سمير حشيش يكتب:
حديث "لا يقتل مسلم بكافر".. هل يبرئ مفجر الكنيسة؟
"لا يقتل مسلم بكافر" - حديث صحيح متفق عليه - أخرجه البخاري ومسلم وجميع أصحاب السنن، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو جزء من حديث طويل.
وأحب أن أبين أن كلامي هنا للصادقين في طلب الفهم الصحيح للحديث، أما من أراد الجدال للجدال فلا مجال للتلاقي بيننا.. وإنني أسوق الشبهة أولا ثم أعقب عليها بالجواب الذي أسأل الله أن يكون شافيا هاديا لمن طلب الحق.
الشبهة
اتخذ بعض الناس هذا الحديث تكئة وسببا للطعن في صحيح البخاري قائلا: (لو صح هذا الحديث يبقى اللي فجر الكنيسة غير مدان واللي عمله صحيح)- هذه مقدمته التي بنى عليها.
وهو بهذا يريد بهذا أن يجبرنا على أحد القولين: إما رفض الحديث والطعن في صحته، وإما وصم الإسلام بالهمجية والعنصرية حيث إنه يصحح قتل الذمي غير المحارب اعتداء دون مبرر- هذه هي النتيجة التي يريدها.
وبالطبع اتهام صحيح البخاري أهون عند الجماهير من الطعن في الإسلام نفسه.
والجواب:
1- إن المقدمة التي بنى عليها هذا القائل قوله خاطئة وفيها تجنٍ واضح، أو على الأقل فيها فهم غير صحيح.
فليس معنى الحديث أن قاتل الذمي اعتداء غير مدان أو أن فعله صحيح
بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفا" –رواه البخاري وغيره من أصحاب السنن– والذمي له عهد أوثق من المعاهد المؤقت.
ومعنى الحديث الثاني "من قتل معاهدا... الخ" أن الله تعالى قد يعاقبه في الآخرة بحرمانه من الجنة، لأنه أزهق نفسا بغير حق، وقتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر عند الله تعالى وهو بعد الشرك.
ومع ذلك فليس لنا أن نعاقبه في الدنيا بالقتل إنما نعاقبه بما دون القتل، فيعاقب المسلم الذي قتل غير مسلم بكل عقوبة يقدرها إمام المسلمين مهما بلغت في القسوة والشدة، إلا القتل، ويغرم القاتل وعاقلته الدية.
هذا هو الفهم المباشر لحديث "لا يقتل مسلم بكافر"، وليس يفهم منه البتة أن قاتل غير المسلم محرم الدم لا يعاقب أو أن فعله صحيح، بل يغرم الدية، ويعاقب بكل زاجر يراه إمام المسلمين، إلا القتل.
2- بناء على هذا الفهم لا يكون في الحديث تأييد أو تصحيح لفعل من فجر الكنيسة، إنما غايته استثناء عقوبة "الإعدام" مع توقيع جميع العقوبات الأخرى التي يقدرها الإمام ومع تغريم الدية.
3- وبما أن المقدمة لا تسلم لقائلها ولا نقره عليها، فإذن لا تسلم له النتيجة، ولا مجال للطعن في صحيح البخاري بناء على هذا الحديث.
خطأ ثان
4- إن القائل برفض الحديث لا أظنه كلف نفسه عناء الاطلاع على رأي سادتنا الفقهاء في هذه المسألة، ولا قرأ خلافهم وتفصيلاتهم فيها، وكيف فهموا الحديث واستنبطوا منه الأحكام مع التوجيه.. فهذا قصور لا يغتفر لمثله، إلا أن يكون قرأ ولم يفهم، أو فهم ثم لبس بالباطل.
وإن سادتنا حصروا قتل المسلم لغير المسلم في صورتين:
أ) فإما أن يقتل المسلم غير مسلم محارب لا عهد له ولا ذمة، فلا يقتل بهذا اتفاقا، لأنه قتل غير معصوم الدم.. وعلى فرض أن لهذا القتيل قرابة في المسلمين فليس لهم أن يطلبوا المسلم بقريبهم هذا لأنه "لا يقتل مسلم بكافر"- وهذا هو التطبيق المتفق عليه للحديث المذكور.
ب) وإما أن يقتل المسلم غير مسلم معاهد مستأمن أو ذمي، وكلاهما معصوم الدم.. وهنا الخلاف بين الفقهاء:
فالشافعية والحنابلة نظروا إلى عموم الآيات والأحاديث التي تقرر فضل المسلم على غير المسلم، مثل قوله تعالى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" وقوله عليه الصلاة والسلام "لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى".
وبناء عليه قالوا يسري هذا الحديث في قتل الذمي والمستأمن، فيعاقب قاتله بكل عقوبة إلا القتل، لأنهما غير متكافِـئَيْ الدم.
وبادٍ لكل منصف أن قولهم هذا ليس تصويبا للقتل ولا تسويغا له، بل استثناء لعقوبة الإعدام فقط.
وهذا الاستثناء في عقوبة القتل على رأيهم لا شيء فيه، وهو معمول به في كل دول العالم.. فهناك وظائف معينة يستثنى أصحابها من بعض العقوبات التي يعاقب بها غيرهم إن فعل نفس الجريمة، وأهل القانون يعرفون هذا جيدا.
وسبب ذلك راجع لاعتبار صفتهم الوظيفية التي تجعلهم لا يعاقبون بما يعاقب به غيرهم، فما الذي يمنع اعتبار أن الإسلام في النفس يمنع من مساواتها بالنفس الكافرة؟.
بل هناك جنسيات معينة لا تتساوى بباقي البشر: فهل يعاقب مواطن أمريكي بالإعدام إن قتل عمدا إنسانا إفريقيا غير أمريكي؟.. بالطبع لا.. فلماذا نقبل أن تعز الجنسية الأمريكية أصحابها ولا نقبل أن يعز الإسلام صاحبه.
وأما أبو حنيفة فقال: يقتل المسلم بهما إن قتلهما عمدا بغير حق، لعموم أدلة القرآن، ومنها قوله تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين...".
ووجه الحديث بأنه مصروف لغير المسلم الذي لا عهد له عند المسلمين ولا ذمة تعصم دمه، خاصة إن كان من قوم محاربين.
وأما مالك ففصل القول، فقال: إن قتل المسلم معاهدا أو ذميا في نزاع لم يقتل به، وإن قتله غيلة -أي غدرا دون أي نزاع- قتل به.
وبناء على رأي الإمامين مالك وأبي حنيفة فإنه يعاقب مفجر الكنيسة بالقتل لأنه قتل غدرا دون أي نزاع سابق.
ونستطيع في كل عصر أن نختار ما يناسبه من أقوال الفقهاء أو أن يجتهد أهل العلم المتخصصون في استنباط أحكام أخرى بحسب معطيات عصرهم، دون الحاجة مطلقا لرفض الحديث.
تخوف
لا أدري ما الذي يضير المشككين في الحديث أن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعاقل بدل أن يرفض النص يسعى لفهمه فهما مستقيما مع صحيح الشرع، فإن عجز لجأ للمتخصصين من ساداتنا المجتهدين قبل أن يخوض فيما يعجز عن الخطو فيه.