حسابات النظام في الانتخابات الرئاسية الإيرانية
تستعد إيران للانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في تاريخها، والتي ستجرى في 19 مايو المقبل، وسط توتر مكتوم بين المحافظين والإصلاحيين، جاء التعبير الأكثر وضوحا عنه في خطاب الرئيس حسن روحاني أمام لجنة الانتخابات .
وقال روحاني في خطاب أمام أعضاء اللجنة في 25 فبراير الماضي محذرا "في الظروف الحالية لن أقبل أن يخرج أحدهم ويعلن أن مجلس صيانة الدستور سيكون مسؤولا عن الانتخابات، أو أنه سيقوم بمراقبتها. في حال قامت أي قوة أمنية أو عسكرية بانتهاك القانون، سيتعين علينا الاحتجاج والوقوف في وجه ذلك".
يُعرف عن روحاني تبنيه مواقف شجاعة وجريئة دائمة، إلا أنه بدا قلقا في تصريحه الأخير، ولأجل فهم هاجسه الرئيسي، ولمن كان يوجه خطابه، والرسالة التي أراد إيصالها، لابد أولا من فهم طريقة توزيع السلطة العسكرية، وخريطة القوى السياسية في إيران.
السلطة المطلقة للمرشد
على عكس الجمهوريات الأخرى، لا يشغل رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإنما يشغل هذا المنصب المرشد الإيراني. وبذا تقع القوات المسلحة تحت إمرة المرشد، إلا أنه يمنح سلطة الإشراف على قوات الشرطة لوزارة الداخلية. وتعتمد سرعة نقل المرشد سلطة الإشراف على الشرطة إلى وزارة الداخلية، على شخصية الرئيس الإيراني، وطبيعة العلاقة بينه وبين المرشد.
ففي الوقت الذي منح فيه المرشد فعليا صلاحية الإشراف على قوات الشرطة مباشرة إلى وزارة الداخلية في عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، ومحمود أحمدي نجاد (2006-2013)، تأخر عاما كاملا في منح تلك السلطة للوزارة في عهد محمد خاتمي (1997-2005)، ولم يتم نقل السلطة للوزارة إلا بعد تغيير وزير الداخلية عبد الله نوري الحليف المقرب لخاتمي، بموسى لاري الأقل إثارة للجدل.
وبالانتقال لعهد روحاني، نجد أن المرشد نقل بالفعل سلطة الإشراف على الشرطة لوزارة الداخلية، إلا أنه بالنظر إلى وجود أجنحة مسلحة أخرى مثل الحرس الثوري، وقوات الباسيج، فإن قوات الشرطة تشكل جزءا صغيرا من النظام الأمني الإيراني، وبالتالي تُعد سلطة الرئيس روحاني على القوات الأمنية محدودة.
مشكلة اختيار مرشح رئاسي للمحافظين
في وقت بقي فيه أقل من 3 أشهر على الانتخابات، لم يتمكن المحافظون في إيران من الاتفاق بعد على مرشح واحد لهم. فبعد أن تم تحديد 21 شخصا كمرشحين محتملين للمحافظين، تمكنت بعد أيام من المشاورات من تخفيض العدد إلى 14 شخصا.
ويعكس هذا العدد الكبير من المرشحين إشكالية عدم وجود شخص في جناح المحافظين يحظى بنفوذ على جميع المنتمين للجناح، وبشعبية بين المواطنين.
وأدى هذا الوضع إلى سعي العديد من الأشخاص البارزين في جناح المحافظين لتجربة حظوظهم قبيل الانتخابات.
وتجدر الإشارة هنا أن مرشحي الجناح المحافظ لا يعتمدون في كسب التأييد على جمهور الناخبين أو على الاقتراب من القوى السياسية المختلفة، وإنما على محاولة كسب تأييد رجال الدين البارزين وعلى رأسهم بالطبع المرشد الأعلى.
