"لم شمل العيلة" شعار الأسرة في رمضان
بابتسامة هادئة، تأمل ملامح ولده في الجانب الآخر من مائدة الإفطار وهو يمسك الملعقة بيد وكوب الماء بأخرى ليروي عطشه بين كل ملعقة وأخرى بعد صيام يوم طويل شديد الحر، ليعقب: "إنها عادته دائما منذ أن كان طفلا عندما يكون جائعا، لكنني لم أراقبه يفعلها منذ ما يزيد على أربعة أشهر، فمواعيدنا ومسئولياتنا الأسرية لا تتفق أبدا للاجتماع على الطعام، غير أن رمضان جمع شملنا مرة أخرى".
الحاج إبراهيم عبد العال ليس حالة استثنائية من بين الأسر والعائلات المصرية التي يضربها زلزال السعي خلف لقمة العيش، فلا تجتمع على مائدة طعام لأسابيع وشهور طويلة، إلى أن يأتي رمضان فيتكرم بأن يلتئم شمل الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة من جديد، ليتحلّق الكبير والصغير حولها، وتتلاقى الأعين وتتماس الأيدي.
سعيد بدوره لم ينكر الأثر العميق لهذه اللحظات في نفسه، فيقول بضحكة خجل: "لا ألحظ أشقائي أو أمي خلال الإفطار كما يفعل أبي، أكون منهمكا بالطعام والشراب بعد الصيام خاصة في الحر والتعب.. لكن قبيل الأذان عندما نجتمع كلنا حول المائدة انتظارا للإفطار، يدعو والدي ونردد خلفه آمين.. إنها لحظات رائعة أظل أتذكرها طوال العام، كلما دعوت الله تراءت لي ملامح أمي وهي تؤمن خلف أبي وترددت أصداء صوت أبي الخاشعة وهي تدعو الله.. إنها اللحظات التي أحرص على الإفطار العائلي بسببها".
مصطفى الذي يعمل مهندسا يحرص بشدة على إحضار زوجته وأبنائه إلى الإفطارات العائلية التي تتكرر في رمضان، فيقول: "رغم أنني أسكن في نفس بلدة والدي، لكن المشاغل الحياتية لا تسمح بأوقات سمر واجتماع على الطعام كتلك التي في رمضان، غالبا ما تكون زيارات عابرة، واطمئنان بالمحمول، وكذلك الأبناء منهمكون في الامتحانات والدروس".
ليختتم حديثه قائلا: "رمضان شيء آخر، إنه يقرب أجيال العائلة، وغالبا ما ينتظر صغاري أوقات اللعب مع جدهم بعد الإفطار والشاي".
أما أروى محمد فتركز على شيء آخر، هو أن هذه الإفطارات تقرب بين أبنائها وأولاد خالهم فهي تسكن في حي آخر، وغالبا ما لا يتقابل الأولاد معا إلا في مثل مناسبات رمضان، فتقول: "أحاول أن أقوي روابط صلة الرحم بين أولادي وأقاربهم، بصراحة يكون رمضان ومائدة والدي في رمضان خير وسيلة، أشعر بنهاية الشهر أن أبنائي لن يكونوا مقطوعين عن عائلتهم.. الحمد لله على نعمة هذا الشهر الكريم".
ولم يتحدث سيد على عودة الترابط العائلي والأسري على موائد الإفطار، وإنما تطرق للحديث عن الزيارات العائلية قبل الإفطار وبعده، موضحا: "اعتاد والدي أن يخرج من المسجد بعد صلاة العصر ليقوم بجولة سريعة على منازل أعمامي وعماتي، في غير رمضان لا نكون قد أنهينا أعمالنا بعد في ذلك الوقت".
وتابع: "الأمر ذاته يتكرر بعد الانتهاء من صلاة التراويح.. إنها أجواء رائعة، نزورهم ويزوروننا خلال الشهر أكثر من أي وقت آخر، حتى فروع العائلة البعيدة تتلاقي في ذلك الشهر الكريم، وأرى كثيرا من أقاربي في رمضان ممن لم أرهم طوال العام، أبي يشدد على ضرورة القيام بذلك حتى لا يضيع ثواب صلة الأرحام في هذه الأيام المباركة".
وبابتسامة عذبة لوحت الحاجة النوبية أمينة محمد بتليفونها المحمول قائلة: "إنه لا يكف عن الرنين طوال رمضان والعيد، أقاربنا متناثرون من أسوان حتى الإسكندرية، لا تتاح لنا فرصة لقاء بعضنا بعضا جميعا، لذلك نتواصل عن طريق المحمول، الشباب يتواصلون عن طريق الفيس بوك، لكننا نشعر أن سماع أصوات بعضنا بعضا أكثر دفئا وقربا".