نهاية «المهندس».. «الجهاز العصبي المركزي» لـ «فيلق القدس» بالعراق
في ظروف أخرى، كان اغتيال أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق فجر الجمعة، ليتصدر عناوين الأخبار في حد ذاته، لكن حقيقة مقتل قاسم سليماني الذي كان برفقته جعل من اغتيال المهندس حدثا هامشيا، إلا أنه على الأرض، ينطوي على أهمية كبيرة.
وفيما كان سليماني هو المسؤول عن نشاطات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، اعتبر صديقه المقرب المهندس "رجل إيران" بالعراق والذراع الأهم للحرس الثوري وفيلق القدس في الدولة الجارة .
وأبو مهدي المهندس هو لقب لمحمد علي إبراهيمي (66 عاماً)، من مؤسسي "كتائب حزب الله" وهي ميليشيا عراقية موالية لإيران، التي خرجت الولايات المتحدة قبل أيام في عملية غير مسبوقة ونفذت هجمات جوية ضدها في العراق وسوريا، فقتلت 28 من عناصرها وأصابت 55 على الأقل.
الهجوم الأمريكي جاء على خلفية تكثيف "كتائب حزب الله" خلال الشهور الأخيرة من إطلاق صواريخها على الجنود الأمريكييين بالعراق، ما أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي.
وبعد الهجوم الأمريكي وقبل أيام معدودة على اغتياله، صرح المهندس في خطاب أمام مؤيديه بالعراق :"لا يجب أن يعتقد السفير الأمريكي (في بغداد)، والأمريكان وأجهزة استبحاراتهم أن بإمكانهم الإبقاء على سيطرتهم على قواعدهم في العرق وسوريا ولبنان، إن شاء الله سنوقف أمريكا وأصدقاءها العراقيين المختبئين في مكاتبهم".
وولد المهندس عام 1953 بمدينة البصرة جنوبي العراق، لأب عراقي وأم إيرانية، وانضم في شبابه لحزب "الدعوة" الشيعي الذي ناصبه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين العداء.
في 1980 وهو العام الذي شهد اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، فر المهندس من العراق، برفقة العديد من الناشطين السياسيين الشيعة، وانضم إلى "فيلق بدر"، الذي تشكل من عدد من العراقيين الفارين من حكم صدام، وقاتل إلى جانب إيران، وخلال الثمانينيات أصبح المهندس قائداً كبيراً في الفيلق.
وفي 1983 صدر حكما غيابيا ضد المهندس في الكويت، على خلفية تورطه في تفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية هناك.
عاد المهندس الذي يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية ويتحدث الفارسية بطلاقة إلى العراق عام 2003 بعيد العزو الأمريكي للبلاد الذي أطاح بنظام صدام حسين، وأصبح لفترة قصيرة عام 2005 عضوا في البرلمان، لكن سرعان ما عاد للتركيز على النشاط العسكري.
وخلال سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق، عُرف المهندس بكراهيته الشديدة للأمريكان، ومع عودته إلى البلاد عمل على ترسيخ نفوذ طهران، التي سعت إلى قطع دابر واشنطن من المنطقة.
"كان المهندس نموذجاً عملياً للشكل الذي بنت به إيران شبكة مبعوثيها في العرق"، يقول "فيليب سميث الباحث الأمريكي المهتم بالجماعات الشيعية المسلحة، وفق ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
ويتابع "سميث":"لديه تاريخ من الاتصالات مع كل شبكة رئيسية كانت إيران تمتلكها في العراق. لن تجد مثالاً أكثر وضوحاً منه على نفوذ إيران في البلاد".
ساهم المهندس في تأسيس "كتائب حزب الله"، وهي ميليشيا متشددة حظيت بدعم إيراني كبير وهاجمت القوات الأمريكية.
في 2009 صنفت الولايات المتحدة "كتائب حزب الله" كتنظيم إرهابي واعتبرت المهندس إرهابياً. وقالت واشنطن إن المهندس يشغل شبكات لتهريب السلاح وشارك في تنفيذ هجمات ضد سفارات أجنبية وساهم في محاولات اغتيال.
في منتصف العقد الماضي عُين المهندس نائبا لقائد التنظيم الأم للمليشيات الموالية لإيران بالعراق "الحشد الشعبي"، الذي حاول توحيد كل المليشيات الشيعية في مواجهة تنظيم "داعش" السني المتشدد والذي احتل نحو ثلث مساحة العراق، وبالفعل ساهمت تلك المليشيات بشكل حاسم في هزيمة التنظيم الجهادي.
خلال فترة الحرب على "داعش"، سمحت الولايات المتحدة لقوات "الحشد" بالعمل بحرية للقضاء على تهديد "الدولة الإسلامية"، وهكذا وجدت واشنطن نفسها تقف في نفس جانب حلفاء إيران.
بيد أن طهران، استغلت تموضع المليشيات المدعومة من قبلها، ليس فقط من أجل الحرب على "داعش"، فبعد هزيمة التنظيم استخدمت إيران القوة الهائلة لتلك المليشيات في التأثير على مجريات الأمور في الدولة الجارة.
وبحسب التقارير الواردة من العراق، شاركت تلك المليشيات مؤخراً في قمع وحشي للمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ أكتوبر الماضي بما في ذلك احتجاجاً على النفوذ المتزايد للنظام الإيراني على حكومة بلدهم.
وبعد إعلان العراق انتهاء الحرب على داعش أواخر 2017، كان من المقرر دمج المليشيات في أجهزة الأمن العراقية الرسمية، إلا أن عدداً من المليشيات الأكثر تشددا، وبينها "كتائب حزب الله" التابعة للمهندس، لا تزال تعمل من بغداد بشكل مستقل.
"حاول المهندس جاهداً تحويل "الحشد الشعبي" لتنظيم لا يخضع للسطلة الكاملة للحكومة أو قوات الأمن"، يقول مايكل نايتس، الخبير في معهد واشنطن.
ورغم أنه يأتي في ترتيب قيادة "الحشد" بعد فالح الفياض، إلا أن المهندس اعتبر فعلياً القائد الحقيقي للتنظيم الجامع للمليشيات الموالية لإيران، فقد حظي بالولاء المطلق لقوات "الحشد" على الأرض وبسيطرة على الموارد الاقتصادية للتنظيم، وهي الحقيقة التي جعلت منه بحسب نايتس "الجهاز العصبي المركزي" لـ "فيلق القدس" الإيراني بالعراق.
وكان المهندس المستشار الشخصي لسليماني، وتم تصوير الاثنين لمرات كثيرة وهما يتعانقان بحرارة.
ورغم مكانته العالية داخل "الحشد الشعبي"، نادراً ما ظهر المهندس علنا وتحدث عن السياسة. لكن الصمت الذي حافظ عليه كثيرا، كسره في العام الماضي عندما ألقى باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في سلسلة من الانفجارات الغامضة التي استهدفت قواعد "الحشد" بالعراق.
وبحسب "سميث" لا يمكن أن نتكهن حالياً بالشخص الذي سيخلف المهندس "من الصعب إيجاد رجل لديه منظومة علاقات أيدولوجية وشخصية وطيدة جدا مع إيران كتلك التي حظي بها المهندس".