نبيل السهلي يكتب:
معركة الفلسطينيين القانونية ضد الاستيطان
بعد موافقة مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم 2334 الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، برزت أسئلة مشروعة حول إمكان الاستمرار في تدويل وقوننة قضية المستوطنات التي تعتبر من أهم معالم الاحتلال وقضايا الحل النهائي. يعزز هذا التوجه تأكيد القرار المذكور عدم شرعية إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، واعتبار النشاط الاستيطاني، بما فيه الجدار العازل خرقاً للقانون الدولي وعقبة أمام حل الدولتين.
لهذا بات من الضروري العمل على تهيئة آليات مدروسة من الفلسطينيين لخوض معركة قانونية ضد النشاط الاستيطاني. ويُجمع متابعون على أن احتلال الأرض الفلسطينية وإنشاء المستوطنات عليها كان نهجاً إسرائيلياً لفرض الأمر الواقع التهويدي. ونجحت الحركة الصهيونية بدايةً في إقامة دولة إسرائيل على 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وإثر ذلك تمت عملية تدمير ممنهجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطنات تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الإسرائيلي.
لم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، بل أصدرت مجموعة من القوانين الجائرة لمصادرة أراضي الفلسطينيين، ولم يتبق في العام الحالي سوى 3 في المائة من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدام الأقلية العربية، على رغم أنها تشكل نحو 20 في المائة من سكان إسرائيل، وثمة قوانين جائرة استصدرت في السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغية تهويد مناحي حياة الأقلية العربية كافة، لفرض يهودية الدولة. ويمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة منذ عام 1948، حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
لم يتوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، فبعد حرب حزيران (يوينو) 1967 سيطر الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية التي نجت من احتلال عام 1948، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، وسنحت لإسرائيل فرصة متابعة مخطط تهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني. ورغم التمايز الطفيف في مواقف الأحزاب الإسرائيلية من الاستيطان، لكن ثمة إجماعاً بينها على ضرورة إنشاء المستوطنات وتسريع وتيرتها وبشكل خاص في القدس، بغية فرض تصور إسرائيل للحل سواء في تبادل الأراضي والسكان، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على ما هي عليه الآن.
ومن المهم الإشارة إلى أنه رغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة عام 2005، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ العام 1967. وأدى النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية منذ عام 1967، إلى بناء 151 مستوطنة تضم نحو 400 ألف مستوطن، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز فيها نحو 190 ألف مستوطن، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينة القدس. وقد صادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 40 في المائة من مساحة الضفة الغربية لإنشاء المستوطنات والطرق الالتفافية التي تربط بينها، ناهيك عن سيطرة إسرائيل على أكثر من 80 بالمائة من مساحة مدينة القدس.
أما الجدار العازل، فهو من أكبر النشاطات الاستيطانية في عمق الضفة الغربية، حيث اعتبرته محكمة العدل الدولية قبل سنوات غير شرعي، ومنافياً للقوانين الدولية.
وفي مواجهة القوانين الدولية التي تؤكد عدم شرعية النشاطات الاستيطانية، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات محددة للإطباق على الأرض الفلسطينية وشرعنة بناء المستوطنات وذلك بغية رسم جغرافيا قسرية. فقد استصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً عسكرياً عام 1967 تسيطر بموجبه على أملاك الغائبين، واستحدثت حارساً لأملاكهم، حيث تم من خلاله منع بيع أو تأجير تلك الأملاك من دون موافقة السلطات الإسرائيلية. وثمة أهداف كامنة وراء مصادرة إسرائيل أراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات، وفي مقدمها طرد أكبر عدد من العرب، وإحلال مزيد من المهاجرين اليهود مكانهم.
وبناءً على قرار مجلس الأمن الأخير الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، بات الأمر يتطلب تبني خطاب سياسي فلسطيني جديد يسعى إلى تطبيق القانون الدولي الداعي إلى تفكيك المستوطنات وليس تجميدها فحسب. وفي هذا السياق أكدت عشرات القرارات الدولية أن المستوطنات تمثل عقبة أمام تحقيق السلام العادل والشامل وإنشاء الدولة الفلسطينية التي تتمتع بالسيادة الكاملة على الأرض.