نيويورك تايمز: ثوار يناير .. جيل من السجناء
"كيف أصبح الناشطون المصريون جيلاً من السجناء؟" تحت هذا العنوان سلط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" اﻷمريكية الضوء على أوضاع "ثوار يناير" الذين أصبحوا بعد ست سنوات من الربيع العربي والديمقراطية في البلاد يعيشون تحت تهديد مستمر بالسجن أو ما هو أسوأ، مما دفع بعض المنظمات الحقوقية لوصفهم بأنهم "جيل من السجناء".
وفيما يلي مقتطفات من التقرير:
قبل ست سنوات فقط كان أحمد ماهر ينظر له باعتباره رمزًا للحرية والديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ولكنه اﻵن يجبر على البقاء في قسم الشرطة التابع للحي الذي يسكن فيه يوميًا من السادسة مساء للسادسة صباحًا.
وفي يناير 2011، كان ماهر قائدًا لحركة شباب 6 ابريل، التي حشدت مئات الآلاف من المصريين في مظاهرات في ميدان التحرير بالقاهرة ومختلف أنحاء البلاد للمطالبة برحيل الرئيس اﻷسبق محمد حسني مبارك.
وبعدها سافر ماهر لجميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة متحدثًا عن الربيع العربي، ومستقبل مصر، لكن الآمال التي أثارتها الثورة تحولت إلى طائفية وفوضى، وتطلعات ماهر في مستقبل أفضل أجهضت خلال عامين.
عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة السابق، وصل لسدة الحكم في يوليو 2013 حظر الاحتجاجات، وبعد خمسة أشهر، وجد القاضي أن ماهر مذنب في مظاهرة غير قانونية، وأعمال الشغب وبلطجة" وحكمت عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وأضاف قاض آخر ستة أشهر لسجن ماهر بتهمة "الاعتداء لفظيًا على موظف عام أثناء تأديتهم عمله"، وأمضى ماهر أغلب مدة سجنه في زنزانة صغيرة في جناح الحبس الانفرادي.
اليوم ماهر- من الناحية الشكلية- رجل حر، ولكن القيود المفروضة على تحركاته خانقة، النظام قلق للغاية من محاولته إشعال وسائل الإعلام الاجتماعي لحشد أتباعه إلى الشوارع مرة أخرى.
وقال ماهر: "تغريدة يمكن أن تؤدي إلى مظاهرات، والمظاهرات يمكن أن تؤدي إلى ثورة التي من شأنها إسقاط النظام وارتقاء شهداء .. إذا لو غردت على وسائل اﻹعلام الاجتماعي فأنت إرهابي".
لـ 3 سنوات المقبلة ماهر يجب أن يقضي 12 ساعة كل يوم في مركز الشرطة التابع للحي الذي يعيش فيه للتأكّد من عدم قيامه بأي نشاط مضاد للنظام.
وقال ماهر: النظام الحالي لا يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم.. السيسي تعلم مما حدث لمبارك.. لذلك هو لا يريد تكرار ما حدث مرة أخرى".
في السجن، ماهر كان شخصية تتسم بالتحدي، حيث أرسل مرارا وتكرار انتقادات للنظام الحاكم من خلف القضبان، ووصف محنته في السجن إلى وسائل الإعلام الغربية، والمصرية، وذات مرة قال "عندما سمعت كلام الرئيس حول سيادة القانون وحقوق الإنسان في مصر، قلت: ما هذا الهراء؟".
بعد الخروج من السجن، قرر ماهر إبقاء لحيته ﻷنها تساعده على إخفاء هويته، خاصة أن العديد من قادة حركة 6 أبريل تعرضوا لهجمات من جانب الموالين للنظام الذين يحملونهم مسؤولية حالة عدم الاستقرار والعنف التي تعيشها البلاد.
