الكرتون به سُم قاتل.. كيف نحمي الهوية الثقافية للأطفال؟
تعالت صيحات الضحك داخل إحدى مدرجات الجامعة، بعدما حكت الدكتورة عن تأثير أفلام الكرتون على شخصية الطفل وقلدت حركاته وإيماءاته وصوته، لم تكن تلك الضحكات سوى ناقوس خطر يلفت الانتباه إلى ما وراء هذا الحدث الذي انتهى بمأساة.
تركت الأم طفلها ليكتسب مهارات حياته من خلال الجلوس بالساعات أمام شاشات التليفزيون لمشاهدة أفلام الكرتون، منشغلة بأعمال ومهام المنزل، ليتعلق الطفل بشخصية "دونالد داك" لكن مع مرور الوقت تطور الأمر ليصبح نسخة منه ليس فقط في تقليد بعض أفعاله لكنه بدأ يتحرك مثله ويتحدث بنفس طريقته، وأصبح الطفل منطويًا على ذاته.
سحر الكرتون
لأفلام الكرتون سحرها الخاص، ورغم أنها من الممكن أن تستخدم لغة غير مفهومة أو غير التي يتحدث بها الطفل، إلا أنه يولع بها وهو في شهور عمره الأولى مما يجعله يتسمر أمام المشاهد الكرتونية لدرجة أنها تفصله تماماً عما يحيط به من فرط الانتباه لها.
لكن الأمر الخطير هنا هو ما تتضمنه هذه البرامج من محتوى لا يتناسب مع ثقافة الطفل او عاداته أو تقاليده نظرًا لأن أغلب تلك المواد إنتاج أجنبي، ليطرح سؤال مهم كيف نحمي الهوية الثقافية للطفل بينما يشكلها الغرب؟ والدور الرقابي للأسرة والمجتمع على تلك البرامج الموجهة للأطفال؟.
احذر.. الكرتون به سُم قاتل
الطفل بين عمر السنتين وحتى الـ 6 سنوات، يبدأ في اكتساب المهارات ويتشكل وجدانه وأفكاره وتكون وسيلته في التعلم في هذه الفترة فيما يراه حوله وما يتعلمه من والديه.
لكن في هذه الفترة، يتعلق الطفل بأفلام الكرتون، التي تشكل حيزًا كبيرًا من يومه، بل يختار منها شخصيات تكون بالنسبة له مثلًا أعلى أوقدوة وخاصة تلك التي تتمتع بقدرات غير عادية أو قوى خارقة، وأشهرها: "بات مان"، و"سوبر مان"، "هالك"، "فروزين"، "روبونزيل".
لكن هناك أخطار أخرى، لا تقل خطرًا عن التقليد بما يسمم عقلية الأطفال، لما تتضمنه هذه الأفلام والمسلسلات من مشاهد عنف والدماء مما يعزز السلوك العدواني لدى الاطفال أو مشاهد جنسية تثير في نفوس الأطفال الكثير من التساؤلات في محاولة لقتل برائتهم.
ليس كل كرتون جيد
أوصى متخصصون في علم النفس، بضرورة مشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون تحت رقابة الوالدين، فمثلًا فيلم "حياة حشرة" (Bug’s Life) يحتوي على بعض المشاهد العنيفة والمخيفة رغم أنه موجه للاطفال ما بين 4 و6 سنوات.
فيلم "شركة المرعبين المحدودة" (.Monsters, Inc) لا يناسب الأطفال أقل من 5 سنوات، خاصة في المشاهد الأولى من الفيلم الخاصة بالتخويف وصراخ الأطفال.
ومؤخرًا طرحت شركة "ديزني" فيلمي أنيمشن لاقوا نجاحًا كبيرًا هما "coco"، و"soul"، لكن ما تضمنه من مفاهيم عميقة ورسالات الحياة بشكل دقيق، رأى الكثير من الآباء أنه لا يناسب الأطفال من دون هم أقل من 12 عامًا.
ديزني تخلي مسؤوليتها
يشتكي كثيرون من الأهل من أنّ أفلام ومسلسلات الكرتون اليوم أكثر عنفاً من الماضي، وأنّ بعض الشخصيات أشكالها مخيفة أو غريبة، وأنّ بعض الموضوعات لا تليق بالأطفال لا في طريقة طرحها أو معالجتها.
ورغم أن ديزني، من الشركات المتخصصة لبرامج الأطفال، إلا أنها في كثير من الأحيان تتغاضى عن ما يبث أو ما يتضمنه العمل من مشاهد غير مناسبة للأطفال.
