المصانع المتعثرة.. 6 سنوات من محاولات الإنقاذ والمحصلة "صفر"
في محاولة جديدة من مسلسل محاولات الحكومة لانتشال المصانع المتعثرة من أزماتها، أعلن مؤخرا المهندس طارق قابيل وزير الصناعة والتجارة الخارجية، عن السماح لمركز تحديث الصناعة بإنشاء شركة برأسمال 130 مليون جنيه، ويتاح له إضافة مساهمين آخرين، وذلك بهدف تمويل المصانع المتعثرة ومساعدتها على العودة للإنتاج.
فيما شكك عدد من الصناع في قدرة مركز تحديث الصناعة على انتشال المصانع المتعثرة من الأزمة التي تعود لنحو 6 سنوات ماضية، وذلك من خلال الشركة المزمع إنشائها بمساهمته من أجل تمويل المصانع المتعثرة ومساعدتها على العودة للإنتاج.
وأرجع الصناع شكوكهم في قدرة "تحديث الصناعة" لإنجاز ملف المصانع المتعثرة، إلى عدة أسباب أولها انخفاض قيمة رأس مال الشركة المخطط غنشائها والذي يقدر بـ 130 مليون جنيه، وهو ما يعد مبلغا ضئيلا للغاية أمام حجم التمويل الفعلي التمويل لمساعدة جميع المصانع المتعثرة بالمحافظات المختلفة.
وأضافوا أن من الأسباب أيضا ضعف تواجد مركز تحديث الصناعة بالمدن الصناعية وعدم تغطية فروعها لجميع المناطق ما يجعله غير وثيق الصلة بمشكلات المصانع بالمناطق الصناعية، لافتين إلى كون مركز تحديث الصناعة المسؤول عن ملف المصانع المتعثرة منذ أكثر من 3 سنوات ومع ذلك لم يحرك ساكنا أو يحرز أي تقدم يذكر فيه على مدار تلك الفترة، ما يعد السبب الثالث وراء عدم تفاؤل الصناع بإسناد هذه المهمة لمركز تحديث الصناعة.
في السياق نفسه، أبدى الصناع استيائهم من تشدد الجهاز المصرفي وعدم مرونته في التعامل مع أزمة المصانع المتعثرة، مشيرين إلى أن رفض البنوك جدولة الديون على المصانع المعثرة في أغلب الحالات، واتجاههم دائما للقوائم السلبية، وراء استمرار الأزمة وزيادتها حدتها طوال السنوات الماضية.
وأكد الصناع أن تخاذل الجهاز المصرفي في هذه الأزمة يكشف تخليه عن الدور التنموي الداعم للصناعة والذي يعد من ادواره الأساسية لدعم الاقتصاد القومي.
جزئي وكلي
وحتى الآن لا يوجد إحصاء رسمي دقيق يكشف عدد المصانع المتعثرة على مستوى المحافظات، حيث أن آخر إحصاء حكومي صدر في هذا الشأن كان من قبل مركز تحديث الصناعة عام 2013 يوضح فيه أن عدد المصانع المتعثرة على مستوى الجمهورية، والذين اعلنوا عن أنفسهم بمخاطبات رسمية للمركز يقدر بـ 910 مصنع، فيما يعود تاريخ انتشار ظاهرة التعثر بين المصانع لأعقاب ثورة 2011.
ومن جانبها كشفت جميعات المستثمرين عن إحصائيات مختلفة نسبيا ربما تزيد عن إحصاء تحديث الصناعة، حيث كشفت جمعية مستثمري 6 أكتوبر عن أن عدد المصانع المتعثرة فيها يقدر بـ 400 مصنع، فيما أفادت جمعية مستثمري العاشر من رمضان أن عدد المصانع المتعثرة بها يبلغ 450 مصنع، بينما يبلغ عددها في بدر بـ 300 مصنع، أما برج العرب بلغ عددها 600 مصنع، فيما أكدت جميعات مستثمري الصعيد أن عددهم يقدر بالمئات بمختلف محافظات الصعيد، الامر الذي يدفع لتقدير العدد الحقيقي للمصانع المتعثرة بالآلاف.
ويصنف تعثر المصانع ما بين تعثر جزئي وكلي، فبعض المصانع تعمل بطاقات منخفضة من طاقاتها الإنتاجية تقل عن 50 %، فيما تعجز مصانع أخرى عن الإنتاج تماما، بينما تمثل الصناعات الصغيرة القطاع الأكبر من المصانع المتوقفة.