ويلفت الانتباه في المرشحين المحتملين الـ 14 لجناح المحافظين، أن معظمهم لا ينتمون لرجال الدين، وهو ما يزيد الأمور صعوبة، إذ أن السلطات الدينية تفضل أن يكون رئيس الجمهورية بدوره من رجال الدين، خاصة مع تجربتها غير المشجعة مع الرئيسين غير المنتمين لمجتمع رجال الدين؛ أبو الحسن بني صدر(1980-1981)، أول رئيس بعد الثورة، الذي دخل في مواجهة مع المرشد الخميني، وانتهى الأمر بعزله بقرار من البرلمان، وأحمدي نجاد، الذي دخل في ولايته الثانية (2009-2013) في خلاف مع المرشد خامنئي.
جناح الإصلاحيين- المعتدلين في وضع أفضل
لا يتمتع المحافظون بمشروعية كبيرة لدى القاعدة الشعبية، رغم عدم رغبتهم في الاعتراف بذلك، وهو الأمر الذي يتفوق فيه عليهم جناح الإصلاحيين- المعتدلين.
ومن الواضح أن الناخبين الإيرانيين يميلون في الانتخابات المقبلة إلى معارضة السلطة المطلقة للمرشد الإيراني، وهو ما يعني أنهم سيتجهون لانتخاب المرشحين الأكثر بعدا عن النظام وعن المرشد.
وعلى عكس الوضع في معسكر المحافظين، يحظى عدة أشخاص في معسكر الإصلاحيين بالتوافق يأتي على رأسهم الرئيس الحالي حسن روحاني، ومن ضمنهم أيضا الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وعبد الله نوري، ومحمد رضا عارف، وناطق نوري.
وسيتضح الشكل النهائي لمرشحي الجناح الإصلاحي بعد مرور تلك الأسماء من مجلس صيانة الدستور، الذي يتخذ القرار حول من يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية.
خيارات المحافظين
في ظل الوضع الحالي يبدو أن المحافظين أمام خيارين اثنين؛ الأول أن يقوم مجلس صيانة الدستور الذي يقع تحت سيطرتهم، باستبعاد روحاني وغيره من المرشحين الإصلاحيين البارزين، وهو ما سينعكس بشدة على نسبة المشاركة في الانتخابات، التي تعد أمرا هاما في إيران، إذ أن النخبة الحاكمة تعتبر نسبة المشاركة مؤشرا على الدعم الشعبي لنظام الحكم.
ويتمثل الخيار الثاني في التأثير في نتيجة الانتخابات عبر التلاعب والتزوير، بالشكل الذي يزعم كثيرون أنه حدث في انتخابات 2009، وهذا ما يجعلنا نعود إلى تصريح روحاني الذي بدأنا منه المقال.
تهديد روحاني المبطن
قد يكون روحاني لاحظ تحركات داخل قوات الأمن، تفيد أنها، أو عناصر محددة داخلها، تفكر في التلاعب في نتيجة الانتخابات، وهو ما دفعه إلى هذا التصريح.
ويحاول روحاني حشد جميع صلاحياته التنفيذية، لضمان عدم حدوث تلاعب أو تزوير في الانتخابات، إذ أنه شبه متأكد من عدم إمكانية فوز مرشح المحافظين في انتخابات نزيهة.
وسعى روحاني من خلال تصريحه الأخير إلى إيصال رسالة تفيد أنه في حال لم يلتزم منافسوه بقواعد اللعبة الانتخابية، فإنه لن يكتفي بالبيانات والتصريحات، وإنما سيتخذ خطوات أكثر عملية.
ويمكن القول أن روحاني يلمح أنه في حال حدوث أي تلاعب، سينتهج أسلوب مير حسين موسوي ومهدي كروبي بعيد انتخابات 2009، ليجعل النظام يدفع ثمنا غاليا لمثل هذا التلاعب.
وفي حال تطور الأحداث في هذا الاتجاه سيكون هذا اختبار لمدى قدرة النظام على التعامل مرة أخرى مع احتجاجات واسعة النطاق في أعقاب انتخابات رئاسية.
تيشغوم كمال: باحث تركي مقيم في إسطنبول، مختص في السياسة الداخلية والخارجية لإيران.
نقلا عن الاناضول.