فورين أفيرز:
بعد وستمنستر .. هل تنجح لندن في منع التطرف؟
لم يكن هناك شك في أن المملكة المتحدة سوف تشهد هجوما إرهابيا آخر، ولكن التساؤل كان حول توقيته، ومن ثم، لم يكن الهجوم الأخير فى وستمنستر أسفر عن مقتل اربعة اشخاص وإصابة العشرات بجراح.
وتبين أن مرتكب الجريمة خالد مسعود، مواطن بريطاني تحول إلى الإسلام، كما أصدر تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف باسم داعش) بيانا يصف مسعود بأنه "جندي من تنظيم الدولة الإسلامية، نفذ العملية استجابة لدعوات استهداف مواطني التحالف".
وكان البلد هدفا للمتطرفين الإسلاميين، منذ فترة طويلة، ومن أدلة ذلك، التفجيرات التي استهدفت شبكة النقل في لندن يوليو 2005 ،و أسفرت عن مقتل 52 شخصا، وطعن مواطن حتى الموت فى مايو 2013، وكذلك سفر ما يقرب من 850 شخصا من البلاد إلى سوريا للقتال في صفوف داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة.
ومع ذلك، يعتبر "روبن سيمكوكس" الباحث في مركز هنري جاكسون المتخصص في شئون الجماعات الإرهابية، زميل مارجريت تاتشر في مؤسسة التراث، أن كل هذه الأحداث ليست سوى خدوش سطحية! ففي كل عام تقريبا منذ 11 سبتمبر، تحبط المملكة المتحدة ـ أو تواجه ـ هجوما إرهابيا كبيرا. غير أنه ينتقد، في مقال نشرته فورين أفيرز ـ ما يصفه بسلبية السياسة البريطانية.
سياسة الوقاية
يرى سيمونكس أن سياسة لندن وفي مواجهة خطر الإرهاب، لم تكن إيجابية بالمرة. وفي الخارج، التزمت قواتها العسكرية بالجهود الحربية في أفغانستان والعراق وسوريا ونفذت تدريبا لمكافحة الإرهاب في الصومال ومالي.
وعلى الصعيد المحلي، صدر 264 حكما بالإدانة في المحاكم البريطانية بسبب جرائم الإرهاب لتي ارتكبها الإسلاميين. ووضعت وزارة الداخلية استراتيجية لمكافحة الإرهاب واستراتيجية لمكافحة التطرف.
وتراقب اجهزة الامن اكثر من ثلاثة آلاف شخص في المملكة المتحدة يشتبه في انهم على استعداد لارتكاب هجمات. وتعمل إدارات المباحث المحلية والخارجية ، وإدارة الإشارات، مع الشرطة بشكل فعال؛ ولا يكاد يرد ذكر للحروب الاستخباراتية التي تضرب البلدان الأوروبية الأخرى.
وفي عام 2014، تمكنت وزيرة الداخلية آنذاك (رئيسة الوزراء الحالية) تيريزا ماي من فرض التدابير الرامية إلى تجريد البريطانيين المشتبه بكونهم إرهابيين من الجنسية إذا كانوا مزدوجي الجنسية أو إذا كان هنا سببا معقولا للاعتقاد بإمكانهم الحصول على جنسية أخرى.
وتمكنت المملكة المتحدة أيضا من ترحيل بعض الأجانب المشتبه بكونهم إرهابيين (على الرغم من المعارضة القوية من المحاكم استنادا إلى حقوق الإنسان، التي كانت عائقا دائما).
وكان هذا من أسباب تطبيق حكومة العمل قواعد المراقبة في 2005. وقامت الحكومة الائتلافية بتعديلها لاحقا، وتم تغيير اسمها إلى تدابير منع الإرهاب وإجراءات التحقيقيات في عام 2011.
وتستهدف التدابير الأشخاص المشتبه فيهم الذين لا يمكن توجيه تهم إليهم أو ترحيلهم، مما يسمح للدولة بمصادرة جوازات سفر المشتبه بهم، ومنعهم من الانضمام إلى المشتبه بهم الآخرين أو الذهاب إلى بعض المساجد، وكذلك منعهم من استخدام أنواع معينة من الأجهزة الإلكترونية، وفرض حظر التجول عليهم.
وعلى الصعيد الفكري، يهدف برنامج المنع، لمناهضة التطرف، الذي عرضته حكومة العمل في عام 2003، ولكن لم يطرح بالتفصيل سوى 2006، إلى "منع الناس من أن يصبحوا إرهابيين أو داعمين للإرهاب".
ويتيح برنامج المنع للحكومة المحلية، والمدارس، والجامعات، والسجون، والمستشفيات، والحماعات الإسلامية، العمل معا من أجل تحديد أيديولوجية المتطرفين الإسلاميين وتحديها (على الرغم من أن بريفنت يركز على جميع أشكال التطرف).
