بعد 6 سنوات من الانفصال.. الخوف والجوع يفترسان جنوب السودان
أدى الصراع على السلطة بين سيلفا كير، رئيس جنوب السودان، الذي ينتمي عرقيا إلى جماعة دينكا، ونائبه السابق، ريك مشار (من النوير) إلى تقسيم الجيش الوطني على أسس إثنية في ديسمبر 2013، مما دفع جنود من كل فصيل إلى مواجهة بعضهم البعض في العاصمة جوبا.
وسرعان ما انتشر القتال في جميع أنحاء البلاد، ليطلق حملة من القتل الجماعي والاغتصاب، على الجانبين. وتتراوح تقديرات عدد قتلى الصراع بين خمسين ألف ومائة ألف قتيل، ويتوقع مراقبون أن يزيد العدد الآن عن ذلك بعدة عشرات من الآلاف. وقد فر أكثر من 1.5 مليون اخرين من البلاد، ويعيش حاليا حوالى 800 الف سودانيجنوبيفي شمال أوغندا.
وكان المفترض أن يتوقف هذا النوع من التصعيد إثر اتفاق سلامبين كير ومشارفي أغسطس 2015، تحت تهديد من الأمم المتحدة بفرض عقوبات.
ولكن قبل التوقيع على الاتفاق، أقر كير علنا بأنه لا يوافق على شروطه، مشيرا إلى أن القرار - الذي دعا مشار إلى مغادرة إثيوبيا والعودة إلى جوبا ليكون نائبا أول للرئيس كير - كان محكوما عليه بالفشل منذ البداية.
ولم يصل مشار إلى جوبا حتى أبريل 2016، وبقي فيها حتى يوليو، عندما أسفر القتال بين القوات في العاصمة عن مقتل أكثر من 300 شخص. فهرب إلى الكونغو بعد فترة وجيزة، ويعيش الآن في جنوب أفريقيا. ثم قصفت حكومة كير معسكره في جوبا وأطاحت به من منصب نائب الرئيس. فعاد جنوب السودان إلى الحرب.
بعد بضعة أشهر زار أداما دينج، مستشار الأمم المتحدة، المعني بمنع الإبادة الجماعية، جنوب السودان ، في نوفمبر. وبعد عودته الى نيويورك حذر مجلس الأمن الدولي من انتشار اعمال عنف عرقية واسعة النطاق وأنه يخشى من تصعيدها لتتحول إلى إبادة جماعية.
وأشار دينج إلى بث الخطاب الذي يحض على الكراهية في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، وإلى تصاعد التوترات العرقية، وإلى توفر الأسلحة باعتبارها بعض العوامل الأكثر إثارة لمخاوفه؛ كما أشار أيضا إلى أن جمود عملية السلام وحاجة جنوب السودان الماسة للمساعدة الإنسانية يمكن أن تزيد الوضع سوءا.
وفي تقرير أعده الصحفي سيوبهان أوجرادي لمجلة فورين أفيرز أشار إلى أن دينج قال له في مكالمة مؤخرا إن تجربته في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا تجعله يرىإرهاصات الابادة الجماعية الوشيكة. وقال "رأينا المعطيات في رواندا". "معظم هذه المعطيات موجودة الآن في جنوب السودان".
وفي فبراير، أعلنت الأمم المتحدة أن المجاعة وصلت إلى أجزاء معينة من المناطق الشمالية في جنوب السودان.
و توفى بعض الاشخاص بالفعل بسبب الجوع وهناك مائة ألف اخرون معرضون لخطر المجاعة، كما أن 40 فى المائة من إجمالي سكان البلاد في حاجة ماسة الى المساعدات الغذائية.
ويؤكد أوجرادي في التقرير الذي أرسله من بالورينيا في أوغندا، حيث يوجد معسكر للفارين من جنوب السودان، أن الكارثة من صنع الإنسان تماما: فقد خسر المزارعون بسببالقتال الذي دمر محاصيلهم، وأحرق جنود من كلا الجانبين حقولا بأكملها.
