في حوار لـ"مصر العربية"
حوار| عمرو عدلي: شرط لاختفاء السوق السوداء.. و"بيروقراطية" الحكومة وراء اللجوء للجيش
قال الدكتور عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية، إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الفترة الأخيرة لتحقيق قدر من الاستقرار المالي والنقدي في مصر كانت جزءًا من الوفاء بمشروطية صندوق النقد، وأن تأخّر هذه الإجراءات من شأنها الزيادة من وطأة الصدمة على المواطن المصري.
وأضاف الباحث في مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، في حوار لـ"مصر العربية" أن هناك فجوة تمويلية والبنوك لن توفي بالطلب على الدولار، ولذا فعودة سوق السوداء "واردة" إذا لم يتم تخفيض فاتورة الواردات بشكل جذري.
وأوضح عدلي أن الاستعانة بالقوات المسلحة في الملفات الحيوية الهامة مثل منظومة الخبز والتموين لا يتعلق بالكفاءات الاقتصادية ولكن الاتجاه إلى الاستعانة بالجيش في الملفات الحساسة بالنسبة للقيادة السياسية؛ بسبب غياب الثقة الكاملة في أجهزة الدولة البيروقراطية التقليدية مثل "وزارة التموين ، هيئة السلع التموينية، وزارة الصحة"..
وحول حال الاستثمار في مصر الفترة القادمة، أكد أن المستثمرين الأجانب لن يضخوا أموالهم في مصر قبل ربع السنة المقبل للتأكد أن نظام الصرف الجديد قابل للاستمرار دون وجود خطوات اقتصادية عكسية من قبل الحكومة أو معاناة القواعد الحالية من مشكلة عدم التفعيل مثل مخاطر عودة السوق السوداء وإذا تم معالجة ذلك سيتم الضخ من قبل المستثمرين الأجانب على الفور.
وإلى نص الحوار..
بداية، كيف ترى الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في الفترة الأخيرة؟
كانت هذه الإجراءات جزءًا من الوفاء بمشروطية صندوق النقد، فمثلا الجزء الخاص بتعويم الجنيه كان إقرارًا بواقع أنه لا يوجد قدرة فعلية للإبقاء على نظام التعويم المدار وهو قائم منذ عام 2005 والذي يتطلب أن يكون بالبنك المركزي قيمة دولارية ضخمة تغطي 9 أو 10 شهور من الواردات والتي من خلاله يمكن تحجيم المضاربة والدفاع عن قيمة العملة الوطنية وبالتالي تحقيق الاستقرار في السعر الرسمي.
وحدث انهيار للعملة فعليا حتى مع تثبيت السعر الرسمي وكان التضخم الفعلي له علاقة بالسعر غير الرسمي الموجود في السوق السوداء، ولذلك لم تكن القدرة على الابقاء بنظام التعويم المدار قائمة وبالتالي كان اللجوء لنظام التعويم الكامل من قبل الحكومة هو الأمثل.
هل توقيت الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة مناسب؟
إن تأخر الإجراءات التي من شأنها التخفيف من وطأة الصدمة على المواطن المصري، بعد تعويم الجنيه وعجز الموازنة وتخفيض دعم الوقود وقبلها فرض ضريبة قيمة مضافة لها أثر تضخمي، رغم أنها مبررة ولكن الخلاف في التوقيت والذي أهملته الحكومة وبذلك كان الأثر الاجتماعي أسوأ وأشد في حالة اتخاذها جميعا دفعة واحدة.
كما أن الحكومة أجلت هذه الإجراءات لفترة زمنية طويلة حتى وضع صندوق النقد الدولي "العقدة في المنشار" رافضًا صرف أي دفعة من القرض إلا بعد تنفيذ هذه الإجراءات وعندها قامت الحكومة بتنفيذها دفعة واحدة تضاعف الأثر التضخمي بمعنى انخفاض في مستوى المعيشة لأن التعويم لدى الغالبية الكبيرة من السكان هو تخفيض في قيمة الأجور الحقيقية وهو الاستهلاك المتاح من الدخول القائمة، فالخلاف ليس في جوهر الإجراءات ذاتها ولكن في الإجراءات المكملة وفي توقيتها والتتابع فيما بينها.
