خاطرة الجزء الرابع والعشرين

في ليلة القدر.. طلب العفو مقدم على طلب القبول!

كتب:

فى: أخبار رمضان

13:55 18 يونيو 2017

قال تعالى في مطلع سورة فصلت "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين" (سورة فصلت: آية 6).


وفي الآية تقرير، وأمر مترتب عليه.. أما التقرير فهو وحدانية الله تعالى وأنه لا إله إلا هو، وأن محمد عبده رسوله.


وأما الأمر المترتب فهو الأمر بالاستقامة إليه سبحانه وتعالى..فكيف يستقيم الإنسان إلى ربه عز وجل، وهل يستطيع ذلك؟


إن الاستقامة لله تعالى كما يليق بجلاله أمر يكاد يكون في عداد المحال على عبد ضعيف من بني آدم.


حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بها صراحة أمرا شخصيا شعر بالشيب من شدة الخوف، فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "شيبتني هود وأخواتها" (رواه الطبراني والترمذي والقرطبي في تفسيره).


وذكر القرطبي أن الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم من سورة هود هو قوله تعالى "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ".


وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه.


ذلك أن الاستقامة كما ينبغي ويليق بجلال المولى سبحانه أمر ليس من السهولة بمكان.


وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "استقيموا ولن تحصوا" دلالة على صعوبة الأمر وعدم إحاطة المؤمن به (الحديث أخرجه أصحاب السنن والحاكم في المستدرك عن ثوبان).


ولذلك نجد المولى سبحانه في الآية يقرن الأمر بالاستقامة بالأمر بالاستغفار، فيقول "فاستقيموا إليه واستغفروه"، والمعنى، والله أعلم: آمركم بالاستقامة إليّ، ولأنكم لن تقدروني حق قدري فعوضوا قصوركم بطلب العفو مني والاستغفار إلى جنابي.


إذن فالاستغفار في حقيقة الأمر يطلب من المؤمن الساعي في الاستقامة، لأنه لن يستطيع القيام بحق الله تعالى، فما بالنا بصاحب المعصية، كيف تكون حاجته إلا الاستغفار؟!


ولو تأملنا وصية النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة حين سألته بم تدعو إن علمت ليلة القدر فقال لها "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (رواه الحاكم في المستدرك، ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه).


فقدم طلب العفو على طلب قبول الطاعة والقيام والصيام، تأدبا مع الله تعالى وإجلالا لمقامه أن يظن العبد أنه بطاعته هذه قدم شيئا جديرا لله عز وجل.


إن ترك الاستغفار وطلب العفو لا يكون إلا من جاهل أو غافل.


والجاهل قد يكون من أهل المعصية فيترك الاستغفار يأسا وقنوطا أو غرورا.. وقد يكون من أهل الطاعة في الظاهر لكنه لا يعيش حقيقة الطاعة التي تورث المعرفة والخشية، فتراه معتمدا على طاعته مغترا بها وكأنه يُدِلّ على الله تعالى بها.


وفي الحديث "أن رجلا عبد الله تعالى على رأس جبل وقد أنبت الله له شجرة رمان تؤتيه كل يوم رزقه فيأكله، وفجر له عين ماء يشرب منها، وظل على هذا خمسمائة عام، فدعا الله أن يموت ساجدا فاستجاب له، فلما كان يوم القيامة قال الله أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال العبد أي رب بعملي، فوزن عمله أمام النعم فرجحت نعمة البصر وحدها وكان باقي الجسد زيادة، فقال الله خذوا عبدي إلى النار بعدلي، فصرخ العبد قال أي رب برحمتك" (أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان، وضعفه الألباني).


أما المؤمن الحق فإنه يستغفر لأنه يدرك قصور نفسه عن مكافأة ربه سبحانه، ويدرك صفة ربه ذي الجلال، فهو يتقلب إذن بين خوف ورجاء، وتواضع وطمع.

وإذا تأملنا دعاء سيد الاستغفار أدركنا تلك الحقيقة، وعلمنا السبيل الأقوم للوصول لعفو الله عز وجل ورحمته.


ففي الحديث "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" (رواه البخاري وغيره عن شداد بن أوس).


وفي الحديث "قال الله أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (متفق عليه عن أبي هريرة).


فالله تعالى يحب هذه الحالة من عبده، فكأنه يقول علم عبدي أن آخذه بذنبه إن شئت فخافني، وعلم أن أعفو عنه إن شئت فرجاني".


وهكذا المؤمن يتقلب بين خوف ورجاء واضطراب وطمع.
 

اعلان