التمويل والدولار
وكشف أحمد طه رئيس مركز تحديث الصناعة، في تصريحات صحفية سابقة، أن نسبة 87 % من المصانع المتعثرة التي حصرها المركز، يعود سبب تعثرها لصعوبة التمويل، ورفض البنوك جدولة ديونها.
فيما كشف بعض الصناع عن ارتفاع مرتقب في أعداد المصانع المتعثرة جزئيا وكليا خلال الفترة المقبلة، وذلك بسبب ارتفاع سعر الدولار بعد تعويم الجنيه، وما تبعه من ارتفاع أسعار الخامات ومدخلات الإنتاج خاصة المستوردة، وهو ما اثر سلبا على تكلفة الإنتاج ومن ثم تراجع الطاقة الإنتاجية.
من جانبه، قال مجدي عبد المنعم رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر سابقا، أن السبب وراء عدم تفاؤل الصناع بإسناد شركة تمويل المصانع المتعثرة لمركز تحديث الصناعة، يعود لضعف تواجد المركز بفروعه داخل المدن والمناطق الصناعية، الأمر الذي ينعكس على درايته وإلمامه بمشكلات المصانع عامة والمتعثرة على وجه الخصوص.
العدد الحقيقي
وأضاف عبد المنعم، في تصريح خاص لـ"مصر العربية"، أن هناك حاجة لإجراء المركز مزيد من البحوث والدراسات للكشف عن واقع المصانع بالمناطق الصناعية، الامر الذي يساعده في الوصول لحضر حقيقي لأعداد المصانع المتعثرة مشاكلها ومن ثم التمكن من الوصول لحلول لأزماتها.
ورأى عبد المنعم ان مركز تحديث الصناعة محدود الامكانيات والموارد ما ينعكس سلبا على قيامة أدائه في مهمة إنقاذ المصانع المتعثرة، ويؤكد ذلك أن ملف المصانع المتعثرة تم اسناده للمركز منذ عام 2013 ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي خطوة جادة على أرض الواقع لمساعدة هذه المصانع.
وحول صعوبة تحديد عدد المصانع المتعثرة، رأى أن السبب وراء ذلك يرجع لإحراج وخجل بعض الصناع عن إعلان تعثرهم، ما يجعل هناك صعوبة في التوصل للعدد الحقيقي للمتعثرين، ذلك إلى جانب عدم قدرة أجهزة الدولة على تقديم حصر حقيقي وافي عن هذه المصانع.
توقعات بالارتفاع
وفي المقابل، قال محمد العايدي نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات أن قيمة رأسمال الشركة المخطط إنشائها من قبل مركز تحديث الصناعة والمقدر بـ 130 مليون جنيه، ضئيل جدا ولا يتناسب مع حجم مديونيات المصانع المتعثرة وحاجتها للتمويل، ذلك فضلا عن كثرة عددها.
وتوقع العايدي لـ"مصر العربية" أن يرتفع عدد المصانع المتعثرة الفترة المقبلة، وذلك بسبب تعويم الجنيه واثاره التي اضرت بتكلفة الإنتاج، موضحا أن ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الدولار بعد التعويم اثر سلبا على قدرة الصناع على الانتاج بكامل طاقتهم، ما نتج عنه تراجع كبير في حجم الطاقة الإنتاجية الفعلية للمصانع.
تخلي البنوك
فيما قال طارق جاد نائب رئيس جمعية مستثمري برج العرب ان أسباب تعثر المصانع تعود في الغالب لصعوبة التمويل، خاصة بعد تخلي البنوك عن قيام بدورها لمساندة الصناعة المحلية.
وأضاف لـ"مصر العربية" أن من الأسباب وراء التعثر ايضا صعوبة الاجراءات الحكومية ما يؤدي لصعوبة استصدار التراخيص الصناعية الموافقات اللازمة لمواصلة النشاط، ما يتبعه توقف الإنتاج.
ولفت إلى أن أغلب المصانع المتعثرة من الصناعات الصغيرة والتي يقل رأسمالها عن 20 مليون جنيه -بحسب تعريف البنك المركزي للصناعات الصغيرة– مؤكدا عجز هذه الصناعات عن تحمل الأعباء المتزايدة على الصناعة المحلية هذه الفترة.