مثقفون: أدب حرب أكتوبر أقل من عظمة الحدث
في مثل هذه الأيام من عام 1973، بدأت حرب أكتوبر المجيدة، تلك الذكرى حملت معها العديد من معاني الانتصار والشجن والوطنية المطلقة، وكانت تلك الأيام هي معركة المصريين الحقيقة من أجل الكرامة والتحرير، والتي كشفت عن معدن حقيقي للتضحية من أجل تراب الوطن.
ورغم أن تلك الأحداث كانت مادة غنية جدًا لأقلام المبدعين والأدباء؛ نظرًا لضخامة أحداثه الدرامية، ونتائجه الاجتماعية والإنسانية والوطنية، إلا أن هناك ندرة واضحة في القصائد والروايات والقصص التي تحدثت عن تلك الملحمة، ولم ينتج "أدب حرب" حقيقي يرتقي إلى عظمة الحدث، وهو ما أكده عدد من الأدباء، وأرجعوه لعدد من الأسباب، ونرصده في هذا التقرير.
والروائي أسامة علام، رأى أن هناك ندرة واضحة في الأعمال الأديبة الساردة لأحداث أكتوبر المجيدة قائلًا: "المصريون هم أكثر الشعوب مسالمة فى العالم، ورغم الحضارة العلمية التى أبتدعها المصريون على مر العصور، لم يعبر المصري حدود بلاده لاحتلال أى شعب آخر، فالمصري شخص يؤثر السلامة دائمًا، كمزارع عظيم ارتبط دائمًا بالنيل وتراب أرضه.
وتابع: "رغم القدرة الاستثنائية في الدفاع عن أرضه من قديم الأزل، لم يكن المصري سوى حكاء عظيم فى رصد مآثر دفاعه عن أرضه التى حاولت احتلالها معظم الحضارات الكبرى على مر التاريخ".
وأضاف "علام" في تصريح خاص لموقع "مصر العربية": تضعنا هذه الحقيقة فى ارتباك مستحق حول ندرة الأعمال الأديبة الساردة لحدث ربما هو الأهم في تاريخنا المعاصر، وباستثناء بعض الأعمال الهامة وعلى رأسها الرواية الفريدة للأستاذ فؤاد حجازى "الأسرى يقيمون المتاريس"، ظلت بطولات الشخصية المصرية في حرب أكتوبر العظيمة أيقونة الحكى الشعبى في الذاكرة الجمعية، دون أن تدونها أقلام أدباء المرحلة من جيل الستينيات والسبعينيات، وكأن عظمة التجربة عصية على التسجيل.
وأشار "علام" إلى أن كتاب هذا الجيل، الذين عاصروا حرب أكتوبر المجيدة، انحازوا إلى تدوين المتغيرات الاجتماعية التي زلزلت الوجدان الشعبي بعد الحرب التي أربكت مجتمعا خرج حديثًا من الثورة إلى الهجرة إلى بلاد النفط، متأثرًا بعشرات الأحداث الهامة، كاشتراكية عبد الناصر وانفتاح السادات.
وأوضح "علام" أن هناك خاصية أخرى تنتمى لطبيعة تكون الشخصية المصرية جعلت الحرب العظيمة بعيدة عن التدوين، الحديث عن الدماء وحرمانية الجسد، كان المرادف الأهم للحروب، فللدماء رمزية مخيفة في الثقافة المصرية، ولا حروب بلا دماء وأشلاء والكثير من الأحزان، وهي أمور يتحاشى المصري عن الحديث عنها في حديثه اليومي، مما جعل الكتابة عنها رهانا مخيفا للكاتب.
أما الناقد حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، أكد أن الأعمال الأدبية التي تناولت حرب أكتوبر ليست كافية للتعبير عن هذا الحدث الكبير المشهود الذي يمثل نقطة مهمة في تاريخنا الحديث كله، فهناك بعض الروايات، وهناك بعض قصاد الشعر وهناك بعض الأفلام السينمائية والأغنيات، لكنها جميعًا تقدم جانبًا واحدًا من هذا الحدث الكبير.
وقال "حمودة" في تصريح خاص لموقع "مصر العربية"، إنه يتصور أن التاريخ القادم سوف يأتي بأعمال أخرى في مجالات داعية متنوعة تقدم جوانب أخرى في حرب أكتوبر، بما تستحقه من حديث أدبي يليق بتلك الملحمة.
وأوضح أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، أن بوجه عام كل الأحداث الكبرى في التاريخ يمكن تناولها إبداعيًا بعد أزمنة طويلة من حدوثها، والمؤكد أن حرب أكتوبر 73 هي من هذه الأحداث الكبرى في التاريخ.
وأرجع أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، السبب في قلة الأعمال الإبداعية حول حرب أكتوبر بأن هذه الحرب لا تزال بحاجة إلى تقييم عميق لأبعادها وتأثيراتها، وأيضًا لأن الإنتاج السينمائي مثلا الذي يمكن أن يتناول مثل هذه الأحداث الكبيرة بحاجة إلى ميزانة ضخمة.
وتمنى "حمودة" أن تُتاح مثل هذه الميزانيات التي تساعد على إنتاج أفلام تليق بهذه الحرب العظيمة، في الفترة القادمة، لتسجيل أحداث عظيمة لن تتكرر في التاريخ وتستحق التخليد.
ومن جانبه، قال الشاعر فتحي عبد السميع، إنه على مستوى الشعر هناك بعض الأعمال الجيدة التي تحدثت عن حرب أكتوبر العظيمة، وكتبت بمعرفة شعراء شاركوا في الحرب فعلا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قصائد للشاعر عطية حسن، والشاعرحمدي منصور، وقصائد للشاعر حسن النجار، وللشاعر عبد العزيز موافي.
وأكمل "عبد السميع" في تصريح خاص لموقع "مصر العربية" قائلًا : لكن تبقى هذه الأعمال أقل من الحدث، وتظل هناك مساحات لم تُكتب بعد خاصة من قبل الروائيين المصريين والعرب.
ورأى "عبد السميع" أن السبب في قلة الأعمال الأدبية التي تحدثت عن حرب أكتوبر يرجع إلى معاهدة "كامب ديفيد" الشهيرة، بين مصر وإسرائيل، والتي كانت سببًا قويًا في كسر الطريق الطبيعي الذي كانت تسلكه الأحداث بعد الحرب.
وأضاف "عبد السميع" قائلًا: ببساطة أعتقد أن كامب ديفيد جعلت الحرب تفقد معناها أو الكثير من معناها، وحولت الحرب إلى مناسبة يكتب عنها الشعراء كتابات سطحية تأخذ طابع الاحتفالية وغير مؤثرة، كما أن الأدباء الذين شاركوا في أحداث أكتوبر المجيدة فعلا، وهم عددهم كثير لم يجدوا الاهتمام المناسب من الدولة، وافتقدوا مشروع ثقافي يدعمهم، ويجعلهم متفرغين لكتابة تلك التجربة العظيمة التي مروا بها.