«العندليب» سواح بمركب العشاق
جمال صوته وعذوبة أغانيه لم يختلف عليهم اثنان، صعد لمركب العشاق ليكون رفيق المجروحين، سهر الليالي من أجل صحبة الورد ولكن جاء الهوا ليأخذه إلى نار الحب التي غني فى حبها لنسيم الفجرية إنه العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.
عشق الغناء وعشقه، فلم يترك مناسبة إلا وكان متواجدًا فيها ففي لحظات الفرح قدم أغنية "وحياة قلبي وأفراحه"، وفي اللوم والعتاب غنى "بلاش عتاب"، وفي وقت المعركة دندن "خلي السلاح صاحي"، ووقت الهزيمة تمنى أن"يعدى النهار".
صوته رافق الجماهير بمختلف الأجيال، فهو صاحب بصمة فى ثقافة العشاق بمشهده في فيلم "الوسادة الخالية" مع الجميلة لبني عبد العزيز حين يتحدثان تليفونيًا بينما الجميع نيام ويرفض كل منهما إغلاق سماعة التليفون حتي يغلقها الآخر، تكرر هذا المشهد في التاريخ الاجتماعي لمصر.
فمن الصعب التعامل مع العندليب الأسمر على أنه مجرد مطرب، فقد تجاوز ذلك إلى حالة مجتمعية دائمة التكرار عبر الأجيال المتعاقبة، لكن هذه الحالة ظلت تتحرك من المدينة إلى الريف عبر سنوات طوال منذ رحيله إلى أن استقرت في أقصى مناطق الريف إيذانًا برحيل نهائي بعد انتشار الأغنية الشبابية في التسعينيات من القرن الماضي.
عاش عبد الحليم علي إسماعيل شبانة الفقر والحاجة في طفولته وبدايات شبابه ودفع به النجاح والشهرة إلى الثراء لكن حياة الفقر، انعكست على أعماله، فقدم عبدالحليم 16 عملًا سينمائيًا ركز في أغلبها علي الشاب الفقير النبيل الطموح والذي يملك موهبة خاصة تميزه عن غيره ومن ثم تدفعه هذه الموهبة إلى النجاح والأفلام هي: "لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، ليالي الحب، أيام وليالي، موعد غرام، دليلة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، شارع الحب، فتى أحلامي، حكاية حب، البنات والصيف، يوم من عمرى، الخطايا، معبودة الجماهير، أبي فوق الشجرة".
انشغل "العندليب" دائمًا بعشاقه، فبالرغم من مرضه إلا أنه كان يحب الظهور في صورة حسنة أمامهم، أحب "السندريلا" وتزوجها عرفيًا خلال رحلة إلى المغرب، وكان ينوي أن يعقد زفافه عليها ولكن بشرط واضح أن تعتزل الفن، الأمر الذى رفضته وانتهت علاقتها به.
ولد "عبد الحليم" في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم "إسماعيل ومحمد وعلية"، توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل، ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج "متولي عماشة".
كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمر حياته، ولقد قال مرة أنا "ابن القدر"، وقد أجرى خلال حياته 61 عملية جراحية.
بدأ عبد الحليم مشواره الفني عام 1951 بعد أن غني قصيدة "لقاء" من كلمات الشاعر صلاح عبدالصبور وألحان كمال الطويل في الإذاعة المصرية، وبعدها قدم أغنية "صافيني مرة" في الإسكندرية ولكنها كانت صدمة له بعد أن رفضها الجمهور وقذفه بالطماطم والبيض الفاسد لاعتراضهم عليه، ولكن الأمل كان سمة يتسم بها فظل متمسكًا بتقديم هذا اللون من الغناء وقدم نفس الأغنية مرة أخرى في نفس العام بحديقة الأندلس بالقاهرة ونالت إعجاب الجمهور.
التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معًا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948.
ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفًا على آلة الأبواه عام1950.
قدم عبد الحليم أكثر من مائتين وثلاثين أغنية، امتازت بالصدق، والإحساس، والعاطفة. وقد جمع مجدي العمروسي صديقه، أغانيه في كتاب أطلق عليه " كراسة الحب والوطنية.. السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ"، تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم حافظ.
وتمر الذكرى 40 على وفاة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، الذى رحل فى 30 مارس 1977 بعد صراع مع المرض.