محمد هاني يكتب:
تأسيس ثالث" لـ"إخوان" مصر؟
شكل إعلان أحد الجناحين المتنافسين على قيادة «الإخوان المسلمين» في مصر عقد اجتماع لمجلس شورى الجماعة في القاهرة قبل يومين مفاجأة، وأثار شكوكاً في انعقاده، خصوصاً أن مستوى الملاحقة الأمنية ومصير السوابق المماثلة خلال الأعوام الثلاثة الماضية يجعلان التفكير بعقد اجتماع كهذا مخاطرة كبيرة، ناهيك عن التنويه به قبل انعقاده.
على الأرجح كان هدف الإعلان الإيحاء بقدرة «الإخوان» على العمل رغم الضربات الأمنية، ومحاولة تجريد الجناح المنافس من مشروعيته بإبراز أن الانعقاد المزعوم تم في القاهرة، بما يعنيه ذلك من وجود على الأرض واستعداد لتحمل كلفته، لا سيما أن غالبية قيادات الجناح المنافس موجودة خارج مصر. ولعل هذا ظهر أيضاً في التركيز على انتخاب الاجتماع «رئيساً من الداخل» لمكتب الإرشاد الجديد، في مقابل القيادة التي اختارها الجناح المنافس في الخارج.
لكن بغض النظر عن ملابسات عقد الاجتماع المزعوم الذي لا يشكل سوى حلقة جديدة في الصراع المستمر منذ نحو سنتين على قيادة جماعة تعاني أزمة شديدة بعد حكم قصير فاشل انتهى بسجن معظم قادتها ودفع آخرين إلى المنافي، كان لافتاً أن يصوّر أصحاب الاجتماع ما جرى باعتباره «التأسيس الثالث» لـ «الإخوان».
يوحي التعبير بأن التأسيس المفترض سيتضمن إعادة بناء الجماعة على غرار «التأسيس الأول» على يد حسن البنا في العام 1928، ثم «التأسيس الثاني» في سبعينات القرن الماضي على أيدي مجموعة من الطلاب والمهنيين الذين بعثوها بعدما قضى على بنائها التنظيمي الصدام مع نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أو ما يطلق عليه «الإخوان» في أدبياتهم «محنة 1965».
غير أن زعم «التأسيس الثالث» لا يعدو كونه أداة دعائية في الصراع الداخلي لـ «الإخوان»، تلعب على مطالبات وتوقعات بتأسيس جديد يعيد إحياء الجماعة بعد «محنتها» الأخيرة. وهو لا يستند إلى توافر شروط موضوعية لإعادة التأسيس، كتلك التي توافرت في المرتين السابقتين على المستويين الفكري والسياسي.
فعلى المستوى الفكري، استغل البنا في المرة الأولى فراغ القيادة الروحية الذي تركه سقوط «الخلافة» العثمانية لطرح جماعته باعتبارها وريثة مشروع استعادة الخلافة. وفي المرة الثانية، استفاد المؤسسون الجدد من تبعات انهيار المشروع الوطني بعد هزيمة العام 1967، ووجدوا بيئة مواتية لنشر أفكار «الصحوة الإسلامية».
كان المجتمع في المرتين مستعداً لتقبل أفكار «الإخوان» ومشروعهم. لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك أن الطلب السياسي على وجودهم لم تنقطع أسبابه، فخلقت رغبة الاحتلال البريطاني بضرب الحركة الوطنية مساحة استفاد منها البنا. ثم استفاد جيل السبعينات من حاجة الرئيس الراحل أنور السادات لإزاحة اليسار من المشهد السياسي، تماشياً مع مقتضيات الحلف الجديد وقتها مع الولايات المتحدة. واستمرت هذه الحاجة مع الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ثم مع الطلب الغربي على «إسلاميين معتدلين» يمكن الاعتماد عليهم في عالم ما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، ومن بعده الانتفاضات العربية.
لا يتوافر للجماعة شيء من هذا أو ذاك الآن. فعلى المستوى الفكري، لا يطرح الجناح الذي أعلن اجتماع القاهرة سوى مزيد من التماهي مع تنظيمات العنف، على ما تظهر اقتراحات المحسوبين عليه منذ ظهرت فكرة «التأسيس الثالث» علناً الصيف الماضي. كما أن «اللجان النوعية» التي تبناها خرجت منها مجموعات عنف، أبرزها حركة «حسم» و «لواء الثورة».
وقد يؤدي هذا إلى أن يتمخض «التأسيس» عن جماعة جهادية لا تضم سوى الأكثر عقائدية وتطرفاً في صفوف «الإخوان»، مع استمرار خسارة القاعدة الفاعلة للجماعة من الطبقة الوسطى المدينية التي تنفر غالبيتها - بحكم تطلعاتها الطبقية - من العنف.
وليس الجناح المنافس أفضل حالاً على هذا المستوى، فجُلّ قادته كانوا مسؤولين أساسيين شاركوا في قيادة الجماعة إلى هزيمتها الأخيرة في 2013. كما أن ما يقدمونه فكرياً لا يتعدى كونه استمراراً لشعار «حماية الدين» الذي بات تسويقه صعباً في مجتمع تتسابق فيه غالبية الأطراف، بما فيها الدولة، على رفع الشعار نفسه.
أما على المستوى السياسي، فتراجع الطلب الدولي على الإسلام السياسي لا يحتاج إلى دليل أكبر من أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب جعل من محاربة الإسلاميين أولوية لحكمه. كما أن انشغال أوروبا بالاستقرار في المنطقة يعزز وضع الأنظمة التقليدية ويقلل الضغوط عليها لإشراك الإسلاميين.
قد تعود جماعة «الإخوان» إذا توافرت الظروف المواتية لاحقاً، بتأسيس ثالث يستند إلى شبكاتها التنظيمية القديمة وينتج كياناً جديداً لا علاقة له بالقديم سوى اسمه. لكن المؤكد أن أوان هذا التأسيس لم يحن بعد وشروطه لم تتوافر، لا لهذا الجناح ولا لذاك.