بعد صدمة النفط... الجزائر تبدأ رحلة البحث عن تنويع الاقتصاد
تبنت الحكومة الجزائرية استراتيجية جديدة تحت ضغط الأزمة النفطية، وفقدان البلاد لنسبة كبيرة من مداخيلها من النقد الأجنبي.
وتتجه السياسات الجديدة نحو تنويع صادرات البلاد خارج قطاع المحروقات، من خلال تصدير منتجات عديدة على غرار الإسمنت والسيارات والحديد والنسيج والمنتجات الالكترونية والكهرومنزلية.
وتهاوت إيرادات الجزائر من المحروقات بأكثر من النصف في ظرف عامين بسبب الصدمة النفطية، وانتقلت نزولاً من 60 مليار دولار عام 2014، إلى 27.5 مليار دولار في 2016 حسب أرقام قدمها رئيس الوزراء عبد الملك سلال نهاية الشهر الماضي.
وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات النفط ومشتقاته، التي تشكل 97% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للبلاد تعتمد على أكثر من 60% من هذه المداخيل النفطية والغازية.
ورافق الأزمة النفطية انهيار في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي، التي فقدت في 3 أعوام ما يفوق 76 مليار دولار، هبوطاً من 193 مليار دولار نهاية 2013، إلى 114 مليار دولار نهاية ديسمبر 2016.
وبدا توجه الاقتصاد وقطاعاته واضحاً، خلال معرض الجزائر للإنتاج المحلي في طبعته الـ 25، الذي جرت وقائعه ما بين 21 - 27 ديسمبر 2016، وما رافقها من تصريحات للمسؤولين الجزائريين.
وخلال الافتتاح قال رئيس الوزراء عبد المالك سلال أن سنة 2019 ستعرف تحولاً جذرياً للاقتصاد الوطني، من خلال تنويع الإنتاج واستهداف الأسواق الخارجية، وأعلن عن خفض نسبة الواردات من السيارات السنة الجارية.
وقال الخبير الاقتصادي الجزائري كمال رزيق، إن هناك إرادة سياسية ومعطيات موضوعية على أرض الميدان، تجعل من إمكانية تحول الجزائر لبلد مصدر خارج قطاع المحروقات أمراً ممكناً.
وأضاف رزيق الذي يعمل أستاذاً في كلية الاقتصاد بجامعة البليدة (جزائرية) أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على أساس تنويع الشراكات الاقتصادية في القطاعات المنتجة، على غرار الإسمنت والحديد والصلب والنسيج وغيرها، والإفلات من الهيمنة الفرنسية التي أبقت على الجزائر لعقود سوقاً استهلاكية.
وأشار إلى أن بلاده عاشت منذ الاستقلال، أربع صدمات نفطية متتالية، "ولم تأخذ العبرة ولم تحفظ الدرس من ذلك، وبقي هذا القطاع مهيمنا على الاقتصاد الوطني.. الوقت قد حان للتخلص من تبعية النفط والغاز".
وصرح وزير الصناعة الجزائري عبد السلام بوشوراب الأسبوع الماضي، أن الجزائر ستكتفي ذاتياً من مادة الإسمنت خلال السنة الجارية، والسنة المقبلة ستكون سنة تصدير الفائض في الإنتاج.
وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الصناعة فإن الجزائر تحتاج لما يفوق 24 مليون طن سنوياً من مادة الإسمنت.
وكان وزير الصناعة صرح العام الماضي، أن بلاده ستدخل مرحلة تصدير الملابس والنسيج خلال 2017، بعد دخول مركب ضخم للنسيج بمحافظة "غليزان" غربي البلاد الذي يقام بشراكة تركية.
وخلال تدشين مصنع لتركيب وتجميع سيارات هيونداي، نهاية أكتوبر الماضي في محافظة تيارت غربي البلاد، أوضح صاحب المشروع محي الدين طحكوت، أن تطور الإنتاج مستقبلاً سيكون عنواناً لتصدير السيارات نحو إفريقيا على وجه الخصوص.
وذكر محي الدين طحكوت أن الإنتاج حالياً موجه للسوق المحلية، لكن هناك اتصالات جارية مع دول أفريقية لتصدير السيارات إليها مستقبلاً، خصوصا مع رفع نسبة الإدماج في السيارات.
ويعتقد المحلل الاقتصادي الجزائري فريد بن يحي، أنه من الصعب أن يتحقق مسعى السلطات للتحول إلى بلد مصدر خارج قطاع المحروقات في غضون 3 سنوات، نظراً لعدم توفر جملة من الشروط والعوامل.
وقال إن الإرادة السياسية لدى المسؤولين الجزائريين، لتحريك هذه القطاعات متوفرة نسبيا، وحتى إن توفرت كلياً فإنها لا تكفي لوحدها.
ودعا السلطات لتحسين مناخ الأعمال أكثر، وخصوصاً السياسة النقدية للبلاد التي وجب توضيحها وتعديلها، سيما ما يتعلق بتحويل الأرباح للشركاء الأجانب، وفتح رأسمال العديد من الشركات العمومية أمام المستثمرين الخواص لرفع قدراتها الإنتاجية.
ويعد تحويل أرباح الشركات الأجنبية إلى الخارج، واحداً من الشروط التي تضعها تلك الشركات، في ظل صعوبات التحويل في بعض الاقتصادات التي تعاني شح العملة الصعبة، كما حصل مع مصر خلال العامين الماضيين.