6 أبريل في ذكراها.. مجبر على الصمت لا بطل
من رحم حِراك عمالي في مدينة المحلة بدلتا النيل، شمالي مصر، وُلد آخر شبابي قبل 9 أعوام، واتخذ من يوم ميلاده اسما له.
يوم أتم التاسعة كان حراك 6 أبريل قد صار بالفعل خصماً لكل الأنظمة الحاكمة الأربعة التي شهدها، شاخ في عمره القصير وبعد أن أيقظ السياسة في مصر بات اليوم مجبراً على الصمت لا بطلاً.
واليوم الخميس في ذكرى ميلاده التاسع يقبع بعض من شباب هذا الحراك في السجن والباقي مهددون إما بالقضبان أو باتهامات الخيانة والعمالة، من النظام المصري ومؤيديه.
6 إبريل.. الميلاد
إضراب عمالي أعلن عنه عمال شركة غزل المحلة (حكومية/ للغزل والنسيج) في 6 أبريل 2008؛ للمطالبة بقانون حد أدنى للأجور، دفع شباباً متطلعين لتغيير الأوضاع للنظر للدعوة واعتبارها مناسبة للحشد والتعبئة ضد النظام، وفق بيانات وتصريحات وقتها.
وبدأت دعوة هؤلاء الشباب على الإنترنت لإضراب عام في اليوم ذاته ضد الغلاء والفساد، الذي عدّ بعد ذلك أول عصيان مدني شامل ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك (أطاحت به ثورة شعبية في يناير 2011 بعد نحو 30 عاماً من بقائه في الحكم).
ومع ميلاد الإضراب تجاوب معه مصريون ما لبثوا أن انفجروا هاتفين ضد ارتفاع الأسعار والفقر والبطالة، محطمين صورا لمبارك في مدينة المحلة، في مشهد مفاجئ وغير مسبوق بدراما السياسة المصرية المملة آنذاك.
ومن وقتها برز اسم شباب 6 أبريل كحركة ضغط ألقت العديد من الأحجار في مياه السياسة الراكدة لتثير فيها دوامات تعاظمت حتى وصلت إلى فيضان ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بمبارك.
لكن نشاط الحركة في السنوات الماضية خمد وباتت رقماً تم تحييده في معادلة السياسة المصرية، بعد أن حظرت محكمة مصرية نشاطها وقضت بمصادرة مقارها قبل ثلاثة أعوام، وتواصلت المطاردات لأعضائها لتحل عليها الذكرى التاسعة لانطلاقها في صمت لم تعتد عليه.
6 أبريل.. الماضي والحاضر
وبالعودة إلى أبرز مشاهد نشاط الحركة الشبابية الأبرز بمصر، وفق رصد مراسلة الأناضول، فحركة "6 أبريل" شاركت قبيل ثورة يناير 2011 مع ظهور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، في جمع توقيعات على بيان يطالب بالتغيير.
ومع تسارع وتيرة الأحداث مع مقتل الشاب "خالد سعيد" بالإسكندرية (شمال)، في صيف 2010على يد الأمن بدعوى تعاطيه المخدرات، ازداد نشاط الحركة وفعاليتها إلى أن اندلعت الثورة.
وظلت "6 أبريل" في صدارة المشهد بعد تنحي مبارك وعارضت المجلس العسكري الحاكم (11 فبراير 2011: 30 يونيو 2012)، واعتبرته امتدادًا لنظام مبارك، ورفعت شعار "يسقط حكم العسكر"، وشاركت في الكثير في التظاهرات الرافضة له.
ولاحقتها وقتها اتهامات بـ"العمالة" و"الخيانة"، غير أن انشقاقاً كبيراً حلّ على الحركة بعد 3 أعوام من ازدهار نشاطها في أبريل 2011، بعد أن ظهر تباين وجهات النظر داخلها، وخروج 500 عضو منها، ليشكلوا جبهة أخرى بعيداً عن قائدها أحمد ماهر أطلقوا عليها "6 إبريل - الجبهة الديمقراطية".
وفي جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة 2012 تزايدت الخلافات بين الجبهتين، بعد أن أعلن أحمد ماهر دعمه لـ محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين وقتها، فانشقت عنه مجموعة أخرى اتفقت مع الجبهة الديمقراطية على مقاطعة الانتخابات.
دعمت جبهة "ماهر" مرسي في الأسابيع الأولى من حكمه، وشارك كعضو في الجمعية التأسيسية للدستور التي انطلق عملها في يونيو 2012، قبل أن ينشب خلاف بين الحركة والإخوان بسبب تعديلات دستورية أجراها الرئيس الأسبق نهاية نوفمبر من العام ذاته.
في الشهر ذاته دعت الحركة إلى تظاهرات ضد مرسي أمام قصر الاتحادية الرئاسي (شرقي القاهرة)، وإلى اعتصام في ديسمبر من العام ذاته، رفضا للتعديلات الدستورية، عدّ بعد ذلك بداية النهاية لحكم الإخوان.