الإجراءات أثرت بالإيجاب على سوق البورصة .. تعليقك؟
رد الفعل الإيجابي الذي صدر من المتعاملين في البورصة في أعقاب اتخاذ القرار بتعويم الجنيه يشير إلى أن هناك إجراءات بضمان صندوق النقد الدولي وبالتالي هناك درجة من الاستقرار في القرار الحكومي خلال الفترة المقبلة وأن مصر متجهة بهذه الإجراءات بغض النظر عن تكلفتها الاجتماعية إلى نمط من الاستقرار على مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل "التضخم ، عجز الموازنة، عجز ميزان المدفوعات" وبالأحرى سعر الصرف، ولكن البورصة غير ممثلة للاقتصاد المصري لأنها صغيرة وعدد المتعاملين بها محدود للغاية والنظام المالي في مصر هو نظام مصرفي وقائم على البنوك وليس أسواق المال.
كيف يؤثر تحرير سعر الصرف على الاستثمار؟
بالفعل يؤثر على رأس المال إيجابيا؛ لأن التعويم سيخلق فرصة لاستقرار سعر الصرف وبالتالي سيكون هناك حوافز أكبر لدخول استثمارات من الخارج، بمعنى أن هناك استثمارًا نسبيًا وبالتالي تخفيض في مخاطر العملة وهي واحدة من مصادر المخاطر في البلاد النامية والأسواق الناشئة ولكن هذا الأمر يحتاج إلى نظام سعر صرف واضح ولاتزال ملامح سعر الصرف لم تتشكل وملامحه لم تعد واضحة بعد.
ولا أعتقد أن هناك خطة واضحة في ذهن النخبة المالية والنقدية في مصر؛ لأنه نظام جديد بالكامل لأننا لم نجرب فيما قبل نظام تعويم كامل للعملة وبالتالي الموضوع لا يزال قيد التشكل ولا نستطيع الحكم عليه؛ لأن أساس الإشكال واقع في الاقتصاد الحقيقي وليس النقدي.
هل هناك مخاطر من عودة السوق السوداء للدولار؟
طالما أن هناك فجوة تمويلية فبالتالي البنوك لن توفي بالطلب على الدولار ولذلك هنا مخاطر عودة سوق سوداء إلا في حال تم تخفيض فاتورة الواردات بشكل جذري وهو ما تعول عليه الحكومة المصرية، وبالفعل وفرت الحكومة 7 مليارات دولار في السنة الماضية ولكن لابد أن يضاف عليهم 12:10 مليار دولار أخرى لأن هذا ما يقلل من أصل الطلب عليه وهو ما حدث باتفاق مع الغرف التجارية ولكن لا نعرف مدى استمراره وتعد مساحة للتفاوض بين الحكومة والممثلين للمستوردين والمصنعين وهما أهم مصدر للطلب على الدولار.
متى يعود الاستثمار؟
لن يضخ المستثمرون الأجانب أموالهم في مصر قبل ربع السنة المقبل للتأكد أن نظام الصرف الجديد قابل للاستمرار دون وجود خطوات اقتصادية عكسية من قبل الحكومة أو معاناة القواعد الحالية من مشكلة عدم التفعيل مثل مخاطر عودة السوق السوداء وإذا تم معالجة ذلك سيتم الضخ من قبل المستثمرين الأجانب على الفور.
لماذا يستعين السيسي بالجيش بصفة عامة والأمور الاقتصادية خاصة ؟
الأمر لا يتعلق بالكفاءات الاقتصادية ولكن الاتجاه إلى الاستعانة بالجيش في الملفات الحساسة بالنسبة للقيادة السياسية لأنها مرتبطة بأدائها الاقتصادي مثل المشروعات القومية الكبرى التى يرى أن لها مردود على مشروعية النظام ككل أو السلع الأساسية وألبان الأطفال والأدوية مثلا، وذلك بسبب غياب ثقة كاملة في أجهزة الدولة البيروقراطية التقليدية مثل "وزارة التموين ، هيئة السلع التموينية، وزارة الصحة"، كما أن القوات المسلحة تستطيع أن تقوم بذلك الدور لما تراه القيادة السياسية الأكثر ثقة وأكثر اعتمادية على التنفيذ، ولكن هذا بسبب عدم كفاءة الجهاز الإداري الكبير للدولة والذي يدير هذه الملفات.
