خبراء:
سعر الدولار في الموازنة الجديدة .. مزيد من العجز و«تدهور» قيمة الجنيه
قبل أيام من مناقشة مشروع الموازنة العامة الجديدة 2017-2018، ثار الجدل مجددًا حول تحديد سعر الدولار في مصر، إذ تعتمد البلاد على استيراد أكثر من 70% من احتياجاتها من الخارج وهو ما يجعل تقييم الدولار في الموازنة عنصرا أساسيا في تحديد قيمة العجز بالموازنة وكذلك قيمة الجنيه خلال عام.
وفي ظل الاضطراب الكبير الذي يشهد سوق الصرف في البلاد، واختلاف الخبراء حول القيمة العادلة للدولار، يصعب تحديد القيمة المناسبة للدولار في الموازنة الجديدة، إلا أن عمرو الجارحي، وزير المالية، قال، مؤخرا، إن سعر الدولار سيكون 16 جنيها في الميزانية الجديدة للسنة المالية 2017-2018، والتي ستبدأ في يوليو القادم.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 124، من الدستور المصري لعام 2014، أن تتقدم الحكومة بمشروع موازنة العام المالي في الأول من أبريل. وتتناقض تصريحات «الجارحي»، مع ما صرّح به، محمد أبو بكر ممثل وزارة المالية، خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان في ديسمبر الماضي، حيث أكد أنه سيتم احتساب الدولار بسعر 13 جنيها بالموازنة الجديدة للعام المالي 2017-2018.
وقال أشرف إبراهيم، الباحث الاقتصادي، إن وزارة المالية، كان لديها تقديرات باحتساب قيمة الجنيه أمام الدولار في الموازنة الجديدة، في نطاق 14جنيها للدولار، ولكن بعد زيارة لجنة من صندوق النقد لمصر في فبراير الماضي، تراجعت الوزارة عن هذا التقدير.
وأضاف «إبراهيم» في تصريحات لـ«مصر العربية»: «يبدو أن ملاحظات اللجنة بخصوص دقة التقدير، دفعت وزارة المالية لرفع قيمة الدولار في الموازنة إلى 16 جنيها وفقًا لآخر تصريحاتها، وهو ما يؤكد عدم ثقة الحكومة في ارتفاع قيمة الجنيه إلى مستويات السعر الاسترشادي للبنك المركزي حتى عقب تحرير سعر الصرف».
وسجل عجز الموازنة نحو 174.6 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي الحالي 2016-2017، وهو ما يشكل نحو 5.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بعجز بلغ 172.5 مليار جنيه (ما نسبته 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر) بالنصف المماثل من العام المالي الماضي.
وعن كيفية تغطية أعباء الموازنة العامة بعد تقدير قيمة الدولار بـ 16 جنيها، قال الباحث الاقتصادي: سيتم تغطيتها من عمليات الاقتراض بشكل رئيسي، فلا توجد بوادر حتى الآن تشير إلى تحسن ملحوظ في الإيرادات العامة، مضيفًا: «لا يزال تطبيق ضريبة القيمة المضافة يواجه صعوبات ربما لن تجعلها تحقق المستهدف منها على الأقل خلال العام المالي الجديد».
وأشار هشام إبراهيم إلى أن تحديد سعر الدولار يأتي بالأساس بعد تحرير سعر الصرف من خلال توقع الأداء الاقتصادي المصري خلال العام المالي الجديد.
ومن شأن استمرار وجود فجوة كبيرة بين الأجور والأسعار أن يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، وكذلك زيادة معدلات الفساد داخل أروقة الجهاز الحكومي، فضلا عن انخفاض إنتاجية العاملين بالقطاع الحكومي والمؤسسات العامة، نظرا لشعورهم بأنهم لا يحصلون على أجور عادلة تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، إن الصندوق ينظر إلى مدى التزام الحكومة في برنامجها المالي بما اتفق عليه الطرفان في مباحثات القرض، إذ أن أهم ما سوف تعنى به بعثة الصندوق سيكون عجز الموازنة، ورؤية الحكومة في تخفيضه كقيمة مطلقة وليس فقط كنسبة من الناتج المحلى الذي تغالي الحكومة في تقديره أحياناً للحد من نسبة العجز.
