واعترافه بـ"الخطأ" في تقدير قيمة انخفاض الجنيه
خبراء عن "وثائق" صندوق النقد: الشعب أرهقته الإجراءات الاقتصادية ولن يتحمل المزيد
أثار إعلان صندوق النقد الدولي عن وثائق الاتفاق مع الحكومة المصرية حول القرض التي تعهدت خلالها الحكومة بالمزيد من رفع أسعار الطاقة، وهيكلة قطاع الطاقة، ومن ثم اعتراف الصندوق بـ"الخطأ" في تقدير قيمة انخفاض الجنيه، سخط الشارع المصري، والكثير من الخبراء.
وكشف كل من صندوق النقد الدولي ووزارة المالية أمس الأربعاء عن الوثائق المتعلقة بحصول مصر على القرض من الجهة الدولية بقيمة 12 مليار دولار، بعد أكثر من شهرين على موافقة الصندوق على القرض.
ووافق صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 12 مليار دولار على 3 سنوات في 11 من شهر نوفمبر الماضي.
وكان فخري الفقي، الخبير السابق في صندوق النقد الدولي في وقت سابق لـ"مصر العربية"ـ قال إن مصر هي التي طلبت من الصندوق تأجيل نشر المعلومات حول برنامج الحكومة المقدم له بسبب "الأوضاع الأمنية في المنطقة".
وتضمن الإفصاح عن الوثائق التي طال انتظارها تعهد الحكومة المصرية بالمزيد من رفع أسعار الطاقة، وحزمة إنفاق اجتماعي بقيمة 25 مليار جنيه على الأقل، وخطة لهيكلة قطاع الطاقة يعدها استشاري مستقل، وإلغاء التراخيص الصناعية باستثناء ما يؤثر على المصلحة العامة.
وشملت الوثائق تقرير الخبراء، وخطاب النوايا الموقع من محافظ البنك المركزي طارق عامر ووزير المالية عمرو الجارحي، ومذكرة السياسات الاقتصادية والمالية الملحقة بخطاب النوايا، باﻹضافة إلى بيان لرئيس بعثة الصندوق جريس جارفيس، وبيان آخر للمدير التنفيذي لمصر بالصندوق حازم الببلاوي.
ويقول الصندوق على الصفحة الأولى من الوثيقة إن سياسات الشفافية الخاصة به تسمح بحذف المعلومات المؤثرة على الأسواق والإفصاح قبل الأوان عن نوايا السلطات فيما يخص الإجراءات المستقبلية، مما يعني أنه قد تكون هناك إجراءات تم الاتفاق عليها غير مذكورة في الوثائق.
وعلى الرغم من عدم اﻹفصاح عن اﻹجراءات الاقتصادية المزمع اتخاذها لاحقًا حتى نهاية فترة القرض في 2019، إلا أن خطابًا من حازم الببلاوي، العضو الممثل لمصر في مجلس مديري الصندوق، كشف عن اعتزام الحكومة خفض دعم الطاقة من 6.5% من الناتج المحلي اﻹجمالي في 2012-2013 إلى 1.75% هذا العام، مع خفضها لاحقًا إلى 0.5% من الناتج المحلي.
وكانت الحكومة المصرية قد رفعت أسعار المواد البترولية المدعومة في 3 نوفمبر الماضي، بنسب تتراوح بين 30.5% و46%، بعد ساعات من إصدار البنك المركزي قرارًا بتحرير سعر صرف الجنيه المصري.
وبحسب الوثائق، فإنه على الحكومة المصرية، بحلول 31 مارس 2017، تبني استراتيجية إعادة هيكلة لقطاع الطاقة بناء على تقرير يصدره استشاري خارجي، لم تحدده الوثائق، وأن تنتهي من إعداد خطة عمل ﻹعادة الاستقرار المالي للهيئة العامة للبترول.
ولم توضح المذكرة معايير الاستقرار المالي للهيئة، لكن بيانًا أصدرته السفارة البريطانية في مصر تعليقًا على القرض بعد أيام من الموافقة عليه، كشف عن "خطة تسديد الديون المستحقة لشركات البترول العالمية العاملة في مصر" من أموال القرض.
"مصر العربية" رصدت رأي خبراء حول ما جاء في وثائق قرض صندوق النقد الدولي، وحول "الخطأ" الذي اعترف به كريس جارفيس، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، في تقديرات الصندوق حول سعر الجنيه بعد تحرير سعر صرف الجنيه، أمام الدولار الأمريكي.
الخبير الاقتصادي، إيهاب الدسوقي، قال لـ"مصر العربية": "يشير الخطأ الذي اعترف به صندوق النقد في تقدير تبعات تحرير سعر الصرف إلى إجراءات كان على البنك المركزي والحكومة اتخاذها للسيطرة على سعر صرف الجنيه للحيلوية دون الارتفاع الكبير الذي أصاب العملة الخضراء".
وحول الاتجاه لرفع المزيد من الدعم على المحروقات خلال الفترة القادمة، رأى الدسوقي أن المجتمع المصري لايمكنه تحمل المزيد من الضغوط الاقتصادية دون ان يجني أي ثمار، داعيا الحكومة إلى رفع الرواتب بحسب نسب التضخم الناتجة عن الإجراءت الاقتصادية الصعبة.