ما أوجه صرف قرض صندوق النقد الدولي؟
أستبعد فكرة ضخ الدولارات في السوق للدفاع عن العملة، المركزي سيستمر في إدارة العملة من خلال القطاع المصرفي لأن البنك المركزي لديه البنكان الحكوميان الكبار ولهما وزن كبير في القطاع المصرفي كما أن لديه أدوات لإدارة هذا القطاع المصرفي ولكنه لن يمارس الدور التقليدي من التعويم المدار لأن هذا شرط الصندوق في الأساس.
كما أنها لن تستهلك في تمويل الفجوة التمويلية والتي استهلكت تمويل الخليج الرهيب خلال العامين الماضيين وهو ما يقارب الـ10 مليار دولار إلى جانب تخفيض الواردات وهو ما سيكون له أثر انكماشي على الاقتصاد لأنه سيرفع تكلفة مدخلات الإنتاج في ظل الهيكل الحالي للواردات وسيرفع من التضخم وبالتالي يعمق وضع الركود التضخمي الذي نعاني منه منذ سنة على الأقل.
أزمة أرباح الشركات الأجنبية .. عرض مستمر ؟
إن إتاحة عملة صعبة لأصحاب شركات رأس المال الأجنبي لتحويل أرباحها للخارج لكي يشجع الاستثمار وأهمها شركات البترول والغاز والتي تعاني من أزمة في تحويل أرباحها للخارج من أهم توجهات المركزي بعد الحصول على قرض البنك الدولي، وكذلك العمل لصالح قطاعات تصديرية لدخول العملة الصعبة إلى مصر.
أمامنا عام على الأقل نعمل فيه على تقليص حجم الواردات وهو ما سيكون مؤلما على الشقين الاقتصادي والاجتماعي؛ لأنه يعني تعميق الركود ومعدلات نمو منخفضة ولكن مع استقرار سعر الصرف وضبط جميع المؤشرات الاقتصادية يرتفع معدل الاستثمار .
كيف ترى توجه الدولة لبناء عاصمة إدارية جديدة في مثل هذا التوقيت؟
أنا لا أظن أن المشروع لازال قائمًا بالفعل نظرا لوجود مشكلات تمويل، وخاصة أن الدولة تسير في اتجاه نفس النمط القديم وهو "التوسع العقاري" والذي قد يجذب بعض رؤوس الأموال الأجنبية وقد يحقق معدلات نمو مرتفعة ولكن بها قدر كبير من المضاربة.
كما أنه لا يعالج مشكلات الاستثمار في القطاع العقاري في مصر نظرا لوجود مبالغة في الاستثمار العقاري في مصر خلال الـ 30 سنة وهو ما يؤدي إلى تحويل المدخرات الحقيقية إلى قطاعات غير تجارية والتي لا تعدل العجز في الميزان التجاري لأن الدولة في حاجة لاستثمار ينتج وظائف من جهة ويسهم في تخفيض الواردات وزيادة الصادرات من جهة أخرى.
كيف ترى تصريحات صندوق النقد الدولي عن زيادة نمو الاقتصاد المصري خلال 2021 ؟
الصندوق لديه تقديرات بناء عل دراسات معينة ولكن هناك متغيرات عديدة تأخذ في الحسبان ومنها "مستقبل التجارة العالمية ، انتهاء الانكماش الذي يواجه الصين، الركود الاقتصادي في منطقة اليورو، الظرف الأمني الإقليمي في الشرق الأوسط.
ما تأثير فوز ترامب على الاقتصاد العالمي؟
من المبكر الحكم على تأثير فوز ترامب لرئاسة أمريكا على المستوى الاقتصادي،وإذا نفذ وعوده فيما يتعلق بالتحلل من التزامات أمريكا الخاصة بالتجارة العالمية سيكون لها أثر سلبي في اضطراب وزيادة انكماش التجارة العالمية واضطراب في أسواق المال العالمية مرة أخرى مثل عام 2008 ، كما أن توجهه لعمل حرب تجارية مع الصين قد يسبب مشكلة لعلاج العجز في الموازنة.
متى سيشعر المواطن المصري بالتحسن بعد قرض النقد الدولي؟
الأزمة الاقتصادية ستستمر لمدة عام ونصف على الأقل حتى تتحسن جميع المؤشرات الاقتصادية ويستقر سعر الصرف.