فاتنة الدجاني تكتب:

انتفاضة فلسطينية دائمة

كتب: نقلا عن الحياة اللندنية

فى: مقالات مختارة

13:00 15 فبراير 2017

الترقب سيد الموقف، بانتظار أن يَفك اللقاء المرتقب بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في واشنطن اليوم، طلاسم توجهات الإدارة الأميركية الجديدة إزاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأن ينهي التكهنات.


لكن قبل ذلك، لا بد من وقفة مع نتانياهو، فمن يستمع إليه قبيل توجهه إلى واشنطن، سيستغرب «الحكمة» التي هبطت عليه فجأة. فمن كان يتوقع منه أن يحذر من أن ترامب «ليس في جيب إسرائيل» و «يُحظر الاصطدام معه»، و «ينبغي أخذ شخصيته بالحسبان... وانتهاج سياسة مسؤولة»، وهو ما لم يفعله أيام الرئيس السابق باراك أوباما.


قلق إسرائيل لا يعني طمأنة الفلسطينيين. فالسلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه، وهي مغيبة تماماً والإدارة الأميركية تتجاهلها، حتى لا نقول أنها تسعى إلى الانقضاض عليها وعلى إنجازاتها الديبلوماسية.


قد تكون أميركا تتعمد تهميش السلطة فعلاً في إطار تماهٍ كامل مع إسرائيل، أو قد يكون السبب هو الفوضى العارمة في الإدارة الجديدة أو كليهما، لكن ما من سبيل أمام السلطة إلا الصبر والاستعداد، ومواصلة خيار التدويل ديبلوماسياً وقانونياً، وتكثيف التنسيق مع أوروبا، خصوصاً الدول التي قررت التمايز عن الإدارة الأميركية، مثل فرنسا والسويد كما تبدى في معارضتهما «الفيتو» الأميركي على تعيين الفلسطيني سلام فياض في منصب أممي.


من المجدي أيضاً أن تعمد السلطة إلى الاستفادة من التباينات بين مسؤولي الإدارة الأميركية. يُذكر في هذا الصدد وزيرا الدفاع جيمس ماتيس والخارجية ريكس تيليرسون اللذان لعبا دوراً في تغيير موقف ترامب من نقل السفارة والاستيطان والحديث عن مقاربة جديدة في عملية السلام. ماتيس مثلاً، يؤيد حل الدولتين، ولم يتردد في القول أثناء جلسة الاستماع له في الكونغرس لتثبيت تعيينه، أنه يعارض نقل السفارة الأميركية إلى القدس. 


ثم هناك جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي السابق في أيام الرئيس جورج بوش الأب، العائد إلى الصورة أخيراً كأحد مرجعيات عملية السلام، وكان استُدعِي أخيراً للقاء مع مسؤولين في إدارة ترامب للاستفادة من خبراته.


لا مفر من الانتظار إلى أن يكتشف ترامب، كمن سبقوه، أن إسرائيل هي الطرف الذي يعرقل السلام ولا يريد حل الدولتين، وأن لا حل من دون الدولة الفلسطينية، ولا إنجاز من دون مقدار معقول من العدالة، والأهم أن يُفهم أن فلسطين هي لُب الصراع في المنطقة، وأن الفلسطينيين طرف أصيل لا يمكن تجاهله في عملية السلام، فلقد ولّت أيام المظلات العربية على طريقة مفاوضات مدريد.


الصورة قاتمة بالنسبة إلى الفلسطيني، وعليه أن يقلق، لكن عليه أيضاً أن يتصرف بثقة العارف أنه في قلب الصراع، في قلب قضيته، شريك أساسي، وأن الأسوأ لن يكون أسوأ من الاحتلال، وأن لكل فعل رد فعل.


في هذا الموقف الفلسطيني لا أسرار ولا طلاسم. المكتوب يُقرأ من عنوانه، وعنوانه هو جرعة القهر اليومي التي يتجرعها الفلسطيني على أرضه وفي بيته وعلى الحواجز، والانحياز الأميركي لإسرائيل، وغياب العدالة والضمير الدوليين، ما يبقيه في تشاؤل دائم بين الواقع والمأمول، وفي ذهنه دائماً وأبداً أن التناقض الأساسي هو بين شكلين من أشكال الوجود السياسي للفلسطينيين، شكل يفرضه احتلال عسكري استيطاني مدعوم أميركياً أساساً ودولياً من محبي إسرائيل، سقفه الأعلى حكم ذاتي بمسميات مختلفة (دولة نتانياهو المنقوصة مثالاً)... وشكل آخر يقاوم هذا الاحتلال، من خلال انتفاضة دائمة ما دام الاحتلال، تعلو وتائرها أو تخف. وما الانفجار المقبل إلا مسألة وقت.

اعلان