الإسلام ليس عقبة أمام التحوّل الديموقراطي العربي؟

كتب: أحمد ياسين

فى: مقالات مختارة

18:40 16 نوفمبر 2016

«إنّ الإسلام لن يكون عقبةً فعليةً أمام تحول العرب إلى الديموقراطية، مثلما أنه لم يكن عقبةً، في العصر الحديث، أمام دخول العرب إلى عصر الرأسمالية أو الاشتراكية».

هذه المقولة التي يُثْبتها الكاتب السوري شمس الدين الكيلاني٬ في مقدمة كتابه «مفكرون عرب معاصرون (قراءة في تجربة بناء الدولة وحقوق الإنسان)» (عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت)، هي التي تلخص - بصراحتها ووضوحها - مضمون الكتاب، الذي يعالج مدى مسؤولية الإسلام عن تأخر العرب في مجال تنميتهم السياسيّة الحديثة، لمحاولة الإجابة عمّا إذا كان الإسلام والأفكار المتداولة للمسلمين عنه، قد شكّلت عقبةً أمام دمقرطة الدولة العربيّة وأمام تقدّم حقوق الإنسان في بلداننا. وذلك من خلال تسليط الضوء على الصّلات الكثيفة، المعقدة والمتبادلة، بين الثقافة السياسية عند المسلمين والديموقراطية وحقوق الإنسان، «لنتبيّن أنّ هذه الثقافة، بعيدةٌ جداً، عن كونها ظاهرةً غير متغيّرة وغير منوّعة». فالتحولات الديموقراطية الكبرى (التي أطاحت الأنظمة الفاشية في دول جنوب أوروبا، ومن ثم الأنظمة الاستبدادية، التي تهاوت – وبالترافق مع انهيار الاتحاد السوفياتي ونظامه الشمولي مع نهاية الحرب الباردة - في بلدان أوروبا الشرقيّة الشيوعيّة)، قد لفتت المراقبين إلى «صمود « الوضع السياسي العربي ومناعته أمامها. فبرز أمامهم عدد من التساؤلات عن العقبات الذاتية والموضوعية التي تقف عثرةً كأداء أمام التحوّل العربي نحو الديموقراطية وتوطين حقوق الإنسان في الحياة العربيّة.

حاول بعض الباحثين تقديم أُطرٍ تفسيريّةٍ متباينة لهذه الظاهرة، وكان أخطر هذه الأطر وأكثرها شيوعاً، هو الذي ركّز على العامل الثقافي فحسب، إذْ إنه وضعَ الثقافة الإسلامية (بجعله الديموقراطية على النقيض من الإسلام) في موقع العقبة الجوهريّة، أمام قيام الدولة الديموقراطية والتقدُّم. وإزاء ذلك، اجتهد الكتاب في التشديد على أنّ تفكير الجماعات في الإسلام، ليس جامداً مغايراً للتحوّل، بل يتأثر بعوامل التغيّر الاجتماعي التاريخي، وعلى أن المسلمين، مثل غيرهم من الجماعات، لا يمكن فهم أفكارهم إلاّ في سياق تطور حياتهم الاجتماعيّة، والتصاقهم بموْشور التنوّعات التي حكمتْ اجتماعاتهم السياسية. ومن هنا، تمركز الكتاب على الإسلام في علاقته بالدولة وبمفاهيمهم وحقوق الإنسان، وذلك بإجراء مقاربة للموضوع من زوايا مختلفة.

يتألف الكتاب من قسمين، خُصِّص الأول مدخلاً عاماً يُضيء مجريات «إعادة التفكير في الدولة وحقوق الإنسان، مع تحديات الحداثة الغربيّة للفكر العربي». وهو من فصلين: يتمركز «الأول» على الدولة، ويتمركز «الثاني» على مفاهيم حقوق الإنسان. أو الصورة التي تعاطى فيها المسلمون المعاصرون مع هذه الدولة، ووجهة نظرهم في مسألة هذه الحقوق في الإسلام، مع ما واكب ذلك من تحوّلاتٍ في أفكارهم في العصر الحديث من تيّار الإصلاحية الإسلاميّة إلى الحاكمية القطبيّة (نسبة إلى سيّد قطب) وما ولّدته من أطروحات التشدّد والتفكير والعنفْ.