وأكد نافع خلال تصريحاته لـ"مصر العربية"، أن برامج الدعم والحماية الاجتماعية ستكون محل اهتمام وكذلك عبء الدين العام والإصلاح الضريبي.
وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة مراعاة اختيار سعر واقعي لصرف الدولار في الموازنة ومراعاة الأبعاد السياسية والاجتماعية للإجراءات التقشفية خاصة في عام مالي ينتهي بانتخابات رئاسية.
وتابع: «سعر الدولار فى الموازنة القادمة يعد مفتاح الخريطة»، موضحًا أنه إذا تم وضع سعر دولار يعكس الواقع الفعلي وحركة السوق، ستكون التقديرات قريبة جدًا من الواقع، خاصة أن سعر الدولار ينعكس على قيمة فوائد الدين وكثير من النفقات الحكومية، والتى تشكل نحو 30% من الموازنة.
واستطرد: «تحديد سعر الدولار عند 16 جنيه، يتطلب التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية في البلاد، للتدخل بشكل محدد للسيطرة على أسعار الصرف، ولايتعارض مع بنود إقراض مصر من قبل الصندوق، الذى اشترط تبني سياسة مرنة لسعر الصرف».
وفي السياق ذاته، ذكرت مصادر صحفية أن الالتزامات المتفق عليها مع صندوق النقد تتضمن خفض عجز الموازنة وهيكلتها، وتحديد سعر صرف الدولار في الموازنة الجديدة وهو ما سينعكس على توفير النفقات في عمليات الاستيراد.
وتتضمن الالتزامات أيضا إصدار قانون ضريبة دمغة على تعاملات البورصة خلال الفترة المقبلة، وإنشاء وحدة للشفافية والمراقبة في وزارة المالية ومراكز تواصل في وزارات المجموعة الاقتصادية يكون هدفها التواصل مع مجلسي النواب والوزراء والإعلام.
من جانبه، رأى ضياء الناروز، الخبير الاقتصادي، ونائب مدير مركز صالح كامل الاقتصادي، أن تحديد سعر الصرف على 16 جنيه "منطقي"، مشيرًا إلى أن حساب متوسط سعر صرف الجنيه بداية من الثالث من نوفمبر الماضي حتى الآن، ربما يعطينا هذا السعر أو ما يزيد قليلًا.
وأضاف «الناروز» في تصريحات لـ «مصر العربية»، أن أعباء الموازنة العامة بصفة عامة أصبح يتحملها المواطن من خلال رفع الضرائب وتخفيض الدعم، موضحًا أن سعر الصرف يتحدد بناءً علي ما قرره البنك المركزي طبقًا لقوى السوق من خلال التعويم المدار، وهو ما لا يعكسه الواقع.
وبلغت فوائد الدين العام في موازنة العام الجاري نحو 292 مليار جنيه (16.2 مليار دولار)، وبما يعادل نسبة 31% من حجم الإنفاق العام، وبلا شك أن الدين العام مع بداية يوليو 2017 سوف يشهد زيادة ملحوظة بسبب التوسع في الدين المحلي والخارجي معا، وإن كانت تكلفة الدين الخارجي ستكون أعلى بسبب انخفاض قيمة الجنيه منذ نوفمبر 2016، مما سيزيد من أعباء تدبير خدمة الدين الخارجي من أقساط وديون مقوما بالجنيه في مشروع الموازنة المقبل.
ومع نهاية أبريل وأوائل مايو المقبلين، ستزور البعثة الفنية لصندوق النقد القاهرة، وهي الأيام التي من المفترض أن تناقش خلالها الموازنة العامة بمجلس النواب، وإن كانت الزيارة تأتي بعد تقديم الحكومة مشروع الموازنة، إلا أنها بلا شك سوف تستوفي الجزء الأكبر من شروط الصندوق فيما يتعلق بتخفيض الدعم وفرض ضرائب جديدة، حتى تنتهي البعثة إلى قرارها باستحقاق مصر للشريحة الثانية من القرض