خاطرة الجزء الخامس والعشرين

الحساب الجماعي للأمم يوم القيامة.. كيف هو وما دلالته

كتب:

فى: أخبار رمضان

13:34 19 يونيو 2017

"ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" (الجاثية: 27 – 29)


هذا مشهد من مشاهد القيامة، وتالله إنه لحق، وما هو بالهزل.


فيه يقرر المولى سبحانه ألا فوز يومئذ إلا لأهل الحق، أما المبطلون فالخسار والبوار، ولا يظلم ربك أحدا.


واللافت في هذه الآيات هو مشهد الجماعية والأممية في الحشر وفي الحساب وفي الخطاب، فـ"ترى كل أمة جاثية"، الأمة بأكملها، ليست أفرادا، بل مجتمعة منكبة على ركبها وأناملها.


الأمة كلها؟ نعم

برها وفاجرها؟ نعم


وتالله إنه لمشهد مهيب، وإنه لبلاء عصيب أن يرتبط البر والفاجر في أرض المحشر في مشهد للحساب الجماعي.


إن إثبات هذا المشهد في القرآن لهو أبلغ رد على من يقولون: دع ما لقيصر لقيصر، ويقولون: ما لنا وللناس فحسابهم على الله.


وينسى هؤلاء ذلك اليوم العصيب التي تحشر فيه الأمة حشرا، تحشر كيانا واحدا، تسأل وتحاسب دفعة واحدة، فماذا لو كثر فجارها وساءت علانيتها وعلا طغيانها؟ ماذا إن قل مجاهدوها واستخفى صالحوها إيثارا لسلامة دنياهم غافلين عن السلامة الأبدية في دار الخلود.


كيف يكون عندئذ الموقف؟ وهل من كفيل للنجاة؟


إن الموقف يحتاج من الآن لمفاصلة، مفاصلة واضحة يُجهر فيها بالحق، ويتبرأ الصادقون من أهل الزيغ والضلال، معلنين المفارقة والعداوة لكل مبطل دون مواءمات ولا حسابات، حتى إذا ما كان يوم القيامة وسيقت الأمة دفعة واحدة فلعله أن يكون لأهل الصلاح قول عند ربهم.


قال تعالى "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده".


فلعل هؤلاء يؤملون النجاة بما أظهروا الحزم في البراءة من باطل الدنيا.


وبعد الجثو يكون الحساب، "كل أمة تدعى إلى كتابها"، كتابها الذي أملاه حفظتها، أو كتابها الذي أنزل إليها وكلفت في الدنيا باتباع حلاله وحرامه، والقول الأول أقرب إلى سياق وملابسات الموقف، ويدل عليه قول الله تعالى بعدها "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، والله تعالى أعلى وأعلم.


وهل هناك كتاب جامع محص لأعمال كل أمة كأمة، غير ذلك الكتاب الذي يحصي على الأفراد أعمالهم؟.. هذا ما يبدو.


فالدعوة للأمة كلها إلى كتاب ينطق عليها بأعمالها، قد استنسخ بأمر من الملك سبحانه، وفي سورة المؤمنون معنى قريب من هذا، فيقول ربنا سبحانه "ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون".

 

وتالله إنه لعبء على الصالحين يضاف إلى أعباء تكلفهم نجاةَ أنفسِهم أن يتحملوا تكلفة نجاة أمتهم في هذا الموقف العصيب.


وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جانب آخر من الصورة، وتكميل لمشهد الحساب.


فبعد أن تساق الأمم، كل أمة مجتمعة جاثية، وبعد أن يأتيها صوت الحق "اليوم تجزون ما كنتم تعملون"، وبعد أن تدعى للاحتكام إلى كتابها الذي ينطق عليها بما عملت، بعد هذا كله يبرز إلى العيان الآلهة التي كانت تعبد في الدنيا، من أوثان أو حيوان أو غيرها، ثم يأتي الأمر إلى الأمم أن تتبع كل أمة الإله الذي كانت تعبد في الدنيا.


يقول صلى الله عليه وسلم "يمثل لكل أمة يوم القيامة ما كانت تعبد من حجر أو وثن أو خشبة أو دابة ثم يقال: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فتكون تلك الأوثان قادة إلى النار حتى تقذفهم فيها".


ثم يصف رسول الله حال أمة الإسلام وحال أهل الكتاب فيقول:


"فتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله وعزيرا، إلا قليلا منهم، فيقال لهم: أما عزير فليس منكم ولستم منه، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فينطلقون ولا يستطيعون مكوثا، ثم يدعى بالنصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله والمسيح، إلا قليلا منهم، فيقال: أما عيسى فليس منكم ولستم منه، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فينطلقون ولا يستطيعون مكوثا، وتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها منافقوها، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله وحده، وإنما فارقنا هؤلاء في الدنيا مخافة يومنا هذا، فيؤذن للمؤمنين في السجود، فيسجد المؤمنون، وبين كل مؤمنين منافق، فيقسو ظهر المنافق عن السجود، ويجعل الله سجود المؤمنين على المنافقين توبيخا وصغارا وحسرة وندامة".


وفي هذا المعنى أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة أحاديث مرفوعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


نسأل الله تعالى أن يشرفنا بأن يقبلنا في أهل السجود لجلاله وكماله سبحانه.
 

اعلان