بعد 1097 يومًا «حبس احتياطي»..
يا أطفال الشوارع.. آية حجازي على الأسفلت
بينما يلتف الجميع حول القفص الحديدي، كل منهم يريد أن يحظى بعناق تأخر طويلا، يحتضن محمد حسنين زوجته آية حجازي التي تضم يديها الصغيرتين إلى قلبها الذي لا يسع فرحة الحبيبين بعدما أنهى القاضي اليوم عذابات ثلاث سنوات "1097 يومًا" خلف أسوار السجن.
بعد أيام طويلة من الانتظار ظنها الحبيبان بلا نهاية -عقب إلقاء القبض عليهما و6 آخرين من مؤسسي جمعية بلادي في مطلع مايو 2014 – حولت البراءة التي دوى صداها في محكمة عابدين المشاعر المتداخلة بين حزن وخوف وألم وأمل إلى فرحة غمرت القلوب المترقبة.
أصواتهما، التي اختنقت بفعل الحبس لنحو 3 سنوات، تعالت اليوم بأنشودتهما المفضلة «قولناها زمان للمستبد الحرية جاية لابد.. حرية.. حرية.. حرية» مرحبين بعودتهم مجددا إلى الشوارع التي عاشوا فيها أياما كانوا يملؤنها بهجة مع أطفال تقطعت بهم السبل.
قبل 6 سنوات، بعد ثورة 25 يناير مباشرة، عادت آية التي تحمل الجنسية الأمريكية إلى القاهرة حاملة أحلامها في مشروع تنموي تصنع به واقعا أجمل لأطفال وجدوا أنفسهم في الشارع بلا مأوى، حتى أنها آثرتهم على نفسها حين قررت ألا تقيم حفلا لزفافها لتوفير الأموال من أجل رعايتهم.
آية ومحمد اللذان جمعهما ميدان التحرير ومساعدة الأطفال المشردين دشنوا جمعية بلادي في 2013 ليغرسوا الأمل ويمحون الذكريات الأليمة من نفوس الصغار، لكن بين يوم وليلة تحول الحلم الجميل إلى كابوس، إذ وجد الشبان أنفسهم متهمين بالإتجار في البشر واستغلال الأطفال جنسيا وتحريضهم ضد النظام.
“تربينا على أن الوطن أهم من أي شئ، فكيف نخونه؟، أشكر زوجتي، التي لم تطلب التمسك بجنسيتها الثانية الأمريكية، رغم كل ما تعرضت له من إهانة وظلم"، رسالة محمد لآية في السجن لخصت دهشتهما وصمودهما أمام معركة فرضت نفسها عليهم.
تمسكت آية بالأمل في أشهر سجنها الأولى، مؤمنة بعدالة قضيتها، تمحو أمية السجينات وتتعلم الإسبانية لكن ليالي السجن الطويلة دون مبرر جعلتها تناشد الجميع: «لا تتركونا هنا في السجون وتنسونا، ولا تجعلونا نفقد الأمل في العدل والإنسانية».
نداءات الشابة العشرينية وصلت إلى الخارجية الأمريكية التي ناشدت القاهرة أكثر من مرة خلال الأعوام الثلاثة الإفراج عنها، إذ التقت سامانثا باور مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة بعائلة حجازي في سبتمبر الماضي، وكذلك ناشد البيت الأبيض السلطات المصرية الإفراج عن آية حجازي.
معاناة آية وزوجها وزملائهما في الحبس الاحتياطي جعلت مركز روبرت كيندي لحقوق الإنسان الأمريكي يتقدم في 19 مايو 2016 للفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي بالأمم المتحدة بمذكرة بخصوص وضعهم في السجن.
واهتمت وسائل الإعلام الغربية بالقضية، وكان الإفراج عن آية حجازي محور سؤال قناة فوكس نيوز للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في 6 أبريل الجاري، حيث أكد حينها أنه لا يمكنه التدخل في قضية آية.
في تلك الأيام بالغة السوء، لم ينس محمد مناسبة أحبتها آية، إلا وأهداها باقة ورد حتى لو منعها السجان، فسيحكي لها في رسائله الإسبوعية التي يتبادلانها عبر الأهل عن لياليه الطويلة التي لا يبدد وحشتها سوى ملامح وجهها الطفولي في مخيلته.
"وددت أن اكون قد أهديتك رسمتنا لعيد ميلاد أو زواج، وليس كوسيلة مواساة لزوجين فرقتهم الزنازين، ولكن كل ذلك لا يهم لأنك حبيبي دائما في كل وقت ومكان". هكذا حرصت آية، التي لم تعش مع زوجها سوى 400 يوم فقط، على التخفيف عن محمد بهدايا مبدعة صنعتها من خامات متواضعة، كما حرصت أيضا على مواساته برسائل نافست هداياها في الجمال.
أيام قليلة، وربما ساعات تفصل الزوجين عن السير سويا بلا أصفاد، في شوارع القاهرة التي ملأوها بالبهجة والحب يوما، أيضا بلا سجان يراقب كل نظرة وكلمة وهمسة يأمر ويتحكم فيهما، يقابلان الأصدقاء والأهل الذين ظلوا منتظرين سنوات على أبواب السجون، ويلتقطون صورة جماعية لفرحتهم.