القسم الثاني للكتاب، إضاءة وجهات نظر سبعة مفكّرين عرب معاصرين في تجربة بناء الدولة وحقوق الإنسان في المجال الإسلامي. ويضم هذا القسم سبعة فصول هي:

الأول: عبدالله العروي: الدولة السلطانيّة وطوبى الخلافة ومفاهيم حقوق الإنسان. يربط العروي مفهوم الحريّة بمسألتيْ الدولة وحقوق الإنسان. وهو يدعو إلى تبنيّ المفاهيم الليبرالية لأن الفرد في هذه المفاهيم ناشط في هيئة إنتاجيّة واجتماعية. وهو يرى أنَّ تحقُّق الحريّة مشروط بأن تعْقل، أيْ أن تُصبح «حريّة عقلانيّة»، أيْ تختلف عما هي في التراث الإسلامي.

والثاني: وجيه كوثراني في التجربة السياسيّة الإسلامية (علاقة المؤسسة السياسيّة بالدينيّة): يرى كوثراني أن الدولة لكي تكون دولة وطنيّة لا بدَّ من أن تكون ديموقراطية (دولة مواطنة) أو أن تتحول إليها بالضرورة أو الاختيار، ويرى أن مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان، أصبحت نموذجاً عالميّاً.

والثالث: رضوان السيّد: إضاءات على تحوّلات السّلطة وحقوق الإنسان في الإسلام. المطلوب لدى السيد دولة حديثة توفر لأبنائها المشاركة الفعلية الديموقراطية، والحوار مع العالم، والمشاركة في صنْع الحضارة. وهو يرى أنَّ حقوق الإنسان هي قضيّة فَهْمٍ والتزام تتأسّس عليها الحريّة الإنسانية البنّاءة، القائمة على القيم الأخلاقيّة.

والرابع: محمد عابد الجابري: «الدولة وحقوق الإنسان في الإسلام». يطالب الجابري بتجديد (تبديل) محدِّدات العقل السياسي العربي الثلاثة: الاجتماعيّة (القبيلة) والاقتصادية (الغنيمة) والثقافية (العقيدة)، وذلك كشرط ضروري للنهضة والتّقدم العصريين. ومفاهيم حقوق الإنسان مرتكزة لديه على التصوّر الإسلامي (القرآني) لها.

والخامس: برهان غليون: «من نقد دولة الحداثة العربيّة إلى نقد مفهوم الإسلاميين المعاصرين للدولة». يرى غليون أن استلهام الدِّين أو الإسلام وقيمه وثقافته في التوجيهات السياسيّة، أمر لا يتعارض مع آليات عمل الدولة الديموقراطيّة الحديثة، شريطة ألاّ يُستعمل الدِّين للفرقة والاستقواء، ويمسّ بقيم المواطنة وحقوقها.

والسادس: عزمي بشارة: الدولة في علاقتها بالإسلام. ولدى بشارة أن الدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على أساس المواطنة والحقوق المدنيّة، والمهم أن يلتزم نظام الحكم في شكل واثق وموثوق بالمبادئ الديموقراطية التي تشّكل أساساً لأي دستور ديموقراطي.

والسابع: حسن حنفي: من التراث والتجديد نحو اليسار الإسلامي و»دولته». وفي هذا الفصل، يقول الكيلاني أنّ حسن حنفي في تفسيره النّص والتراث، في ما يتعلّق بقيم الحداثة، أرضى الإسلاميّ المعتدل... غير أنه أخفق في أن يستخلص من نقده التراث نتائج حاسمة تشكّل أرضية مقبولة لقارئه المتطلّع إلى المستقبل.

* كاتب لبناني

 

نقلا عن الحياة

اعلان