الاشتراكيون "المتمرّدون".. أجنحة منفصلة تحلّق نحو انتخابات اليسار الفرنسي
"المتمرّدون"؛ هكذا يطلَق على عدد من نواب الحزب الاشتراكي الفرنسي في برلمان البلاد.
شَقٌ فجّر، منذ صعود الاشتراكي فرانسوا أولاند، إلى الحكم في 2012، جدلاً واسعاً في المشهد السياسي الفرنسي، وكان لابدّ وأن يزيد من منسوب التوتّر داخل الحزب الاشتراكي، ويعمّق من عجزه على التوصّل إلى اتفاق بشأن مرشّح موحّد للانتخابات التمهيدية لليسار لاختيار مرشّح لانتخابات الرئاسة المقرّرة ربيع العام 2017.
"انشقاق" بدأت ملامحه منذ العام الأوّل لخماسية أولاند، حين دعا النوّاب "المتمرّدون" إلى التعبئة، احتجاجاً على قانون الإعفاء الضريبي على القدرة التنافسية والتوظيف، والذي اعتمدته الحكومة دون سابق إنذار في 2012.
وبداية العام الجاري، انتفض هؤلاء النواب بالجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان) البالغ عددهم نحو 50 نائبا، والمنتمين للجناح الأيسر للحزب الاشتراكي، ضدّ قانون العمل الجديد في البلاد.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما بلغ حدّ تقديم عريضة، في مناسبتين، وتحديدا في مايو ثم في يوليو الماضيين، لسحب الثقة من الحكومة، غير أنّ فشلهم في حشد أصوات النواب الـ 58 اللازمين، أفضى إلى عدم قبول العريضة.
ولئن بدا "المتمرّدون" في شكل جبهة موحّدة تقريبا طوال السنوات الخمس لولاية أولاند ضدّ سياسة الأخير التي يصفونها بـ "الاجتماعية- الليبرالية"، إلا أنهم ينطلقون اليوم، في شكل "أجنحة منفصلة" نحو الحملة الانتخابية تمهيدا للاستحقاق الرئاسي القادم، وفق مراقبين للشأن الفرنسي.
ففي الوقت الذي فتح فيه، أمس الأول الخميس، باب الترشّحات للانتخابات التمهيدية لليسار، لمدة 15 يوما، لم يتمكّنوا حتى الآن من الاتفاق على دعم مرشّح موحّد.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن "المتمرّدين" لا يزالون منقسمين حول دعم وزير التعليم السابق، بنوا هامون، ووزير الاقتصاد السابق آرنو مونتبورغ، والنائبة في مجلس الشيوخ ماري نويل لينمان، المتنافسين على الحصول على دعم الحزب الاشتراكي للترشح إلى السباق الرئاسي المقرر في جولته الأولى في 23 أبريل، والثانية في 7 مايو المقبلين.
والأربعاء الماضي، حصل مونتبورغ على دعم زعيم "المتمرّدين" كريستيان بول.
بول؛ النائب بالجمعية الوطنية عن إقليم "نيافر" وسط البلاد، قال في بيان إن "محصّلة الخماسية لا تسمح بتوحّد اليساريين والخضر حول رئيس للجمهورية".
وخلص إلى أنه "ولهذا السبب، ينبغي علينا أن نعطي دفعا جماعيا لمرشّح يعرف جيدا، عبر مشروعه، كيف يجمعنا دون التخلّي عن مثلنا العليا أو الاستسلام للديماغوجية؟".
دعمٌ كان منتظرا غير أنه لم يرق حتما لمعسكر هامون. ففي الـ 18 من نوفمبر الماضي، كشف وزير التعليم السابق عن لائحة تضم 19 برلمانيا ممن قرروا دعمه، أبرزهم باسكال شيركي (عن إقليم باريس)، وريجيس جوانيكو (عن إقليم لوار)، وماثيو هانوتان (سانت دوني).
وبحسب الشروط التنظيمية التي يفرضها اليسار الفرنسي، فإنّه يتعيّن على المرشح الأخذ بعين الاعتبار شروط المشاركة، أبرزها الحصول على توقيعات 5 % من النواب الاشتركيين، أو توقيعات 5 % من الأعضاء الدائمين في المجلس الوطني للحزب، أو توقيعات 5 % من رؤساء البلديات التي يتجاوز تعداد سكانها 10 آلاف نسمة، ويشترط أن تكون موزّعة على 10 أقاليم.
معسكر هامون يؤكّد أن "غالبية النواب الموقّعين على العريضة الأولى لسحب الثقة من حكومة أولاند معنا"، في إشارة إلى مؤتمر "بواتييه" غربي فرنسا، والذي عقده الاشتراكيون في يونيو 2015، لتحديد الخطوط العريضة لمسار الحزب عقب خيبته في الإنتخابات البلدية.
ومع أن أولاند، أعلن، أمس الأول الخميس، عدم ترشّحه لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة ربيع 2017، إلا أن انسحابه لم يزد المشهد لدى "المتمرّدين" الاشتراكيين إلا غموضا وارتباكا يمنحان المراقبين قناعة بأن الطريق إلى الانتخابات التمهيدية لليسار ومنها إلى الرئاسية، ستكون ضبابية إلى أبعد الحدود.
أحد المطّلعين على خفايا هذا الجناح، شبّه المتمرّدين في طريقهم نحو الاقتراع التمهيدي بأسراب الطيور وهي تحلّق منفصلة فوق حقل أنهى أصحابه للتوّ حرثه.
"لقد شكّلوا معارضة للتمشي الليبرالي للحكومة"، يتابع المصدر نفسه، غير أن تحالفهم لفترة ما لم يكن إلا ظرفيا، ومن غير الطبيعي أن لا يتوصّلوا حتى للإتفاق على مرشّح واحد".
مدّ وجزر يدفعان بمركب "المتمرّدين" إلى كل الاتجاهات، ويفجّر في صفوفهم قلقا من الحرب المستعرة بين هامون ومونتبورغ، ومن تداعياتها المحتملة بحلول الـ 29 من يناير القادم، موعد الدور الثاني للانتخابات التمهيدية لليسار.
لوران بوميل، النائب عن "أندر ولوار" وسط فرنسا، وهو من الذين أعلنوا تأييدهم لوزير الاقتصاد السابق، قال محذّرا في تصريحات صحفية: "يمكن أن نختلف، غير أن اختلافنا يظلّ ثانويا مقارنة بالمعارضين لسياسة فرانسوا أولاند ومانويل فالس".
وأضاف أن "المهمّ هو أن نظلّ متّحدين للدور الثاني، ولا ينبغي نسيان ذلك".
أما النائبة بمجلس الشيوخ عن إقليم باريس، ماري نويل لينمان، فشدّدت على أن "سياستنا للانتخابات التمهيدية ينبغي أن ترتكز على ضرورة بذل ما في وسعنا من أجل أن يصل مرشح اليسار من الحزب الاشتراكي إلى الدور الثاني".
وأضافت في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام: "من الصيف (الماضي) وأنا أدعو هامون ومونتبورغ: فلنلتقي.. فلنلتقي.. فلنتلتقي !".
دعوة يقدّر عدد من المراقبين للشأن السياسي في فرنسا أنه من الصعب أن تجد آذانا صاغية، ليس في الوقت الراهن على الأقلّ.