وفي حالات أخرى، قتلوا أو شردوا الأشخاص الذين كانوا سيتولون زراعتها. وأدى الصراع إلى تعطيل طرق التجارة الهامة، مما يجعل السفر بين مدن معينة مستحيلا.
كما منعت الحكومة المساعدات لبعض المناطق. وقال نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة ميشيل سيسون الأسبوع الماضي إن هذه الجهود يمكن أن "تصل إلى تكتيكات التجويع المتعمد". وإذا استمرت الحكومة في منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الأماكن المنكوبة بالجوع، مثل بعض مناطق النوير في ولاية الوحدة، تكون موالية لمشار لن تحصل على الغذاء الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة.
الخوف يسود
وفى الشهور الاخيرة، عندما خيمت المجاعة على شمال البلاد، عززت قوات كير هجماتها على المدنيين في المنطقة الجنوبية المجاورة لأوغندا التي ظلت سلمية إلى حد كبير خلال الفترةالسابقة من الحرب.
ويدعي مسؤولون من جنوب السودان أن جنود الجيش الوطني وأفراد ميليشيات الدينكا المتحالفة كانوا يطاردون المتمردين المختبئين في المنطقة.
وفي واقع الأمر، تهاجم قوات كير المدنيين من غير الدينكا الذين اتهموا بالتعاون مع حلفاء مشار، وغالبا ما كانت تنتقم من هجمات المتمردين الصغيرة على القوات الحكومية. ويقول المدنيون الذين فروا مؤخرا من المنطقة إن أنصار كير لا يطلقون النار إلا على الأشخاص الذين يأخذون في الجري.
بينما يلقى من يبقون مصيرا أسوأ. حيث يأخذ الجنود في اغتصاب النساء والفتيات ومن ثم ذبحهن. وكثيرا ما يجبر الرجال والفتيان على المشاهدة، ثم يذبحونهم أيضا.
وحتى في جوبا، يعيش غير الدينكا في خوف من هجمات الجنود التابعين لكير. ومنذ بداية الحرب استولى عشرات الآلاف من المدنيين على قاعدة للأمم المتحدة في المدينة. وكان آخرون في العاصمة يتجمعون ويغادرون إلى أوغندا والبلدان المجاورة الأخرى.
ويحكي معد التقرير عن جاكسون داجو، الذي ينتسب عرقيا إلى قبيلة باكا في جوبا، حيث كان قد عينضابط شرطة في يناير. وبعد اندلاع الفوضى في يوليو، رفض المسئولون منالدينكا دفع راتبه وهددوا بسجنه إذا توقف عن الحضور إلى العمل.
وفي أغسطس، كان داجو يعمل في وردية بعد منتصف الليل عندما رن جرس هاتفه. كان أحد الجيران يخبره أن جنود الدينكا كسروا باب منزله وأطلقوا النار على زوجته، إستر أيوجو البالغة من العمر 20 عاما، أمام ابنتهما الرضيعة. وكانت أيوجو حية، لكنها أصيبت برصاصة في بطنها وأخرى في فخذها. ولم يكن بمقدور داجوسوى تحمل تكلفة إحدى الرصاصتين.
وانتقلت الأسرة الشابة إلى بيت أقاربها بينما تعافت أيوجو، وواصل داجو العمل كضابط شرطة بدون أجر. وقال داجو "أثناء عملي، لم لم يكن يشغل بالي سوى أمرينوا: الأول ديوني المتنامية، والآخر أنني صرت عبدا". وفي نهاية المطاف استدان الزوجان المال من والدي أيوجو لدفع ثمن تذاكر الحافلة إلى أوغندا. والآن أيوجو صارت لاجئة ومازالت الرصاصة الباقية في ساقها - تذكارا مؤلما لسبب رحيلها عن جنوب السودان.
العنف والتدخل
وصارت مثل هذه الهجمات شائعة في جوبا. وفي بداية النزاع، اصطدمت قوات الدينكا بمواطنين من النوير وأعدمتهم في الشوارع. وفي يوليو، ادعى مدنيون أن الجنود قاموا بغارة اغتصاب جماعي، وأن قوات حفظ السلام بين الجانبين، غضت البصر أكثر من مرة بينما كانت القوات الحكومية تغتصب امرأة علنا.
كما طال العنف الأجانب أيضا. ففي أوائل يوليو، أطلق جنود حكوميون كانوا يسيطرون على نقطة تفتيش بالقرب من قصر كير الرئاسي العشرات من الطلقات على سيارتين دبلوماسيتين أمريكيتين (برر مسئولون من جنوب السودان الحادث باعتباره سوء فهم).
وبعد ذلك بأربعة أيام، اقتحم جنود حكوميون مجمعا سكنيا يضم عمال الإغاثة الأجانب، واغتصبوا ثلاثة سيدات منهم على الأقل، وقتلوا صحافيا من النوير. وقال كاميرون هدسون، الموظف السابق في وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، ويدير الآن مركز مكافحة الإبادة الجماعية في متحف المحرقة في واشنطن: "لا يسيطر كيري على المناطق القريبهمن مقر إقامته، ناهيك عن أبعد الحدود في البلاد". وأضاف: "بمجرد إطلاق العنان لهذه القوى القوية جدا، وهو ما فعله ويفعله، سيكون من المستحيل تقريبا له أن يكبحها."
وحتى الآن، فشلت محاولات الولايات المتحدة للتدخل في الصراع. وفى ديسمبر الماضى وبعد بضعة أسابيع من تحذير دينج لمجلس الأمن الدولي من خطر الإبادة الجماعية، فرض المجلس حظرا على تسليم أسلحة من الولايات المتحدة إلى حكومة كير.
كما رفض جنوب السودان جهود الامم المتحدة لنشر قوة حماية اقليمية قوامها أربعةآلاف عضو إضافة إلى حوالى 12 ألف من قوات حفظ السلام الموجودة بالفعل في البلاد. وبسبب معارضةالحكومة، تم إرجاء وصول القوات إلى أجل غير مسمى.
وكانت محاولات وقف العنف قد بدأت خلال رئاسة باراك أوباما. لكن أوجرادي يرى أن إدارة دونالد ترامب لا تبدو مستعدة لاتخاذ المزيد من الاجراءات قريبا. فقدألغى وزير الخارجية ريكس تيلرسون اجتماعا مع الامين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريس فى فبراير الماضى، وكلف نيكي هالي السفير الأمريكي لدى الامم المتحدة بحضور الاجتماع بدلا منه.
ومن ناحيته، نادرا ما يشير ترامب إلى احداث في افريقيا ولم يعين مساعد وزير خارجي جديد للشئون الافريقية. وقال هدسون "اذا انتشرت عمليات الإبادة الجماعية في البلاد" فلن تكون الولايات المتحدة "مهيأة من حيث موظفيها في واشنطن للتعامل معها كما يجب".
أما بالنسبة للمجاعة، فقدأفادت منظمات الإغاثة عن تدهور الأوضاع في جنوب السودان تماما في حين أعلنت إدارة ترامب أنها تخطط لخفض التزامات المساعدات الخارجية للولايات المتحدة، التي ساعدت على إبقاء المدنيين هناك على قيد الحياة.
وكنت أمريكا قد دفعت العام الماضي حوالى 40 في المائة من تكاليف برنامج الغذاء العالمي ومكتب الامم المتحدة للاجئين. ويحذر معد التقرير من أن التخفيضات في تلك الالتزامات يمكن أن يكون لها آثار خطيرة على أمثال أولئك الذين يعيشون من جنوب السودان.
ولم ينس لاجئو جنوب السودان في شمال أوغندا كيف دفع الرئيسان السابقان للولايات المتحدة، أوباما وجورج دبليو بوش، بلادهما نحو الاستقلال عن جارتها الشمالية في عام 2011، مما ساعد على إنهاء حرب استمرت عقود. ويتساءل مدنيون الآن عن السبب في عدم اكتراث العالم بالحرب التي يعانون منها حاليا.