"هذا البرنامج يتضمن صورًا سلبية أو إساءة معاملة الناس أو الثقافات أو تأثيره الضار".. بهذه العبارة حذرت "ديزني +" من محتوى عدد من الأعمال الموجهة للأطفال كان آخرها الحلقة 18 من حلقة The Muppet Show ، ففي إحدى المشاهد كان يغني "جوني كاش" أمام علم الكونفدرالية الذي ينظر إليه الكثيرون كرمز للعنصرية، - الكونفدرالية هي مجموعة الولايات الجنوبية التي حاربت للحفاظ على العبودية خلال الحرب الأهلية الأمريكية-.
هذه ليست المرة الأولى التي تخلي فيها "ديزني" مسؤوليتها عن المحتوى بدلًا من حذفه، فالقائمة تضم العديد من الأعمال منها: "علاء الدين وبيتر بان وليدي والصعلوك و The Jungle Book و Aristocats و Dumbo.
عقدة الخواجة
تقول د. زهراء محمد طه؛ د كتوراه الإعلام وثقافة الأطفال، إن الهدف الأساسي من برامج الأطفال يكمن في القيم والسلوكيات الحميدة والإيجابية التي تبثها عبر القنوات المختلفه للأطفال بمختلف أعمارهم السنية.
وأوضحت الدكتورة زهراء محمد طه، إننا أصبحنا أمام كم هائل من البرامج والأفلام الكارتونية المدبلجة للغة العربية والموجهة لأطفال العالم العربي بأجمعه، لكن محتواها يتنافي مع الثقافة الإسلامية والعادات الشرقية للعالم العربي، فمع لكن مع استقبال مواد ذات صناعة عالمية تكمن الخطورة في مشاهد الرعب والعنف التي يتعلمها الأطفال وترسخ في أذهانهم إلى جانب تلقنهم أفكار بعيدة عن العادات والتقاليد والقيم العربية، مما يضعف ارتباطهم بالثقافة المحلية واللغة العربية التي تؤثر في شخصية وعقول الأطفال على المدى البعيد.
وأشارت الباحثة المتخصصة في ثقافة الطفل، إلى أن هذا الانفتاح اللامتناهي من القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الموجهة لهذه الفئة من الأطفال تطلب رقابة كبيرة من الأهل، خاصة وأنها قد تتسبب في العزلة التامة للطفل، حيث يقضي ساعات طويلة يشاهد تلك الأفلام، ناصحة بضرورو بتبادل الحديث معه، وتنمية مهارات أخرى أكثر إفادة له، كممارسة الرياضة.
وترى أن الخيارات لم تعد كما كانت سابقًا، فالجيل السابق كان يختار بين القناتين الاولى والثانية فقط بالتليفزيون المحلي، وانتظار عرض مسلسل أو مسلسلان كرتون في اليوم ، لكن الوضع الآن أصبح مختلفًا مما يقع على الأسرة مسؤولية كبيرة في انتقاء ما يشاهده الأبناء، كي لا يتعرض الأطفال لشتات تربوي ونفسي واجتماعي.
ولفتت إلى المواطن العربي، يسعى إلى ما هو غربي "عقدة الخواجة" بحجة خلوه من العيوب أو المثالية الزائدة، وبالتبعية يكون الأطفال مثل ذويهم، وهنا تكمن المشكلة.
وأكدت د. زهراء محمد طه، أن المتابع الجيد لبرامج الأطفال المدبلجة أو المترجمة فأنها تهدف لزعزعة الهوية الثقافية العربية لقطاعات عريضه وكبيرة من مشاهدي هذه المحتويات، مشيرة إلى أن علينا جميعًا من مؤسسات إعلامية ومسؤلين نشر الوعي والمعرفة بضرورة الحفاظ ع الهوية الثقافية العربية وعلى تقاليد وعادات المجتمع العربي من تسامح وأمانة وصدق والتصدي للعنصرية ونبذ العنف.
خذ الحكمة من أفواه الدراسات
أشارت دراسة نشرت عبر شبكة "بي بي سي" (BBC) عام 2019 لاحتمال تأثير أفلام الرسوم المتحركة على المعتقدات على مدى العقود، فمن المرجح لمحبي أفلام ديزني ومتابعيها أن يتأثروا بصورة فكرية عميقة بناء على القصص الأساسية لتلك الأفلام على مدى سنوات.
وكشفت دراسة أجرتها الباحثة في الحياة الأسرية سارة كوين، في جامعة بريجهام يونج، أن البنات الصغيرات أقل من عامين يرتبطن ارتباطًا وثيقًا بسلوكيات أميرات ديزني المفضلات لديهن.
ولفتت الدراسة إلى أنه على الأسرة تقييم المشاهد أو القيم المقدمة في تلك الأفلام، وإذا وجدت أنها لا تتناسب مع المفاهيم الأساسية للتربية لديهم، عليهم التوقف عن السماح لأطفالهم بمشاهدة تلك الأفلام.
