بيكاسو ..عاشق النساء الباحث عن السلام
في لوحته التي وصلت إلى 7 أمتار رسم مأساة العالم التي لا تنتهي، مشاهد الحرب والدمار، نساء وأطفال ينازعون الموت على أطراف الإنسانية، وباستخدام اللون الأسود واﻷبيض ساد الإبداع في تجسيد هذه الحالة الجنونية لواحدة من المذابح البشرية، التي استوحاها الفنان بابلو بيكاسو من قصف "غرنيكا"بأسبانيا.
هذه الجدارية اﻷشهر لبيكاسو، والتي صارت معلمًا أثريًا، لاعتبارها رمزًا مضادًا للحرب وتجسيدًا للسلام، والتي رسمها في أعقاب الحرب الأهلية الإسبانية، وجابت أوروبا وأميركا منذ العام 1937 لجمع أموال لحساب اللاجئين الأسبان قبل تسليمها في 1939 لمتحف الفن المعاصر في نيويورك حيث بقيت لأكثر من 40 عامًا.
وتتواجد اللوحة في الوقت الحالي، بمتحف الملكة صوفيا الوطني للفن الحديث والمعاصر في مدريد، وهو مقر اللوحة منذ عام 1992.
وبعد 44 عامًا من رحيل واحد من أشهر الفنانين في القرن العشرين، يبدو أن العالم أصبح في حاجة لبيكاسو من جديد، ليرسم السلام بريشته، ويروي قصص الحروب بألوانه.
"بيكاسو" اللذي قالت له أمه إذا صرت جنديًا ستصبح جنرالًا وإذا صرت راهبًا ستصبح بابا الفاتيكان ولكنه بدلاً من هذا كله صار رسامًا، وأصبح الاسم اﻷشهر في عالم الفن التشكيلي.
كان الصبي الذي ولد بإسبانيا 25 أكتوبر 1881، يحمل جينات حبه للفن من والده الذي كان يعمل أستاذ للرسم والتصوير، وأمين للمتحف المحلي، فكانت أول كلمة ينطقها هي "قلم رصاص" لتظهر موهوبته في سن مبكرة.
ومنذ عمر السابعة بدأ بيكاسو التدريب على الرسم والتصوير الزيتي، وظل يُصقل مواهبه بالتعليم، و في أحد المرات فوجئ والده بأنه انجز أحد لوحاته التي لم يستطيع أن ينهيها.
وبدعم من الأب الذي آمن بموهبة ابنه، أقنع المسئولين في أكاديمية الفنون بالسماح لابنه بالتقدم في امتحان القبول للمستوى المتقدم، وكانت هذه الاختبارات تستغرق في الغالب شهراً، إلا أن بيكاسو أنجزها في أسبوع واحد، الأمر الذي حاز إعجاب لجنة التحكيم.
بدأ بيكاسو يأخذ خطوات احترافية، بالتعرف عن المدن المختلفة، فسافر لأول مرة عام 1911 لباريس، وقابل صديقه الفرنسي الشاعر والصحفي ماكس جاكوب، الذي ساعده في تعلم اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي.
كانت رحلته في باريس مليئة الفقر، اليأس، والبرد، حتى أنه كان يحرق الكثير من أعماله ليحتفظ بالغرفة دافئة.
وفي بداية عام 1901 عاد بيكاسو للعيش مرة أخرى في مدريد ، ليعمل في مجلة "يانج آرت"حيث ساهم بالرسوم وأغلبها كان الكاريكتير الذي صوّر بيكاسو من خلاله معاناة الفقراء.
في عام 1907 عاد إلى باريس ليشارك في أحد المعارض التي أقيمت هناك على يد دانيال هنرى كانفيلير، والذي كان يعمل مؤرخًا ألمانيًا وجامعًا للوحات والذي أصبح فيما بعد واحدًا من أبرز المتعاملين في بيع اللوحات، كما كان من أول أنصار المدرسة التكعيبية التي تبناها.
ومع قيام الحرب العالمية الثانية، استمر في العيش في باريس حينما احتلها الألمان، إلا أن أسلوبه الفنى لم يكن يتناسب مع الفكر النازي في ذلك الوقت، ولذلك لم يعرض لوحات في هذه الفترة.
بعدها لجأ بيكاسو إلى مرسمه وبدأ في الرسم والإنتاج من جديد، وكان من بين هذه اللوحات "حياة ساكنة مع الجيتار" عام 1942، و"مقبرة تشارنيل" عام 1944.
"المرأة في نظري خليط من الأشكال والألوان" هكذا كان يرى بيكاسو المرأة، فحياته كانت ملئية بالعلاقات النسائية، واللاتي كن مصدر إلهامه.
التقي بيكاسو بالفنانة الفرنسية أوليفيية التي عشقها كثيرًا ولكنها توفيت، وفي صيف عام 1918، تزوج بيكاسو من راقصة البالية أولجا، التي كانت أحد أعضاء فرقة "سيرجي"، حيث كان يصمم لها لوحات الرقصات في روما، ولكنه انفصل عنها بعد ذلك.
تعرف بيكاسو على المصورة الفوتوغرافية دورا مار، في شتاء 1935، وجسدها في عدد من لوحاته حيث كانت ملهمته.
وعندما تقدم بيكاسوا في العمر تزوج من "جاكلين روك"، وظل معها لبقية حياته، لتكون الزوجة الثانية في حياته.
لم تقتصر موهبة بيكاسو على الرسم فقط، ففي الفترة من 1935 وحتى 1935، كتب بيكاسو أكثر من 300 قصيدة.
بالإضافة إلى إنجازاته الفنية، كان له ظهور بسيط في بعض الأفلام التي كان يظهر فيها كبيكاسو نفسه، منها "وصية أورفيوس"، كما ساعد في فيلم "لغز بيكاسو".
و في 8 إبريل عام 1973 بفرنسا، رحل يكاسو تاركًا أعمال فنية تخلد ذكراه.