لماذا أزعج اغتيال قاسم سليماني موسكو.. إليك وجهة نظر الروس (قراءة)
في أواخر يوليو 2015، وصل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني" إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة سرية، حينها كانت كل التسريبات تشير إلى أن الرجل ذهب لإنجاز مهمة حساسة، هي إشراك روسيا عسكريا في الأزمة السورية.
في ذلك الوقت، كان جيش النظام السوري -على ما يبدو- على وشك الانهيار أمام ضربات المعارضة المسلحة، وكانت قوة "فيلق القدس" و"حزب الله" اللبناني وميليشيات شيعية أخرى مدعومة من إيران تساعد دمشق، لكنهم افتقروا جميعًا إلى القوة الجوية لإحداث نقلة حاسمة على الأرض.
وكانت تلك الرحلة من "سليماني" علامة فارقة لمشاركة روسيا النشطة في المنطقة.
بعدها، ذهب "سليماني" في رحلة إضافية واحدة - على الأقل - إلى موسكو، في فبراير 2017، وأفادت المعلومات بأنها كانت لمناقشة طبيعة التعاون الثنائي لروسيا مع الأنظمة الملكية السنية في الخليج.
واكتسبت اجتماعات "سليماني" مع كبار قادة الاستخبارات العسكرية الروسية شهرة في موسكو لكونه مفكرا ومنفذا استراتيجيا بارعا.
قد تكون تلك المقدمة أصلح ما يمكن ذكره لتفسير مدى الانزعاج الروسي بعد مقتل "سليماني" في غارة أمريكية خاطفة، في بغداد، وبعد وصوله من سوريا إلى هناك مباشرة، كما أشارت تقارير دولية ومصادر متعددة.
دهشة وانزعاج
في موسكو، أثارت أخبار اغتيال "سليماني" دهشة صانعي السياسة والدبلوماسيين؛ حيث تقاتل روسيا منذ أكثر من 4 سنوات في سوريا إلى جانب إيران ونظام "بشار الأسد".
وأدان بيان لوزارة الخارجية الروسية ما أسماه "العمل المغامر"، معتبرا أن "خطوة واشنطن محفوفة بعواقب وخيمة على السلام والاستقرار الإقليميين. وأن هذه الأعمال ضارة بإيجاد حلول للمشاكل المعقدة في الشرق الأوسط وبدلاً من ذلك تساهم في تصعيد العنف".
في وقت لاحق، قالت الوزارة أيضا: "لقد خدم سليماني بشكل مخلص المصالح الوطنية لإيران".
وكتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الروسي "كونستانتين كوساتشيف" على "فيسبوك" حول معنى الاغتيال بالنسبة للرئيس "دونالد ترامب" والولايات المتحدة والمنطقة، قائلا: "مقتل الجنرال سليماني في بغداد لا يسهم بأي حال من الأحوال في تحسين الوضع في العراق والشرق الأوسط بأسره. وآثاره السلبية واضحة بالفعل".
وأضاف: "أولا، سيتبع ذلك رد من إيران لا محالة. لا أريد أن أتنبأ، لكن المواطنين الأمريكيين قد يتعرضون للقتل، لا عجب في أن الكونجرس يشعر بالقلق وأن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تطالب بتقرير من ترامب عن سبب عدم أخذ إذن الكونجرس قبل الضربات".
وتابع: "ثانيا، هذا يعني أن ترامب يعجز عن حل قضاياه الداخلية وإذا أسفر التصعيد عن خسائر أمريكية ستنخفض تقييماته".
وأردف: "ثالثًا، قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، (إسرائيل) تناقش بالفعل الآثار المترتبة على هذه العملية، وأخيرا، فإن الآمال الضعيفة التي كانت لا تزال قائمة بالنسبة للاتفاقية النووية تم قصفها بالكامل، وقد تقوم إيران الآن بزيادة إنتاجها للأسلحة النووية حتى لو لم يكن لديها مثل هذه الخطط من قبل".
بديل في سوريا
ويرى محللون أن أهم شيئين تريد موسكو معرفتهما بعد مقتل "سليماني" حتى الآن هما ما إذا كانت طهران قادرة على إيجاد بديل مناسب له ومن الذي سيقود الآن العشرات من جماعات الميليشيات العاملة في سوريا.
ويقول زميل معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في الأكاديمية الروسية للعلوم "قنسطنطين بوغدانوف": "كان سليماني مسؤولا عن العمليات العسكرية السرية لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن إحدى مهامه الأساسية كانت تنسيق وإدارة مجموعات فضفاضة ومتنوعة من الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا إلى جانب بشار الأسد.
لقد صنع سليماني اسمه كقائد فعال وموثوق يمكن للجيش الروسي من خلاله حل القضايا العملية على أرض الواقع".
ويرى "بوغدانوف" أنه "من المرجح أن يؤدي فقدان سليماني إلى تعقيد قدرة إيران على التأثير على الأسد، في هذه الظروف، ربما يتعين على روسيا اتخاذ موقف أكثر استباقية من خلال ترسيخ نفسها كوسيط رئيسي في التسوية السورية وراعية للاتفاقات بين الأطراف المتحاربة".
ويقول رئيس تحرير المجلة العسكرية الروسية "أرسنال أوتيتشستفا" (الترسانة الوطنية) العقيد المتقاعد "فيكتور موكراخوفسكي" إن قرار "ترامب" بقتل "سليماني" يفتح فصلا جديدا في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
تصعيد حاد
وأوضح قائلا: "تم قتل رجل دولة، وهو ممثل رسمي لبلده التي هي عضو في الأمم المتحدة والتي ليس للولايات المتحدة معها حالة حرب رسميا. لقد قُتل على أرض دولة ثالثة. هذا ليس صراعا سريا لأجهزة المخابرات.
لقد التزمت الولايات المتحدة علانية بعمل انتقامي وتفخر بهذا الإنجاز. إنها تختبر ردة فعل المجتمع الدولي عامة والقيادة الإيرانية على وجه الخصوص".
ويرى نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو "ماكسيم شيبوفالينكو" أن "ما فشلت الولايات المتحدة في فهمه -معرضة نفسها للخطر- هو حقيقة أن الجنرال سليماني لم يكن قائد حرب أو رئيس عصابة، بل كان رجلا يتمتع بالسيادة. سواء كرهته أم لا".
وأشار "كوساتشيف"، لدى كتابته عن مقتل "سليماني"، إلى المواجهات الأمريكية على مر السنين مع زعماء أقوياء لدول مختلفة مثل "صدام حسين" في العراق، و"سلوبودان ميلوسوفيتش" الصربي، والأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش"، والعقيد الليبي "معمر القذافي".
وقال: "هذا خطأ كبير ينبع من عادة أمريكية نموذجية تتمثل في شخصنة أي مشكلة. يجب إزالة صدام أو ميلوسوفيتش أو يانوكوفيتش القذافي ... وستستقر الأمور. لكن هذا هو منطق عرض مسرحي، وليس منطق السياسة. ذلك لا يعمل على المدى الطويل، وقد يرتد ضد مخرجي المسرحية".