خاطرة الجزء الثاني عشر

«واستبقا الباب».. لماذا تسابقه وقد أحكمت الغلق بنفسها؟!

كتب:

فى: أخبار رمضان

12:18 07 يونيو 2017

يقول الله سبحانه وتعالى في وصف مشهد من مشاهد قصة يوسف عليه السلام "واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم" (يوسف: 25).


والآية تصف مشهد فرار يوسف من امرأة العزيز حين دعته للفاحشة، ولحاقها به وجذبها إياه من قميصه لتمنعه من الوصول إلى الباب.


ذلك مع أن امرأة العزيز –كما صرحت الآيات من قبل هذه الآية– غلّقت الأبواب وهو لفظ يدل على إحكام الغلق، ويوسف يعلم هذا لأنه رآه بعينه، وهي تعلم هذا لأنه من نفذته بنفسها.


لذلك يثور في النفس التساؤل عن سبب استباقهما الباب والحال كما وصفنا.


أما السؤال الأول: لماذا يجري يوسف نحو باب مغلق؟


وفي سبب ذلك احتمالان والله تعالى أعلى وأعلم:

الأول أن الله أخبره أنه سيفتح أمامه، ويكون ذلك وحيا معدودا من المعجزات.


الثاني أنه لم يكن وحي، لكن يوسف في داخله إيمان ويقين بالله تعالى أنه سيجعل له مخرجا من هذه الفتنة وهو يجري نحو الباب أملا أن يدركه هذا الفرج من ربه.


وأما السؤال الثاني: لماذا تجري هي خلف باب أغلقته بيدها؟


أقول لأنها قلقة مضطربة، ولا معنى لجريها نحو الباب إلا هذا، حتى إنها لم تثق في باب غلقته بيديها، وهي تعلم في قرارة نفسها أنها مخطئة وأن يوسف محق.


ولا أظن أن هناك ظالما إلا وفي أعماقه يقين بأن النهاية ليست له، وما يسعى سعيه إلا ليؤخر هذه النهاية قدر ما يستطيع، أملا في طول أمد متاع الدنيا التي يسعى خلفها.


لذلك فالظالم يصيبه الرعب من أي حركة للحق في مجاهدته، ولقد صدق الله تعالى حين وصفهم فقال "يحسبون كل صيحة عليهم"، وذكر سبحانه تعالى قول فرعون عن موسى والمؤمنين معه "إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون".


ومن هنا نعلم أن للباطل والحق منطلقين مختلفان.. فمنطلق الباطل ومنطلق الحق ينبعان من موارد متباينة تماما، الحق ينطلق من إيمانه ويقينه في نصر الله له، والباطل ينطلق من قلقه واضطرابه أن تدور الدائرة عليه.


وكما أن المنطلق مختلف كذلك فالغايات مختلفة، فغاية الباطل هي الحفاظ على مكاسبه الدنيوية فهو يخشى زوالها في أي لحظة، أما الحق فغايته رضا الله تعالى ونيل الثواب.


ولذلك يقول سبحانه موصيا المؤمنين ألا يكلوا ولا تخور عزائمهم فإنهم وإن تعبوا في مواجهة الضلال فإن لهم غايات لا يليق معها القعود أو الهوان، فيقول "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".
 

اعلان