وعقب تأسيس حركة تمرد (ساهمت بشكل كبير في الإطاحة بمرسي) في23 أبريل 2013، دعت 6 أبريل بجبهتيها للخروج على مرسي في 30 يونيو من العام ذاته، وأعلنت في وقت لاحق تجميعها مليون توقيع سلمتها لحركة تمرد، تطالب بإسقاط مرسي.
وفي 3 يوليو 2013 أيدت "6 أبريل" قرارات خارطة الطريق التي أعلنها وزير الدفاع آنذاك الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وكان على رأسها عزل مرسي.
إلا أنها في 22 ديسمبر 2013 أعلنت رسميا رفضها لتلك الخارطة، وعارضت قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس السابق المؤقت عدلي منصور في نوفمبر 2013، ودعت إلى تظاهرات في ذكرى ثورة يناير 2014.
ورغم أن "6 أبريل" كانت من أبرز الداعمين لمظاهرات 30 يونيو 2013 المعارضة لمرسي إلا أنه عقب الإطاحة به قضت محكمة مصرية في ديسمبر 2013 بمعاقبة أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل بالحبس لمدة 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه (2700 دولار)، إثر إدانته بالتظاهر بدون ترخيص، وفقا لنصوص "قانون التظاهر".
وفي يناير الماضي أطلق سراح ماهر بعد قضاء مدة حبسه، مع المراقبة الشرطية لمدة 3 سنوات.
ومنذ رفض الخارطة وخطوات ترشيح وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي ثم نجاحه رئيسا، دخلت الحركة في دوامة، تراجع نشاطها وأصابها الجمود، وفق مراقبين.
وتزايدت اتهامات تواجه الحركة بالتآمر على البلاد لتخريبها والتحالف مع جماعة الإخوان التي يعتبرها النظام "إرهابية" منذ 2013.
وتزايد الحصار على الحركة بعد قرار محكمة مصرية في 28 أبريل عام 2014 باعتبارها جماعة محظورة، ومصادرة أنشطتها ومقراتها وممتلكاتها، وجاء في حيثيات الحكم أن "الحركة تعمل لصالح جهات أجنبية وتستقوى بأمريكا ضد مصلحة الوطن وتهدد الأمن والسلم العام".
والحركة التي اعتادت الاحتفال بذكراها سنوياً بفعاليات مختلفة في الميادين والشوارع الرئيسية في سنواتها الأولى، تحدت السلطات في 2015 باحتفال محدود في صحراء مدينة 6 أكتوبر (غربي القاهرة)، إثر تضييق أمني كبير فُرض عليها وقتها وما يزال.
وبينما أعلنت "الجبهة الديمقراطية" عدم الاحتفال بالذكرى التاسعة لتأسيس الحركة، من المنتظر أن تنظم جبهة أحمد ماهر مؤتمراً صحفياً اليوم الخميس بمقر حزب الدستور بالقاهرة، حيث الوضع الأمني الراهن في مصر لا يسمح بتنظيم الفعاليات الثورية مجدداً، وفق حديث مصدر بالحركة للأناضول.
6 أبريل.. المستقبل
بعد 9 سنوات من التأسيس وصف شريف الروبي، المتحدث باسم حركة 6 أبريل (الجبهة الديمقراطية)، نشاط الحركة بـ"المحدود"، مرجعا ذلك إلى "قبضة أمنية لم تعد تسمح بوجود أي فصيل ثوري سياسي بنفس قوته".
وقال الروبي، في تصريحات لوكالة الأناضول، إن "6 أبريل تواجه نفس المصير من كل الأنظمة المتعاقبة على مدار 9 سنوات، بسبب رؤيتها في تغيير الدولة المصرية والسعي إلى تحقيق العدالة والمطالبة برئيس مدني منتخب بانتخابات حرة، إلا أن هجوم النظام الحالي على الحركة أشّد".
وأوضح أن "النظام الحالي يحارب الحركة عن طريق شنّ هجوم إعلامي يطرح تهم الخيانة والعمالة، والتضييق الأمني والاقتصادي على عدد من الأعضاء والقيادات، إلى جانب إلهاء الشعب بارتفاع الأسعار عن الحراك الثوري".
حكم حظر الحركة لم يعدّه الروبي السبب وراء تحجيم نشاطها، بل "حالة الفقر والكراهية التي خلقها النظام الحالي بين طوائف الشعب، التي جعلت كل من يعارض السيسي تم تصنيفه إما خائنا عميلا أو إخوانيا وإرهابيا".
وعن إمكانية استعادة الحركة الشبابية لنشاطها بعد آلامها التي تشبه آلام الموت، أكد عضوها البارز أنها "لاتزال محملة بالأمل والحلم في البعث الجديد والتغيير، وتسعى إلى بناء أرضية شعبية من جديد، وحراك ثوري شعبي ولكن ذلك مشروط بأوضاع ثقافية وفكرية في المجتمع المصري مناسبة لذلك".