ماهر أصبح أكثر حذرا في حديثه مع الصحيفة، فهو يخشى أن يعيده النظام مرة أخرى إلى السجن إذا وجه انتقادات لاذعة للرئيس السيسي بقسوة، وقالت ريهام زوجته : "السجن ينتظر زوجي حتى لو شيء بسيط .. وهذا سوف يكون كارثة بالنسبة لنا.. فصمته هذا ضد طبيعته".
بحسب الصحيفة، حملة السيسي على المعارضة تفوق في قوتها أحلك فترات قمع وقعت في عهد الرئيس اﻷسبق مبارك.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي خلف القضبان حاليا في السجون المصرية، وفي نهاية عهد مبارك كان عدد السجناء يتراوح بين 5 لـ 10 آلاف.
وحاليا تمتلئ السجون في مصر بـ3 أضعاف قدرتها، والنظام بني 16 سجنًا جديدًا لاستيعاب العدد الكبير من السجناء.
وذات مرة وصفت منظمة العفو الدولية (أمينستي) الشباب الذين خرجوا للشوارع في مصر لإسقاط حسني مبارك في 2011 بـ " جيل الثورة"، إلا أن اللقب تغير حاليًا وأصبح "جيل السجناء".
كثيرًا من المصريين يقبلون نظام السيسي بحجة أن جولة أخرى من الاحتجاجات يمكن أن يستفيد منها المتطرفون.
وقال خالد داوود الصحفي: السيسي وضع نفسه زعيما أوحد يتخذ القرارات لأنه يعلم ما هو الأفضل للأمة.. وحفظ البلاد من مصير سوريا وليبيا .. المصريون فخورون بأن الرئيس ترامب أشاد به على عكس أوباما الذي علق المساعدات العسكرية لمصر لمدة عامين بعد مقتل نحو ألف شخص من أنصار اﻹخوان في رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013 .
حملة السيسي جاءت وسط حصوله على صلاحيات قانونية واسعة لم تحدث من قبل، فبعد إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان عام 2013، أصدر سلسلة من المراسيم الرئاسية التي منحته قوة غير مسبوقة لإسكات منتقديه، من بينها
قانون التظاهر الذي صدر في نوفمبر 2013 ويحظر التظاهر ويطالب بضرورة إخطار الداخلية قبل 3 أيام من التظاهر.
كما أن "محمد ناجي شحاتة" المعروف باسم "القاضي الجلاد" المستمر من عهد مبارك، حكم ضد المئات بالسجن واﻹعدام على الناشطين المؤيدين للديمقراطية.
في أوائل عام 2016، حكم شحاتة على ثلاثة شبان من أعضاء 6 أبريل، كانوا يحضرون حفل تأبين لزميلهم قتل عندما ألقي القبض عليهم، بالسجن مدى الحياة للاحتجاج بدون ترخيص، وحيازة الألعاب النارية ونشر معلومات كاذبة، وتم تخفيض الحكم لاحقًا إلى 10 عاما.
وقال "سامح سمير" محام مع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يدافع عن معتقلي التظاهر:" مكتبه لم يعد يتحمل عدد القضايا.. النظام أعاق قدرة جماعات حقوق الإنسان على الدفاع عن المحتجين بعد تجميد حساباتهم المصرفية، مما يجعل من الصعب على نحو متزايد قبول الأموال الأجنبية، وهي في كثير من الأحيان شريان الحياة لهذه المنظمات.
"أيمن" أحد مؤسسي حركة 6 إبريل - الذي طلب عدم نشر اسمه الأخير - معتقل منذ ديسمبر 2015 بعد مشاركته في مظاهرة غير قانونية، ويقبع في زنزانة صغيرة مع 35 من الإسلاميين، وكان ينام وسط عدد كبير من السجناء على بطانية على اﻷرض، ويقضي حاجته في حفرة تحيط بها الستائر ولم يسمح له بمغادرة الزنزانة.
