خاطرة الجزء الثالث عشر
تعرف على خطبة إبليس في أهل النار
آيتان في سورة إبراهيم صادمتان لكثير من البشر الذين تنازلوا عن كرامتهم التي منحهم الله إياها في سبيل باطل ربما لا يجنون منه إلا لقمة خبز في مذلة وهوان.
في هذه الآيات لا يدع الله تعالى عذرا لمعتذر من أهل الضلال، ليس المستكبرين فقط، بل حتى هؤلاء الذين يظنون أنفسهم مساكين لا حيلة لهم ويقولون نحن عبيد المأمور ولا علاقة لنا بشيء ولا يهمنا إلا لقمة العيش.
قال تعالى "وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم" (سورة إبراهيم: 21 – 22).
إن الله تعالى يحذر هؤلاء (المساكين) من مصير الطغاة والمستكبرين إن هم اتبعوهم طمعا في حياة هادئة ناعمة.
ويكفيهم ذنبا أنهم حَطّوا من أقدارهم كبشر حر له ذاتيته وشخصيته ونزلوا لدرجة عبيد تابعين بإرادتهم.
ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يعيش أحدنا إمعة فقال "لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا".
(الحديث رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه، وضعفه الألباني، لكن يقويه معناه المستقيم مع مبادئ الإسلام، وأنه روي موقوفا على ابن مسعود بسند صحيح).
وهذا الحديث يحمل كل إنسان مسؤولية نفسه، وأنه لا حجة له في فساد الناس، فلا يصح أن يعتذر به لفساده الشخصي.
والآية الأولى ترد بقوة على كل من اتبع ظالما وحجته أنني عبد المأمور وأنني ضعيف، وتخبرهم بما سيجيب به هؤلاء المستكبرون يوم القيامة حين يقول الضعفاء لهم "إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء" فيقولون "لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص".
وتأتي الآية الثانية لتقطع بالدلالة على تبرؤ كل متبوع ممن اتبعه، حتى إن الشيطان أصل الشرور في الحياة الدنيا بإجماع البشر سيتبرأ ممن تبعوه ويقف خطيبا في أهل النار كما وصف الله تعالى فقال "وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل".
وهنا يسقط في يد كل ضال ويعلم عندئذ أنه كان إنسانا محترما صاحب رأي واستقلال، ولكنه فرط في هذا التكريم الإلهي بضعفه وجبنه وإيثاره الحياة الدنيا ولو كانت حياة مهينة.
وتالله إن هذا لهو عين العدل وما ربك بظلام للعبيد.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أكرمهم في الدنيا والآخرة.