علاء الأسواني: كيف "تطرمخ" على القتل في خمس خطوات؟!
هذه الطريقة في الطرمخة (التغطية) على القتل لا تستعمل إلا عند الضرورة لأنها تحتاج إلى مجموعة كبيرة من المنفذين : إعلاميون ونجوم سينمائيون ولاعبو كرة قدم ورجال عدالة وخبراء استراتيجيون ونواب برلمانيون بالإضافة إلى أجهزة سيادية ووزارات عديدة. تستعمل هذه الخطة عادة عندما يموت مواطن من التعذيب في قسم الشرطة. عندئذ يجب حماية ضابط الشرطة الذي قتله لأنه لو حوكم وسجن فإن زملاءه الضباط سيشعرون أن الدولة التي يحمونها لا تحميهم. عندئذ سيتوقفون عن ضرب المتهمين لانتزاع اعترافاتهم وسيعاملونهم بالقانون مما سيؤدي حتما إلى سقوط النظام. تتكون خطة "الطرمخة" من الخطوات الآتية:
أولا: امتصاص الغضب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمجرد الكشف عن مقتل مواطن بسبب التعذيب سيثور الناس على فيس بوك وتويتر وستنتشر صور لجسد القتيل وآثار التعذيب عليه. اترك هذه الموجة الغاضبة تمر . لا تتورط في كلام مبكر قد يؤخذ عليك فيما بعد. مادام الناس لم ينزلوا ليتظاهروا في الشارع فلا توجد أي خطورة. اتركهم ينفسون عن غضبهم على الإنترنت وإذا تظاهر أحدهم اسحقه واجعل منه عبرة. بعد يوم أو اثنين ابدأ حملة التصريحات المطمئنة من كبار المسئولين بدءا من رئيس الجمهورية الذي سيصرح أن القتيل مثل أولاده إلى وزير الداخلية الذى سيتوعد أي ضابط بالعقاب إذا ثبت تورطه في التعذيب وحتى أعضاء مجلس حقوق الإنسان (الحكومي) الذين سيؤكدون أنه لا أحد فوق المحاسبة لأننا نعيش في دولة القانون. من المفيد في هذه المرحلة تشكيل لجنة لتقصي حقائق من عناصر موالية للنظام يكون دورهم القيام بزيارات وعقد لقاءات والإدلاء بتصريحات بهدف امتصاص غضب الناس.
ثانيا: التشكيك في المصداقية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه المرحلة سيصدر بيان عن الداخلية يؤكد أن المتهم مات من غيبوبة سكر أو جرعة زائدة من المخدرات أو أنه تعرض لحادث سيارة. سوف تنشر وسائل الإعلام صحيفة الحالة الجنائية للقتيل وقد حفلت بالجرائم مثل الاتجار في المخدرات أو تسهيل الدعارة أو اغتصاب الأطفال. وزارة الداخلية تستطيع بالطبع أن تضيف ما تشاء من جرائم.
عندئذ سيصدق الناس أن القتيل كان مجرما منحرفا مما يساعدهم على تقبل فكرة قتله حماية للمجتمع من شروره.. في نفس الوقت سيتم إرسال مندوبين سريين إلى أقارب القتيل وجيرانه للتفاوض معهم وتخييرهم بين أن يقولوا ما تمليه عليهم الشرطة أو أن يتم القبض عليهم ومحاكمتهم بقضايا ملفقة تلقى بهم في السجن لسنوات. من وسط عشرات الأقارب والجيران لابد أن تجد شخصا لديه استعداد للتعاون مع الشرطة. سيكون تأثيره كبيرا لأن وسائل الإعلام ستبرز كلماته وهو ينفي بشدة أن يكون القتيل مات من التعذيب أو يؤكد أنه كان مجرما خطيرا أو منحلا مدمنا للفاحشة. هذه الخطوة، لو تم تنفيذها بحرفية، ستفقد القتيل تعاطف الرأي العام.
ثالثا: كشف المؤامرة الكونية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه المرحلة يجب إقناع الرأي العام أن حادثة القتل نفسها ليست أكثر من مؤامرة أمريكية صهيونية خطط لها أعداء بلادنا من أجل إسقاط الشرطة حتى تغرق بلادنا في الفوضى ويتم تقسيمها واحتلالها. يجب أن يظهر الخبراء الاستراتيجيون في كل القنوات ليشرحوا أبعاد المؤامرة الكبرى ويحكوا عن مؤامرات مماثلة أضاعت دولا بأكملها ويستشهدوا بدراسات أجنبية لمفكرين عالميين (حتى لو كانت الأسماء غير دقيقة أو حتى وهمية). يجب أن تظهر شخصيات عامة محبوبة لتحذر الشعب من المؤامرة. كأن تظهر نجمة سينمائية وتهتف أمام الكاميرا:
" أناشد شعبنا العظيم. يا أعظم شعب في العالم. يا أهلي وناسي.. احذروا المؤامرة وحافظوا على بلادنا. ابوس أيديكم تحافظوا عليها.. بلدي لن تركع أبدا. أبدا..".
ثم تنخرط في بكاء عنيف (وهو أمر يفعله الممثلون بسهولة) عندئذ سيندفع الرأي العام في الاتجاه المضاد وسيردد كثيرون أن موضوع القتيل قد أخذ أكثر من حجمه وأنه غالبا مؤامرة من أهل الشر ضد رجال الشرطة الوطنيين.
رابعا: تقرير الطب الشرعي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيكون هذا مسك الختام عندما يثبت الطب الشرعي أن القتيل لم يتعرض لأي تعذيب وأنه مات في حادثة سيارة أو من أثر جرعة زائدة من المخدرات. إذا تم إخراج هذا التقرير بشكل جيد وبثه في وسائل الإعلام فإن القضية تكون اقتربت من نهايتها.
خامسا: مكافأة النسيان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد أن تمنح أهل القتيل شيئا يساعدهم على نسيان ما حدث. شقة يتبرع بها رجل أعمال أو رحلة للحج أو العمرة أو منحة تعليم في الجامعة لابن القتيل .. هذه المكافأة ستهدىء نفوس أهل القتيل وتمنع اعتراضهم على أي شيء.
بعد استكمال هذه الخطوات تستطيع النيابة أن تحفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة ثم يعود الضابط إلى ممارسة عمله بطريقة عادية.
ملحوظة أخيرة:
ـــــــــــــــــــــــ
الخطة السابقة تم تطبيقها بنجاح في معظم البلاد العربية وفي مصر تمت "الطرمخة" على حوادث عديدة لقتل مواطنين تحت التعذيب مثل خالد سعيد ومحمد الجندي وأحمد مدحت ومؤخرا مجدى مكين. على أن هذه الخطة تنجح فقط في الدول الاستبدادية حيث الشعب المقهور يميل دائما إلى الإذعان ويتجنب مواجهة السلطة بأي طريقة لكن الخطة لا تنجح في الدول الديمقراطية حيث الشعوب تدافع عن حقوقها بشراسة والجميع سواء أمام القانون.
( فصل من كتاب "تمتع بمنصب الرئيس حتى يوافيك الأجل" )
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com