بلومبرج : التعويم دواء مُر.. فهل يصبر المصريون حتى يسري مفعوله؟
ثمة قرابة 92 مليون مواطن في مصر، ونادرًا ما يكترث أحدهم بمتابعة أسعار الأسهم، لكنهم جميعا يهتمون بأسعار الغذاء، وبالنظر إلى الإطاحة برئيسين مصريين في ستة أعوام في انتفاضات شعبية، يكون برنامج الإصلاح الذي يرتكز على تعويم العملة محفوفًا بالمخاطر السياسية.
وتقول الحكومة إن تعويم الجنيه دواء مُر لإنقاذ الاقتصاد المأزوم، فهل سيبقى الشعب صابرًا ريثما يسري مفعوله ؟
سؤال طرحته شبكة "بلومبرج" الإخبارية الأمريكية المعنية بالشأن الاقتصادي في تقريرها الصادر اليوم الخميس على موقعها الإلكتروني والذي حمل عنوان " تجارة وحيدة فقط تُظهر أداء جيدًا في ظل انخفاض الجنيه".
وذكر التقرير أن الحياة في القاهرة، منذ قررت الحكومة تحرير سعر صرف الجنيه في الـ3 من نوفمبر الماضي، تزداد سهولة إذا ما كنت تبيع الأسهم أولا بأول وتجني أرباحها لكي تعيش، لكنها تشتد صعوبة إذا ما كنت تبيع الفاكهة.
واستشهد التقرير بـ مصطفى النجاتي، الموظف في مؤسسة "أرقام كابيتال" والذي قال إنه كان يشعر بالخوف من "اندثار هذه المهنة".
وأشار العجاتي وهو رئيس قسم المبيعات المؤسسية، إلى هروب المستثمرين من مصر في أعقاب ثورة الـ 25 من يناير 2011، حيث أسهمت الضوابط الصارمة المفروضة حينها على سعر الصرف في تخوف المستثمرين من العودة مجددًا. لكن ومع قيام البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه قبل أربعة أشهر، "يتوافد العملاء من كافة الأصناف. لقد تغيرت الأمور بشكل مذهل حقًا،" وفقا لـ النجاتي.
وعلى الجانب المقابل من النيل حيث يظهر من نافذة مكتب النجاتي، حي إمبابة الذي تقطنه الطبقة العاملة ويمتلك فيه جميل حسن متجرًا لبيع الفاكهة والذي يؤكد أن الأحوال تغيرت للأسوأ كثيرا بالنسبة له أيضا، وهو ليس في أفضل حال.
وأوضح حسن: لم يعد "الزبائن يشترون الآن 3 أو 5 كيلو فاكهة كما كان الحال في السابق، ولكنهم اتجهوا إلى شراء ما يكفي يومهم فقط." وأتم:" ما يحدث الآن جنون."
وأشار التقرير إلى أن الجنيه فقد قرابة نصف قيمته بعد التعويم، كما ارتفع معدل التضخم ليلامس 30%.
وأكد التقرير أن أسواق المال لم تشعر بنفس الضغوط، إذ استغل المستثمرون الأجانب ميزة انخفاض العملة المحلية ليتسابقوا على شراء الديون المصرية. كما قفزت الأسهم إلى أعلى مستوياتها في يناير. وتوافد المستثمرون الأوروبيون والأمريكيون والخليجيون أيضًا مجددًا على القاهرة وعقدوا اجتماعات مع مسؤولين ومصرفيين محليين.
وأفاد التقرير أنه وبرغم أن هذا تطور إيجابي بلا شك، لكنّه لا يخبر القصة كاملة، وهذا ما أقرّ به نائب رئيس الوزراء السابق زياد بهاء الدين في مقالة صحفية في أعقاب اجتماعه مع مجموعة من المستثمرين. وقال بهاء الدين:" المشكلة هي أن الواقع الاقتصادي الذي يعيشه المواطن يوميا مختلف تماما."
وواصل:" الوضع خطير إذا ما اتسعت الهوة بهذا الشكل."
ويعاني المواطنون في البلد العربي البالغ تعدد سكانه 90 مليون نسمة- يعيش نصفهم تقريبًا حول أو تحت خط الفقر- من موجة غلاء غير مسبوقة في الأسعار. لكن المحافظة على الاستقرار الاجتماعي قد تكون مرهونة بقدرة صناع القرار على الوفاء بوعودهم للمواطنين بأن الأعباء والضغوطات المعيشة الحالية عابرة.
وسلط التقرير الضوء أيضًا على الاحتجاجات التي خرجت مؤخرًا في عدة محافظات إثر قرار وزير التموين خفض حصص الخبز للمخابز، وقطع مواطنون خلالها طرقًا رئيسية وخطوط قطارات.
ودفعت هذه الاحتجاجات وزير التموين والتجارة الداخلية المصري على المصيلحي إلى التراجع عن القرار وتأكيد أنه سيرفع حصة الكارت الذهبي للمخابز، والتي يستفيد منها أغلبية ضئيلة من المصريين ممن لا يمتلكون الكارت الذكي لشراء أرغفة خبز رخيصة الثمن.
كان البنك المركزي المصري قد أعلن في التاسع من مارس الجاري أن معدل التضخم الأساسي ارتفع إلى 33.1 % على أساس سنوي في فبراير من 30.86% في يناير.
وبذلك يسجل أعلى مستوى منذ نوفمبر 1986، عندما بلغ 30.6%. وذلك وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتخلت مصر في نوفمبر الماضي عن ربط الجنيه المصري بالدولار الأمريكي عند مستوى 8.88 جنيه للدولار، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه بنحو 50%، وأحدث ارتفاعات هائلة في أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية.