إلموندو: إلقاء «أم القنابل» في أفغانستان.. قصف بلا استراتيجية
منذ توليه منصبه في يناير الماضي، لم تشغل الرئيس دونالد ترامب، قضية أفغانستان، وبعد نحو نصف قرن من الحرب، يواجه هذا البلد رعبا جديدا، حيث أصبح أرضا خصبة لتجربة أسلحة الدمار الشامل.
بعد ظهر يوم 13 مارس خرج ترامب أخيرا عن صمته بشأن أفغانستان، ليس لمناقشة استراتيجيته هناك، لكن لإطلاق قنبلة وحشية (GBU-43) تسمى "أم القنابل".
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "إلموندو" الإسبانية، القنبلة التي يبلغ وزنها 9797 كيلوجراما من المواد شديدة التفجير، هي أقوي قنبلة غير نووية لم تستخدم من قبل، ويتجاوز مدي تفجيرها 1.5 كيلو متر.
كان الهدف، وفقا لمسؤولين أمريكيين، شبكة من الكهوف والأنفاق في واد (بطول 40 كيلو مترا) في منطقة "أشين"، بمقاطعة "نانجارهار" قرب الحدود مع باكستان.
فعلى مدى العامين الماضيين، تمكن تنظيم "داعش" من إنشاء قاعدة له في أفغانستان بهذه المنطقة، وسيطر على عشرات القرى.
أحد الصحفيين الأفغان المتواجدين بالمنطقة يوضح لـ "إلموندو" أن القوات الخاصة الأمريكية المنتشرة هناك، منعت المواطنين الوصول إلى الوادي قبل التفجير، حيث خاضت القوات الأفغانية مع "داعش" قتالا استمر أسبوعين تقريبا في هذه المنطقة.
وقد أكد مسؤولون محليون أفغان في تصريحات صحفية أن الكهوف والأنفاق كانت تشكل ملاجئ أثناء القتال للمسلحين. وهذا الإحباط من الجيش الأفغاني أدى إلى طلب المساعدة من الطيران الامريكي.
الجنرال دولات وزيري، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية، قال إن التقارير الأولية، تشير إلى مقتل 36 من الإرهابيين وتدمير ثلاثة كهوف.
نتيجة الضربة كانت على ما يبدو متواضعة بالنظر إلى القوة المستخدمة، لكن الجنرال جون نيكلسون، قائد القوات المشتركة لحلف "الناتو" والولايات المتحدة في البلاد، قال للصحفيين في كابول "إنه كان السلاح المناسب للهدف الصحيح".
ويقول مسؤولون أمريكيون إن معظم المدنيين فروا قبل أيام من المنطقة، وهو الأمر الذي لا يمكن التحقق منه. فيما أكد سكان قرى تبعد عدة كيلومترات من "أشين" أنهم سمعوا الانفجار وشعروا به.
ومع ذلك، لم تُؤخذ أي استراتيجية سياسية أو دبلوماسية في الاعتبار، فالتفجير لم يُحدث أثرا أكثر مما يحدث في سوريا والعراق واليمن والصومال باستثناء شدته، ولم يكن سوى زيادة كبيرة في عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
الرئيس ترامب، الذي وصف ألقاء القنبلة بالعمل الناجح، قال من جهته إنه أعطى التفويض الكامل للجيش الأمريكي، معتبرا أن هذا السبب وراء نجاحهم في الآونة الأخيرة.
وأضاف "لدينا أعظم جيش على الإطلاق في العالم، ولقد قاموا بعمل (إلقاء القنبلة على أفغانستان) رائع كالمعتاد".
من الواضح أن هذا ما يحدث أيضًا في اليمن والصومال، حيث إن الجيش لديه مناطق قتال ملتهبة يريد مهاجمة أي هدف بها دون اعتبار لسقوط ضحايا من المدنيين. تشير "إلموندو"
وأضافت الخسائر غير العسكرية في سوريا والعراق زادت بشكل كبير منذ تنصيب ترامب، لأن الجيش أصبح لديه الآن سلطة أكبر لمهاجمة الأهداف، وهو ما يؤكده تقرير أعدته مجموعة "Airwars" المراقبة للضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي في العراق وسوريا ضد داعش، إذ تضاعف عدد القتلى المدنيين منذ فبراير إلى مارس (من 1782 في فبراير إلى 3471 في مارس).
استراتيجية "القصف غير المحددة" أحدثت خسائر فادحة في صفوف المتحالفين، كما في العدو. تكتب الصحيفة الإسبانية، التي لفتت إلى أنه في منتصف أبريل، أسفر هجوم لطائرات أمريكية بدون طيار شمال سوريا عن مقتل 18 شخصا من قوات سوريا ديمقراطية، وهي ميليشيا مسلحة تدعمها أمريكا، في واحدة من أسوأ حوادث "النيران الصديقة" حتى الآن.
ويواجه الرئيس الأفغاني أشرف غني، أزمات على جبهات متعددة، فبالإضافة إلى حركة طالبان، يوجد انهيار اقتصادي، وعشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من البلاد، وأزمة سياسية كبيرة في كابول.
ويطالب غني، الولايات المتحدة بالضغط على باكستان لإجبار حركة طالبان على الانخراط في محادثات سلام مع حكومة كابول.
وتتطلب هذه المشاكل السياسية من الولايات المتحدة قيادة حوار معمق في أفغانستان، وإطلاق آليات دبلوماسية مع دول الجوار، والتي كان بعضها معلقة منذ سنوات من إدارة أوباما. لكن لا شيء، يشير إلى أن ترامب سوف يقوم بهذه التحديات السياسيةـ تؤكد "إلموندو".
وأوضحت لأنه بالنسبة للعديد من الأمريكيين التغير المفاجئ في سياسات ترامب بسوريا وأفغانستان تعكس في الظاهر استراتيجية قوية. لكن الحقيقة أن الاستخدام المفرط للقوة من دون دبلوماسية لاحقة وبناء للجسور، هو انعدام تام للاستراتيجية وعدم القدرة على تحقيقها. وفي عالم مستقطب بشكل متزايد، لا تزال للجيوش قدرة محدودة لتغيير الواقع على الأرض.