مرض عقلي
رغم الإشادات الإيجابية لتأثير ديزني في القيم الأخلاقية التي تبثها من خلال الأفلام، فإنها واجهت أيضا العديد من الانتقادات والتحذيرات من إمكانية تأثيرها سلبا على الأطفال خاصة أفلام ديزني التي أنتجت قبل 2004.
وأشارت دراسات أكاديمية بجامعة كالغاري، إلى وجود إشارات إلى أمراض عقلية، وهو ما أكده "فريد زيمرمان" خبير السلوك الاقتصادي بجامعة لوس أنجلوس، الذي أكد إمكانية مساهمة ذلك في مشاكل مجتمعية على نطاق أوسع.
وألقت دراسة حديثة، مسؤولية وقاية الأطفال من الوقوع في الجرائم الإلكترونية على عاتق المنزل في المقام الأول، من خلال اتخاذ الوالدين إجراءات تكفل وقاية الطفل، من خلال استخدام برامج تمنع الطفل من دخول بعض المواقع المحتوية على مواد غير مرغوبة.
ولفتت الدراسة إلى أهمية تربية الطفل على استخدام الإنترنت وغيره من وسائل التقنية بطريقة تتوافق مع دينه وعاداته وتقاليده.
عدوانية زائدة
كشفت دراسة أمريكية حديثة، أن الأطفال ما بين سن عامين إلى خمسة أعوام، الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفاز، من خلال الأفلام الكرتونية لمدة ساعة في اليوم، يزداد لديهم احتمال أن يتسموا بالعدوانية الشديدة في مرحلة عمرية لاحقة من طفولتهم.
كما كشفت دراسة أمريكية مفزعة تتعلق بالعنف الناجم عن أفلام الكرتون، أن أحد الأفلام احتوى على 40 حالة انتحار، و27 معركة بالأيدي، وأضعافها بأسلحة خرافية، و22 عملية اغتيال، و21 مشهد نزاع، مؤكدة خطورة بثّ هذا الكم من العنف، لانعكاسه سلبياً على سلوك الأطفال، ولتأثيره الخطير على مستقبلهم، وبالتالي على أمن وأمان بلادهم.
وحذّر تقرير صادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة من خطورة أفلام الكرتون على الأطفال، لسيطرتها على قلوبهم وعقلهم بشكل كبير ومخيف للغاية، ولقدرتها على تحطيم عقول الأطفال الأبرياء الذين لا يميّزون بين الصالح والطالح في ظل عصر الفضائيات.
أين نحن؟
كل النماذج التي ذكرت من الشخصيات الكرتونية صناعة غربية وفدت على ثقافتنا العربية واغتالتها، ولم يبق نموذج او شخصية عربية مؤثرة في الطفل، فهذه النوعية للأطفال اختفت، وحتى إذا وجدت فهي ليست بنفس المستوى من التأثير.
"بكار"، "كابتن ماجد"، و"بوجي وطمطم" نماذج من أعمال مصرية وعربية استطاعت جذب الطفل إليها وتقديم محتوى هادف وجذاب يحمل قيمة ومعلومة ورسالة بطريقة ترفيهية في زمن لم تكن التكنولوجيا وصلت لما نحن فيه الآن.
ويبقى التساؤل في وسط هذه التكنولوجيا والوسائل الفنية والتقنية وأعمال الجرافيك ذات المستوى العالي، لما لا نقدم محتوى يناسب الطفل المصري والعربي بما يتناسب مع عادتنا وتقاليدنا ويدعم هويتنا الثقافية.
ففي أحد الندوات الثقافية، كان السبيل للحفاظ على هويتنا الثقافية لدى الأطفال بـ"القصص"، من خلال قراءة الأبوين لقصص تتضمن فكرة أو قيمة.
دق ناقوس الخطر
للأسف نرى بعض الأمهات خاصة المتعلمات منهن، عندما يردن أن يهدئن الطفل نتيجة البكاء أو الصراخ، يلجأن إلى عرض الأفلام الكرتونية من التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، لتهدئة أطفالهن، وهذا خطأ فادح بحق أطفالهن.
وهنا يقع دور على الأسرة وأخر على المجتمع، فعلى الأسرة أن تساهم في تكوين شخصية أطفالهم التي تتشكل في أول 4 سنوات وتحديد البرامج التي يشاهدوها، إلى جانب استثمار طاقتهم في ممارسة تمارين رياضية وذهنية تنمي إبداعهم.
وعلى المجتمع، بث برامج توعية من قبل المؤسسات المعنية بالأسرة والطفولة، وكذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لدق ناقوس الخطر لما يشاهده أطفالهم، كما يجب أن تخصص الدولة أو فضائياتنا المحلية قنوات خاصة للأطفال.