح الإخوان المسلمين ملاذا ومنصة لنزع شرعية الحكومة المصرية، ومن المرجح ألا يروق هذا لإدارة ترامب التي تنتابها هواجس عميقة تجاه كل ما هو إسلامي.
الحكومة الإسرائيلية موهومة كذلك تجاه ترامب جراء خططه لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتعيينه المحامي المؤيد للاستيطان ديفيد فريدمان سفيرا أمريكا لدى إسرائيل.
ثمة إشارات واضحة مفادها أن ترامب يحظى بدعم إسرائيل بعكس أوباما، إلا ان هنالك علامات على مشكلات محتملة.
ووعد ترامب بإبرام اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين أمر لا يسعد تل أبيب.
وعلى الجانب الآخر، فإن منح الرئيس الجديد الضوء الأخضر لإسرائيل للمضي قدما في مشروع الاستيطان سيكون بمثابة بذور للمزيد من العنف، ويصعب من مهمة تنمية الروابط مع الأقطار العربية الهامة.
الشيء الأكثر أهمية يتعلق بعداء ترامب تجاه إيران الذي أسعد كثيرا الإسرائيليين ودول الخليج، لاسيما وعده بتمزيق الاتفاق النووي مع طهران الذي أبرمته إدارة أوباما.
وأعلن الرئيس الأمريكي الجديد كذلك أن إيران هي الراعية الأكبر للأرهاب في العالم.
إيران بلا شك لاعب شرير، لكن سحب ترامب توقيع الولايات المتحدة على الاتفاق النووي ربما لن يغير الكثير، لوجود اتفاق متعدد الأطراف يلتزم به كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
وعلاوة على ذلك، أشارت السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى إمكانية تعايشهما مع الاتفاق النووي بشرط اتخاذ واشنطن موقفا صارما من طهران.
ثمة منطق في هذا بالقطع، لكن ترامب قد يكون في واقع الأمر أقل تهديدا مما يعكسه خطابه، لا سيما وأنه يبدو ميالا لإبرام صفقة مع الروس بشأن سوريا ترسخ من وضع بشار الأسد، وهو ما سيكون نصرا مبينا للإيرانيين.
ومن المعقول أن تتوقع دول الخليج دعما أمريكا متزايدا في حملتهم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، التي تستفيد إيران منها في استنزاف السعوديين.
بيد أن الخلييجيين سيصابون بخيبة أمل إذا تجاوزت طموحاتهم في الدعم الأمريكي مدى أكبر.
جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي الجديد اقترح عام 2011 ضرب إيران انتقاما من استهدفا مليشيات تدعمها طهران على جنود أمريكيين في العراق.
بيد أن جزءا معتبرا من حملة ترامب الرئاسية تركزت على انتقادات قرار غزو العراق في إدارة جورج بوش الابن، واحتقار السياسة الخارجية التي تجعل الولايات المتحدة عميقة الارتباط بالشرق الأوسط.
وبالرغم من أن نهج ترامب مع طهران سيختلف عن أوباما لكن المرجح أنه لن يلاحق الإيرانيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن أو في أي مكان.
بالطبع لا يوجد سبيل مؤكد للتيقن من كيفية تعامل ترامب مع مشكلات الشرق الأوسط المعقدة، لكن يبدو أنه يمتلك 3 أفكار فقط في السياسة الخارجية: تدمير داعش، والتعاون مع روسيا، وتحدي الصين، وهو ما يمنحه ميزة المناورة.