من مصر إلى بريطانيا.. 9 أشهر في طرق الموت بحثًا عن حياة

كتب: نقلا عن إضاءات

فى: مقالات مختارة

09:24 04 مايو 2017

لم تكن حادثة رشيد في سبتمبر الماضي الأولى من نوعها، ولكنها طرحت علينا مُجدداً العديد من التساؤلات حول هذه الطريقة من الهجرة غير النظامية، تفاصيلٌ كثيرة من المُمكن أن تُحكى لكننا أردنا هذه المرة أن نجعل من القارئ نفسه مُسافراً على متن مركبة خرجت من رشيد في مايو ٢٠١٦.

 

تبدأ الرحلة كما يحكي «وليد الصاوي» بأن القانون الجديد للسفر مع المواطنين ومع سماسرة الهجرة غير النظامية أصبح أن يَجْعَل من يُريد السفر يقوم بدفع ٥ آلاف جنيه فقط مقدماً، ويوقّع ذووهم علو «وصولات» بـ٢٠٠ ألفاً آخرى تُدفع في حالة وصول أبنائهم أحياء، ولن تُدفع في حالة وفاتهم أو ترحيلهم إلى مصر مرة أخرى.

 

ويوضح الصاوي أنه كان محظوظاً لأنه لم يتمّ تخزينه مثل غيرِه في أماكن مُغلقة بالقرب من الميناء حتى يأتي دوره على أحد المراكب، وسافر في وقت قصير تحديدًا في ليلة الخميس ١٢ مايو، يقول:

الأمر كان مُرتباً للغاية ونبطشية الحرس تم إرضاؤها وعبور الحدود المصرية ليلاً كان أسهل مرحلة مرت، وقد مر أكثر من ٣٠٠ شخص على مركبة حمولتها القصوى لا تتعدى ٥٠ شخصا بأسهل طريقة!

 

الجدير بالذكر أن إحصائيات مفوضية اللاجئين أشارت في الآونة الأخيرة إلى أن نسبة تدفق المهاجرين غير الشرعيين من مصر قد ارتفعت إلى 9% حتى نهاية يوليو الماضي مقارنة بـ5% في 2015، حيث بلغت نحو 1155 ألف مهاجر من يناير إلى أغسطس الماضيين فقط.

 

واصلت المركبة طريقها ٩ أيام في عرض البحر بعد عبور الحدود المصريّة، يقول الصاوي: كنت جالسًا فقط لا أستطيع أن تَكُون قدمي مستقيمة، طعامي فقط هو الخبز، مُلقى علي سطح المركب،وكلمّا اقترب حالي من اليأس والبُكاء، أنظر إلى أعيّن الأطفال الذين بجواري وأفكر حول طريقة إلقائهم على متن المركب وحيدين دون أهليهم، وما الأسباب وراء ذَلِك، هل عدم قدرة ذويهم على الدفع سوى لصغارهم، أم لغرض التخلص من عبء واحدٍ من الأبناء، أم أن هؤلاء الأطفال هم أرباب الأُسر ووُقِع عليهم مسؤوليات الرجال، وهل هؤلاء مُدركون ما قد يكون بصدد مواجهتهم، أم يعتقدونها رحلة مثلما نضحك نحن على أنفسنا؟

وعلى الرغم أن شهادات الصاوي وبقية اللاجئين المصريين في بريطانيا، تقول إن حرس الحدود المصرية يقبلون الرشاوى فإن مصر أصدرت في قانونها الأخير تحديداً في المادة الثامنة بأن «كل من هيأ أو أدار مكانًا لإيواء المهاجرين أو جمعهم أو نقلهم، أو سهل أو قدم لهم أية خدمات مع ثبوت علمه بذلك، يُعاقب بالسجن»، كما تعقد الدولة المصرية اتفاقيات مع أوروبا باستمرار لخفض نسبة تدفق اللاجئين من مصر.

 

على أي حال وبعد ٩ أيام وصلت المركب لأقرب شاطئ في إيطاليا وهي «سيشيليا» وتُعتبر أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة ذاتية الحكم في إيطاليا.

 

قبل الوصول ارتدى طاقم المركب ملابس عادية مثل المهاجرين حتى لا يُستدل عليهم وقاموا بطلب استغاثة بالإنقاذ فأتوا لهم واستقبلوهم في أماكن مُخصصة، وبالطبع قد اعتادوا على هذا الأمر، إلا أن بعد يوم، هرب منهم البعض الذي لا يريد أن ينتهي بهم المطاف إلى هناك، وحاولوا أكثر من أسبوع متواصل كي يستطيعوا الهرب والالتحاق بقطار ميلانو، عليك أن تتخيّل مدى صعوبة محاولة الهَرَب داخل قطار ربما تبلغ تذكرته أكثر من ٢٤٠ يورو.

 

لكنهم تمكنوا من ركوبه في اليوم السّابع من فرارهم، واستمر بهم هذا القطار ٢٤ ساعة حتى وصلوا ميلانو، وهي ثاني أكبر مدينة في إيطاليا، ومن هناك في نفس اليوم أخذوا سيارة تتجه بهم بين الغابات لأنها بعيدة عن أي ممرات تفتيش حتى وصلت بهم الي «كاليه» وتُعتبر هي الميناء الفرنسي الأقرب إلى إنجلترا.