ومن جانبه، قال مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، إن تعويم الجنيه جاء في فترة ندرة دولارية ودون استقرار موارد النقد الأجنبي الشحيحة، واصفًا إياه بـ "السباحة في بحيرة جافة".
وتعليقًا على تصريحات كريس جارفيس، رئيس البعثة الفنية لصندوق النقد الدولى لمصر، خلال مؤتمر صحفي مساء أمس الأربعاء، قال فيها إن "تراجع قيمة الجنيه بعد تحرير سعر الصرف كان أكبر من توقعاتنا كنا مخطئين فيما يتعلق بأساسيات الاقتصاد".
وأضاف لـ"مصر العربية": "التعويم الحر بغير أي ضوابط من شأنه أن ينفلت الدولار بغير سقف خاصة وأن الأزمة في الأساس هى نقص الإنتاج السلعي والخدمي وما يترتب عليه من عجز في ميزان التجارة نتيجة الاعتماد الكبير على الواردات في إشباع احتياجات السوق المحلية".
وأوضح أن "أزمة العملة الصعبة كانت عرضاً لمرض مزمن في الاقتصاد الحقيقي أخذ يتفاقم في الفترة الماضية".
وأشار إلى أن تبني الحكومة مشروطية الصندوق في صورة برنامج وطني استبق الاتفاق رفع الحرج عن بعثة الصندوق نسبياً لدى الخطأ الذي يقرون به.
ومضى قائلا: "آن الأوان لعودة وزارة الاقتصاد التي ترسم رؤية اقتصادية كلية متسقة وتراعي التوازنات الحتمية بين مختلف القطاعات كما تحقق التنسيق اللازم بين أهداف السياسة المالية والتجارية من ناحية والسياسة النقدية من ناحية أخرى".
أما محمود وهبة الخبير الاقتصادي، والمدير السابق لمعهد الدراسات التطبيقية بجامعة كوني الأمريكية، فاقترح في تعليق له الاستفاده من تخفيض تصنيف مصر لدي البنك الدولي، وطلب إعفاء مصر من بعض ديونها.
وأضاف: "انخفاض التصنيف المصري لدى البنك الدولي من مجموعة الدول متوسطة لأدنى الدخل بالعالم إلى مجموعة الدول الأكثر فقرا وهذا يعني أن مصر من حقها حسب تصنيف البنك الدولي أن تطلب الإعفاء من بعض ديونها".
وأضاف: "كما يعني هذا أن تحصل مصر على منح ومعونات لمعالجة الفقر وللاتفاق على البرامج الاجتماعية والتطويرية".
وتابع: "وبدلا من أن تنتبه الحكومة لهذا الانخفاض في التصنيف وتطلب الإعفاء من بعض الدين وتطلب منحا مماثلة لما يقدم للدول الأكثر فقرا، تقوم الحكومة هذا الأسبوع بجهل وعنجهية بالترويج لقروض عالمية إضافية بمبلغ 11 مليار دولار من بورصة لوكسمبرج".
وحول ما جاء على لسان كريس جارفيس مدير بعثة صندوق النقد الدولي في مصر أمس، قال "صندوق النقد يعترف بالخطأ في تقدير نسبه انخفاض الجنيه، وهذا خطا جسيم وهو سبب الأزمات التي تواجه الاقتصاد الان وسبب كوارث في المستقبل، أي أن ممثل صندوق النقد لا يعتبر تعويم الجنيه في حد ذاته خطا ولكن نسبه انخفاض قيمه الجنيه إلى الدولار هي الخطا".
وأضاف: "ادعى صندوق النقد ومعه البنك المركزي أن الجنيه سينخفض 48% من 8.8 جنيه للدولار إلى 13 جنيه للدولار" متسائلا "كيف يتم هذا الخطأ والسوق السوداء كانت 18 جنيها للدولار يوم تعويم الجنيه في يوم 3 نوفمبر 2016؟".
وتابع "ثم انخفض الجنيه حوالي 120% بوصول الدولار إلى 19 جنيها للدولار، وأحيانا يقترب من 20 جنيها للدولار ونسب الانخفاض وصلت 120%، وهي أعلى نسبة في العالم والسبب في الأزمات بمصر الآن".
وأضاف أن تراجع الجنيه بنسبة 120% أدى إلى انخفاض دخل الفرد المصري بأكثر من النصف في يوم وليلة، وارتفاع الديون المصرية 120% في يوم وليلة، وارتفاع عجز الموازنة الناتج عن خدمة القروض 120% في يوم وليلة.
ومن جانبه ، دعا الدكنور محمد الشيمي الخبير الاقتصادي الحكومة إلى عدم رفع الدعم عن الوقود الذي يستخدمه الفقراء في إشارة إلى الكيروسين والسولار، وفي الوقت ذاته رفع أسعار البنزين على الطبقات العليا من المجتمع لتحمل مسؤولياتها تجاه الاقتصاد المصري.
وتساءل الشيمي في تصريحات لـ"مصر العربية" حول سبب عدم تطبيق كارت البنزين حتى الآن، مؤكدا أهميته في منع تهريب الوقود.
وتوقع أن يتحرك الجنيه في اتجاه تصحيحي ليسجل الدولار ما بين 15 و16 جنيه خلال 2017.