وثمة جزء متزايد الأهمية من برنامج "المنع" هو" القناة" وهو عملية تدخل، تهدف إلى إنتشال الأفراد من الإرهاب. وشهد العقد الماضي الآلاف من الإحالات ضمن هذه العملية.
وكان استجابة المملكة المتحدة للإرهاب الإسلامي بعيدة عن الكمال. غير أن مثل هذه التدابير ـ وكذلك وجود القناة الإنجليزية، وقرار المملكة المتحدة بعدم الانضمام إلى منطقة شنجن، وتحفظها في قبول أعداد كبيرة من اللاجئين - مكنت لندن من حماية نفسها بفعالية على نحو أكبر من غيرها العواصم.
ما يجب عمله
غير أن سيمونكس يرى أن مازال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. فقد كان مسعود موجودا بالفعل على رادار الاستخبارات البريطانية، ومن ثم سيقوم جهاز الأمن الداخلي بتحليل ما كان يمكن القيام به لمنع الهجوم، والحيلولة دون وقوع غيره مثله في المستقبل. وبطبيعة الحال فإن إدارة الأمن الداخلي (المعروفة باسم MI5) لا يمكنها تتبع جميع المهاجمين المحتملين، عل الرغم من زيادة تمويلها.
وكان رئيس الإدارة قد ذكر في وقت سابق أنها تستطيع فقط ضرب التهديدات الوشيكة، ولم يكن مسعود يعتبر تهديدا وشيكا. ولا يوجد جهاز أمن ينجح كل مرة، ولا يمكن توقع ذلك. ومن المستحيل منع جميع الأفراد المتطرفين الذين لديهم الرغبة في القتل، من استئجار سيارة أو شراء سكين.
ومع ذلك، هناك مجالات ينبغي على الحكومة تركيز جهودها عليها. ولا شك أن الحاجة واضحة إلى تفكيك ما يسمى بالخلافة في العراق وسوريا. وبينما ينبغي أن تركز المملكة المتحدة على تنظيم داعش، فإنها لا تستطيع أن تتجاهل الأخطار التي تشكلها القاعدة والجهات المنتسبة إليها.
وعلى الصعيد المحلي، هناك اتجاه واضح لتحول من لديهم تاريخ من الجرائم الصغيرة أو العنيفة، إلى أعمال الإرهاب. ومن ثم، يجب على الحكومة إعطاء الأولوية لمعالجة التطرف في السجن ومنع نشر الأفكار المتطرفة في هذه السجون. فضل عن أن السلطات أدركت منذ عام 2001 ـ على الأقل ـ أن الإرهابيين يستغلون المكتسبات التي يحصلون عليها من الدولة لتمويل الأنشطة الإرهابية. ومن غير المقبول أن يستمر ذلك.
ورغم أن مسعود يبلغ 52 عاما من العمر، فإن داعش تركز في الواقع على المجندين الأصغر سنا لتنفيذ هجمات في الغرب واستخدام تطبيقات الرسائل المشفرة من أجل القيام بذلك. ويتعين على الحكومة البريطانية أن تجعل الشباب قادرين على الصمود أمام إغراءات هذه الأفكار. ولا شك أن نظام التعليم يشكل جزءا مهما من هذه المعالجة.
رغم أن تحقيق تواصل أفضل مع القيم البريطانية وفهم أوسع للتاريخ البريطاني، قد لا يكون دواء شاملا للتطرف، إلا أن المرجح أن يكون مفيدا. ويجب على الحكومة أيضا العمل بشكل وثيق مع شركات التكنولوجيا لتقليل تأثير أنشطة داعش على الإنترنت؛ كما أن عليها أن تضمن قدرة مكتب الاتصالات الحكومية على مواجهتها.
وفي النهاية، ينتقد الكاتب تقليل مكتب الشئون الخارجية والكومنولث من خطر أيديولوجية الإخوان المسلمين، ويدلل على ذلك بمذكرة قدمها المكتب مؤخرا إلى لجنة لدراسة الاخوان المسلمين تابعة لوزارة الخارجية، تدلل على أن بعض أشكال الإسلاموية تتبنى "المبادئ الديمقراطية والقيم الليبرالية". مؤكدا على أنه ليس هناك ما يدل على أن جماعات مثل الإخوان المسلمين لديها أي إخلاص للقيم الليبرالية كما هي مفهومة في الغرب.
ويرى أن الليبراليين الحقيقيين يتم تهميشهم، في الواقع، اعتمادا على التصور بأنهم ليسوا "أصواتا ذات مصداقية".
وينبغي أن يسهم الهجوم الذي نفذه مسعود في تغيير الموقف في المملكة المتحدة. ويطالب سيمونكس برد فعل قوي حاسم ـ من الدولة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني الأوسع - على نطاق واسع لرد خطر الفكر المتطرف الإسلامي، يضمن أن ألا يكون الدم الذي سال مؤخرا في لندن قدمة لما هو أسوأ في المستقبل.