ساقية الدم والإرهاب
يتساءل الكثيرون عن السر وراء استمرار دوران ساقية الدم فى شمال سيناء، رغم إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن حجم القوات التابعة للجيش التى تقاتل الجماعات الارهابية هناك يبلغ 41 كتيبة يقدر قوامها بـ25 ألف عنصر، وضبط ألف طن متفجرات وملايين الجنيهات والدولارات، اضافة إلى قيام الجهات الأمنية بوضع ضوابط جديدة وشروط لدخول المواطنين إلى كامل شبه جزيرة سيناء.
السؤال السابق عاد بقوة إلى الواجهة بعد اسبوع دموى فى شمال سيناء، اسفر عن استشهاد نحو 12 من الضباط والمجندين واصابة العشرات فى سلسلة هجمات ارهابية على الكمائن والارتكازات الأمنية خصوصا فى العريش والشيخ زويد، رغم تراجع عدد العمليات الارهابية فى العام الماضى 2016، عن العام الذى سبقه، والذى وقعت فيه أكثر من 500 عملية ارهابية.
فقد بلغ عدد العمليات الإرهابية التى شهدها عام 2016 حوالى 199 عملية، احتلت سيناء الترتيب الأول فيها بعدد 92 عملية، يليها بفارق كبير محافظة القاهرة، والتى شهدت وقوع 5 عمليات إرهابية، ويلاحظ أن العمليات الإرهابية قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الربع الأخير من عام 2016 (أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر) بواقع 104 عمليات إرهابية، حيث شهد شهر أكتوبر 2016 وقوع (53 عملية) وهو الشهر الاعلى فى عدد العمليات خلال عام 2016، وذلك وفق لدراسة اعدها الباحث أحمد كامل البحيرى، ونشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وحتى هذه اللحظة، مازالت دماء جنود مصر البواسل تسيل على أرض سيناء، دفاعا عن أمن المواطنين جميعا، وتصديا لتنظيمات العنف الدامى وخلايا الإرهاب الأسود، التى تستهدف زعزعة استقرار البلاد وتحويلها إلى مستنقع تعم فيه الفوضى والاضطرابات، كما يحدث فى بلاد عربية مجاورة، لن تستعيد عافيتها ووحدتها وأمنها فى المدى المنظور.
عودة إلى السؤال السابق.. لماذا يتواصل جريان الدم فى سيناء؟. الاجابة تبدأ بالتأكيد على أن النهج السائد حاليا، والقائم على مواجهة الارهابيين بقوة السلاح فقط، لن تتمكن من تحقيق الهدف المنشود، وهو القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة على أمن واستقرار المجتمع.. فمواجهة الارهاب لا يمكن فقط أن ترتكز على العمل العسكرى أو المواجهات الامنية، وإنما تتطلب جهدا فكريا فائقا، يكون قادرا على محاصرة الارهاب كفكرة وليس كأفراد.
فالتطرف والعنف والتشدد، ليس أكثر من مجرد أفكار، تبدو براقة وجذابة لقطاع واسع من الشباب، يمكن استقطابه وتجنيده بشكل سهل، خصوصا إذا ما تم تغليف هذه الأفكار برداء دينى، ولم تجد من يتصدى لها أو يواجهها بالمنطق والدليل والشرع.
كذلك ينبغى أن تتجه الحكومة إلى العمل على تحقيق تنمية حقيقية فى سيناء، تكفل توفير فرص عمل للمواطنين هناك، حتى لا يكونوا فريسة سهلة للجماعات المتطرفة التى تستغل ظروفهم الاقتصادية الطاحنة، وتستقطبهم بالإغراءات المادية الهائلة التى تمتلكها، وبالتالى يصبحون عجينة طيعة فى أيديهم يستطيعون تشكيلها وتوجيهها مثلما يريدون.
أيضا يجب ان تتخلى الدولة عن محاولة خنق المجال العام ومحاصرة المجتمع المدنى وتدجين الإعلام حتى يصبح صوتا واحدا، والضيق والضجر بالرأى الآخر المخالف للسلطة، ووصف أصحابه بالخونة والعملاء.. فالإرهاب لا ينمو أو يترعرع إلا فى ظل هذه الاجواء البوليسية والقمعية، التى تزيد من مشاعر الغضب والنقمة بين الأجيال الصاعدة، وتجعلهم يصطفون فى المنطقة الخطأ.
نقلا عن الشروق