وقال: إذا أردت البقاء على قيد الحياة يجب إلغاء كلمة الخصوصية من قاموسك الخاص".
وبعد أسبوعين، نقل أيمن إلى زنزانة صغيرة أخرى مع 11 سجينًا في انتظار التحقيق، ويتقاسمون بضعة بطانيات رقيقة، ويشربون المياه من أنبوب صدى.
وقال أيمن: العديد من السجناء الذي التقى بهم في السجن وظلوا فترات طويلة ويتعرضون للتعذيب أصبحوا قنابل بشرية.. جميعهم عطشى للخروج من أجل الانتقام".
ماهر يسترجع ذكريات ما حدث،قائلا: بعد أيام من إعلان حسني مبارك استقالته .. أرسل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سيارة ﻹيصال ماهر وثلاثة من قادة الاحتجاجات إلى فيلا مملوكة لـ مسؤولي الاستخبارات العسكرية، واستقبلهم عبد الفتاح السيسي الذي كان حينها رئيسا للمخابرات، واثنين من الجنرالات الآخرين ببالغ الاحترام، وأشاد بهم السيسي قائلا :" أنتم أبطال.. فعلتم المعجزات.لقد أسقطتم مبارك..لقد فعلتم شيئا فشلنا فيها على مدى سنوات .. ولكن الآن نحن بحاجة لوقف التظاهر".
رفض ماهر وأصحابه طلب السيسي، قائلين: الثورة ليست كاملة.. نحن بحاجة إلى تغيير الحكومة، وهيكلها .. وظل بيننا لقاءات على مدى الأشهر الستة المقبلة بعد إسقاط مبارك، واجتمعنا مع السيسي ثلاث مرات.
وتابع: السيسي أكّد أكثر من مرة على ضرورة التوقف عن التظاهر والوقوف معا ضد الأعداء.. السيسي دائما يكره الاحتجاجات".
وبعد فترة، أصبح كثير من المصريين في أمسّ الحاجة إلى الاستقرار، و 6 أبريل وجدت نفسها فجأة تفتقر إلى أي دعم شعبي.
وقالت أمل شرف المتحدثة باسم 6 أبريل لوسائل الإعلام الأجنبية:" في ذلك الوقت، لم يكن هناك شخص واحد في الشارع ضد السيسي.. ولكن بعد تكرار عمليات قتل المتظاهرين ..حاولت 6 إبريل التظاهر .. إلا أن الناس طاردتنا بالسكاكين ".
وبعد أيام من "الانقلاب" الرئيس المؤقت، عدلي منصور، استدعى ماهر للقصر الرئاسي وطالبه بالقيام برحلات خارجية للتأكيد على أن ما حدث لم يكن انقلابا، إلا أنّ ماهر رفض وأكدت كل قيادات الحركة :" أن ما حدث في 3 يوليو انقلابا عسكريا"، وبعدها تعرضت الحركة للتضييق وقبض على ماهر.
الحكومة لا تزال صارمة ضد الحركة، وقال أحد كبار المسؤولين المصريين -الذين رفض الكشف عن اسمه-: 6 إبريل ليست منظمة سلمية .. لقد كانت حركة فوضوية استخدمت العنف ضد قوات الأمن وتحرض على العنف".
وفي حين أن الاستقرار الذي فرضه السيسي وأكسبه تأييدا واسعا، تأثر بالتحول الاقتصادي الذي لم يتحقق، فقد انهارت السياحة، واتفق النظام 8 مليارات دولار على توسعة قناة السويس التي لم تأتِ بالأرباح المتوقعة، وحدث نقص في مختلف السلع اﻷساسية.
كما أن شعبية السيسي تآكلت بين الفقراء بعد اﻹجراءات الاقتصادية التي طالبها صندوق النقد للحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ومن بنيها تحرير سعر الصرف التي أطلقت موجة غلاء واسعة أثرت بشدة على السواد اﻷعظم من المصريين.