رياض السنباطي.. العبقري المتفرد بتلحين القصائد العربية

كتب: كرمة أيمن

فى: ميديا

16:35 30 نوفمبر 2016

"رياض السنباطي" اسم لمع في عالم التلحين وارتبط اسمه بكوكب الشرق أم كلثوم؛ التي لقبته بـ"العبقري"..

 

كان شغوفًا بالموسيقى والغناء منذ صغره، ولم يكن مقبلًا على الدرس والتعليم، ليصاب وهو في التاسعة من عمره بمرض في عينه، أحال بينه وبين الاستمرار في الدراسة، ومع ذلك عندما تقدم بطلب للاتحاق كطالب في معهد الموسيقى العربية، أصيب أعضاء لجنة الاختبار بالذهول وقرروا تعينه أستاذا لآلة العود والأداء.

لم يعلم الجميع أن "رياض السنباطي" والمتفرد بتلحين القصائد العربية، بدأ حياته الفنية كمغني، ذاع صيته في عدد من محافظات مصر، وأعجب به سيد درويش.

ففي مثل هذا اليوم، ولد رياض محمد السنباطي عام 1906 بمحافظة دمياط، ولم يكن يعلم وقتها أنه سيكون أحد أبرز الموسيقيين العرب، ليبلغ عدد مؤلفاته الغنائية 539 عملاً في الأوبرا العربية والأوبريت والاسكتش والديالوغ والمونولوغ والأغنية السينمائية والدينية والقصيدة والطقطوقة والمواليا.

 

كما بلغ عدد مؤلفاته الموسيقية 38 قطعة، وبلغ عدد شعراء الأغنية الذين لحن لهم 120 شاعراً، وغنى ألحانه أكبر فناني مصر والوطن العربي، أبرزهم: "أم كلثوم، ومنيرة المهدية، وفتحية أحمد، وصالح عبد الحي، ومحمد عبد المطلب، وعبد الغني السيد، وأسمهان، وهدى سلطان، وفايزة أحمد، وسعاد محمد، ووردة، ونجاة، وسميرة سعيد و وابتسام لطفي وعزيزة جلال".

 

"التلميذ يتفوق على أستاذه" و"ابن الوز عوام" مثلان مصريان شهيران، ينطبقان على رياض السنباطي، فوالده كان والده مقرئًا تعود الغناء في الموالد والأفراح والأعياد الدينية في القرى والبلدات الريفية المجاورة.

لينشأ "رياض" على الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، ليقرر الهروب من المدرسة وتعلم العزف على العود.

"الصهبجية" لسيد درويش كانت أول أغنية يغنيها رياض السنباطي، وهو في التاسعة من عمره، فطرب والده لصوته وقرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح.

شغفه لتعلم الموسيقى، كان سبيله ليتتلمذ على أيدي "عبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وأبو العلا محمد" دون أن يراهم، من خلال الاستماع للأسطوانات والفونوجراف.

 

لم تطل إقامة الشيخ السنباطي الكبير في فارسكور، فنزح إلى مدينة المنصورة، وهناك استطاع "رياض" أن يؤدي بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح هو نجم الفرقة ومطربها الأول وعرف باسم "بلبل المنصورة"، حتى أبدى سيد درويش إعجابه الشديد به.

وفي 1928، قرر الشيخ السنباطي الأب الانتقال إلى القاهرة مع ابنه، والذي كان يرى انه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقًا له قبل نزوحه إلى القاهرة.

 

"المنافسة"


لم يكن المشوار سهلًا للحصول على فرصة وسط العملاقة في زحمة وصخب القاهرة، ليرضخ "رياض" لواقع الأمور وتقدم بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس به فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، إلا أن أعضاءها أصيبوا بنوع من الذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً لذا فقد أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء.

انضم بذلك "رياض السنباطي" لعالم المشاهير، وبدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع، ليقرر الدخول لعالم التلحين.



وفي مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، قدمته شركة "أوديون" كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة ومنهم عبد الغني السيد، ورجاء عبده، ونجاة علي، وصالح عبد الحي.



 

"على بلد المحبوب وديني" كان أول تعاون بين السنباطي وأم كلثوم عام 1935، ولاقت نجاحًا كبيرًا، لينضم السنباطي إلي جبهة الموسيقي الكلثومية والتي كانت تضم القصبجي وزكريا أحمد.

أسلوبه المتفرد، جعله مميزًا ليلحن لأم كلثوم 90 أغنية، لاستطاعته تلحين القصيدة العربية ليتوج ملكًا على تلحينها أيًا كان نوعها دينية أو وطنية أو عاطفية، ولذلك آثرته السيدة أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب "العبقري".
 


 

وظل رياض يمد أم كلثوم بألحانه وروائعه، حيث وجد رياض في صوت أم كلثوم ضالته المنشودة، فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت ألحانه فأطربت وأبدعت.

 

تعد أغنية "الأطلال" أجمل ما غنت أم كلثوم وأروع ما لحن السنباطي، وغنتها عام 1966 وهي اجزاء من قصيدة الأطلال الاصلية بالإضافة الي اجزاء من قصيدة الوداع للشاعر إبراهيم ناجي.

ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي تدمج فيها أم كلثوم أجزاء قصيدتين في اغنية واحدة، ففعلتها في أغنية "حديث الروح" والتي لحنها السنباطي حينما ادمجت أجزاء من قصيدة "شكوى" مع "إجابة الشكوى" للشاعر محمد إقبال.
 

ويعد السنباطي من أوائل الموسيقين الذين ادخلوا آلة العود مع الاوركسترا، ولم تنحصر علاقته في الفن بالموسيقى والتلحين فقط، فقد قدم في عام 1952 فيلمًا للسينما شاركته بطولته الفنانة هدى سلطان وكان من إخراج المخرج حلمي رفلة.

وعلى الرغم من نجاح الفيلم الذي قدم فيه السنباطي مجموعة من الأغنيات التي لاقت الاستحسان لدى الجمهور، إلا أنه لم يفكر في تكرار التجربة.

 

توج مشوار السنباطي الإبداعي، والذي اطربنا على نغمات ألحانه بالعديد من الجوائز، فحصل على وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964 ، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس محمد أنور السادات، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964 ، جائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977 ، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى.

كما حصل السنباطي بالدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى، من أكاديمية الفنون 1977، بالإضافة إلى جائزة اليونسكو العالمية وكان الوحيد عن العالم العربي ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة.

اعلان