 

على شواطئ «كاليه» يواصل اللاجئون كل يوم الوصول إلى هُناك ويعيش في غاباتها الآلاف من الشرق الأوسط. الحياة هناك  مُخيم، واللاجئ نفسه هو من يبني خيمته، الدولة لا تُساعدهم بأي شيء، فقط هناك القليل من الأشخاص وبعض الجمعيات توفر لهم الحد الأدنى من الحياة بإمكانياتها الضعيفة، فتقدم لهم تارةً الطعام، وتارةً أُخرى خدمات صحية.

 

يكمل الصاوي قصته، بأنه لا تهم هذه الحياة فالكل يراها مؤقتة، ويحاول كل يوم أن يُعلق أحلامه على أنه سيغادر المُخيم متجهًا إلى بريطانيا، ولكن ليس الأمر بهذه السهولة؛ لأن العشرات يتجهون كل يوم مُتخفين بالميناء للبحث عن المقطورات التي تلحق بالعبّارات وتتجه في خط سيرها إلى بريطانيا، الكل يبحث والكل يريد أيًا منها للاختباء بها.

 

يقول أحدهم:

الأهم أن نُركز في اختيارنا للمقطورة لأن أصدقاءنا ذهبوا ذات مرة وركبوا واحدة وأُخرجوا منها موتى لأنها كانت ثلاجة بضائع ولم يستطِع أحد تحملها، وآخرون تم إنقاذهم قبل أن يتم إغراقهم في مقطورة بترولية. واعتُبر هؤلاء الموتى مفقودين بالنسبة للدولة المصرية ولم يهتم أو يتساءل أحد عَنْهُم

 

الغريب أنه في تقرير أصدرته صحيفة «اليوم السابع» عن الهجرة غير النظامية؛ أشارت إلى أن هناك العشرات من الشباب الذين هاجروا بطريقة غير نظامية ويدَّعي أقاربهم اختفاءهم قسرياً، ولكنها لم تتطرق إطلاقاً للسؤال عما إذا كانوا قد فقدوا بالفعل بعد أن هاجروا أو ربمّا فقدوا بمصر من الأساس؟

 

أكمل «رضا كامل» صديق الصاوي في هذه الرحلة القصة قائلاً: «كل يوم نحاول الركوب من (ميناء كاليه) ونتخفى في مقطورة بها، ونمر بثلاث مراحل للتفتيش قبل أن تدخل المقطورة أي عبَّارة في طريقها إلى إنجلترا ولكن يتم إخراجنا في واحدة منها، واستمر هذا الحال كل يوم نُعلق آمالنا بأننا سنعبر هذه المنطقة، ولكننا لم ننجح إلا في المرة المائتين والخمسين تقريبًا بعد أكثر من ٨ أشهر نحاول فيها كل يومٍ!».

 

يستطرد كامل: «في هذه المرة فوجئنا بعدم إخراجنا، واستمر السير حتى أُلحقت بالمركبة التي تتجه إلي دوفر، ويُعتبر هو المضيق الموجود في أضيق جزء من بحر المانش، ومنه يكمل الهاربون رحلتهم مُتخفين أيضاً إلى «كنت kent» والتي تقع في جنوب شرقي إنجلترا.»

 

ويقول كامل:

لم نفكر إذا كُنا سننجح أم لا لأننا ليس لدينا أي خيارات أخرى، البعض يرانا نبحث عن الأحلام ولكننا نُقسم أننا هاربون نبحث عن الحياة

 

بذلك وبعد أكثر من ٢٥٠ يوما يمكننا القول إنهم وصلوا إلى بريطانيا بعد خروجهم من مصر، يقوم بعدها المُهاجرون بتسليم أنفسهم إلى الشرطة، وآخرون يتصلون بأصدقاء لهم، والبقية ربمّا تتجه إلى lunar house،ويبدأ كل هؤلاء رحلة جديدة معاً في طلب اللجوء.

 

يُقدم البعض منهم على أنه مصري وآخرون ربمّا يدّعون أنهم سوريو الجنسية ويتقنون اللهجة تماماً كما تحدث بها أحدهم لنا، الأهم أن لكل واحد منهما قصة أتقن حبكتها حتى يُـقنع الحكومة البريطانية بها في طلب اللجوء.

 

يمكننا تذكر مشاعر هؤلاء المصريين جيدًا والتي سيطرت عليهم طوال فترة الحكي، والخوض في تفاصيل رحلتهم التي استمرت أكثر من ثمانية أشهر بعد خروجهم من مصر بين بلاد مختلفة تارةً وفي غابات تارةً أخرى، والعديد من أيام تلك الرحلة والتي قضوها من دون أي طعام. لكن لن ننسى عندما سُئلوا عن أحلامهم الآن، أجابوا في هدوءٍ وثقةٍ : «لا يهم أي شيء.. الأهم هو ألا نعود إلى مصر مُجددًا».

 

اعلان