محمود درويش.. عصفور بلا أجنحة

كتب: آية فتحي

فى: ميديا

21:40 13 مارس 2017

كان عاشقا لفلسطين، حمل على كتف موهبته همومها ليبارز بكلماته من أجل قضية القرن العشرين الكبرى في الدفاع عن وطنه، وصف نفسه بأنه الغريب بكل ما أوتي من لغة، كان كارها للرصاص والحرب محبا للحياة والأمل.

 

عبر عن ذلك بقوله "مازال في الصحن بقية من عسل، سأصير يومًا ما أريد، الحب مثل الموت وعدٌ لا يرد ولا يزول".. إنه الشاعر الفلسطيني محمود درويش والذي يتزامن اليوم مع الذكرى 76 لميلاده.

 

في آخر حواراته وصف درويش المواضيع التي تفجر الشعر في كيانه قائلا "الموت هو الهاجس الذي أكتبه اليوم، لكنه هاجس لا يخيفني، إنه هاجس مفتوح على قلق الشعر، واللغة كفيلة بفتح كهوف هذا الهاجس على مداها، ليخرج الأسود والعتمة وكل ما في الداخل، داخل هذا الكهف الكبير، الممتلئ بالجنون والقهر والمآسي".

 

ولد درويش في عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل، قرب ساحل عكا، وعمل في صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي انتمى له وهو في الثانوية العامة.

 

كغيره من النشطاء السياسين ذاق مرارة الاعتقال من قبل الإسرائيلين وكان أول مرة اعتقل فيها عام 1961، واتجه عام 1972 إلى للاتحاد السوفييتي للدراسة، وانتقل بعدها لاجئا إلى القاهرة في العام نفسه حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، و أسس مجلة الكرمل الثقافية.
 

كانت باريس هي مقر إقامة درويش، ولكنه عندما دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، طلب أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحًا بالسماح له، وهو ما حدث بالفعل ليظل في وطنه.
 

بدأت موهبة درويش في الظهور يوم الاستقلال العاشر ﻹسرائيل حينما ألقى في احتفالية مدرستة قصيدة "أخي العبري" ، والتي استدعاه الحاكم العسكري على أثرها وهدده بفصل أبيه من العمل في المحجر إذا استمر بتأليف أشعار شبيهة، وكان مولود درويش الأول من الشعر هو ديوان "عصافير بلا أجنحة".

 

ونشر درويش 28 ديوان شعري هم :”عاشق من فلسطين، آخر الليل، أحبك أو ﻻ أحبك، حضرة الغياب، حبيبتي تنهض من نومها، يوميات الحزن العادي، محاولة رقم 7، وداعاً أيتها الحرب, وداعاً أيها السلام ، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق، أعراس، مديح الظل العالي، حصار لمدائح البحر، هي أغنية، ورد أقل، في وصف حالتنا، ذاكرة للنسيان، أرى ما أريد، عابرون في كلام عابر، أحد عشر كوكباً، لماذا تركت الحصان وحيدا، سرير الغريبة، جدارية، حالة حصار، لا تعتذر عما فعلت، كزهر اللوز أو أبعد، أثر الفراشة، العصافير تموت في الجليل، أوراق الزيتون".


وﻷنه كان علامة مشرفة في تاريخ وطنه، بعد أن توفي درويش في الولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح، أعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاته، ودفن قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي، وسُمي القصر بقصر محمود درويش للثقافة.


ومن مقتطفات شعر درويش نقرأ:-

 

قصيدة عاشق من فلسطين

عيونك شوكة في القلب

توجعني ..و أعبدها

و أحميها من الريح

و أغمدها وراء الليل و الأوجاع.. أغمدها

فيشعل جرحها ضوء المصابيح

و يجعل حاضري غدها

أعزّ عليّ من روحي

و أنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين

بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،إثنين!

كلامك كان أغنية

و كنت أحاول الإنشاد

و لكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
 

قصيدة إلى أمي

أحنّ إلى خبز أمي

و قهوة أمي

و لمسة أمي

و تكبر في الطفولة

يوما على صدر يوم

و أعشق عمري لأني

إذا متّ،

أخجل من دمع أمي!

خذيني ،إذا عدت يوما

وشاحا لهدبك

و غطّي عظامي بعشب

تعمّد من طهر كعبك

و شدّي وثاقي..

بخصلة شعر

بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..

عساي أصير إلها

إلها أصير..

إذا ما لمست قرارة قلبك!

 

قصيدة جدارية

وكأنني قد متُّ قبل الآن …

أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني

أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما

ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ

ما أُريدُ …

سأصيرُ يوماً ما أُريدُ

سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها

إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …

كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من

تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،

لا القُوَّةُ انتصرتْ

ولا العَدْلُ الشريدُ

 

قصيدة أمل

ما زال في صحونكم بقية من العسل

ردوا الذباب عن صحونكم

لتحفظوا العسل !

ما زال في كرومكم عناقد من العنب

ردوا بنات آوى

يا حارسي الكروم

لينضج العنب ..

***

ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب

سدوا طريق الريح عن صغاركم

ليرقد الأطفال

الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب ..

ما زال في قلوبكم دماء

لا تسفحوها أيّها الآباء ..

فإن في أحشائكم جنين ..
 

قصيدة وما زال في الدرب درب:-

وما زال في الدرب دربٌ. وما زال في الدرب متّسعٌ للرحيلْ

سنرمي كثيراً من الورد في النهر كي نقطع النهر. لا أرملهْ

تحبُّ الرجوع إلينا. لنذهب هناك.. هناك شمال الصهيل.

ألم تنس شيئاً بسيطاً يليق بميلاد فكرتنا المقبلهْ؟

تكلم عن الأمس، يا صاحبي، كي أرى صورتي في الهديلْ

وأُمسكَ طوقَ اليمامةِ، أو أجد النايَ في تينةٍ مهمله..

حنيني يئنُّ إلى أي شيء ، حنيني يصوّبني قاتلاً أو قتيلْ

وما زال في الدرب دربٌ لنمشي ونمشي. إلى أين تأخذني الأسئله؟

سأرمي كثيراً من الورد قبل الوصولِ إلى وردةٍ في الجليلْ.

 

اعلان