بالصور| من المنزل للمخبز.. بهجة كحك العيد «ربنا ما يقطعها عادة»
في غرفة صغيرة بمخبز خاص بالقاهرة، يقف الثلاثيني، محمد إبراهيم، أمام ماكينة عجن، ليصنع بهجة أسرة متوسطة الحال، قدمت له مقادير صناعة "كحك" عيد الفطر، الذي يحل بعد أيام.
وعقب صلاة عيد الفطر وأيامه التالية، يعتاد مصريون التجمع على وجبة رئيسية صباحية، حول طبق الكعك الذي يضم صنوفا أهمها الكعك والبسكويت، والغُريبة، و البيتي فور.
بأي كعك عدت يا عيد؟
"حتى لا نتعب في العجن والتشكيل والتسوية"، هذا السبب الذي دفع سيدة أربعينية فضلت عدم ذكر اسمها، أن تذهب لذلك المخبز المجاور لمنزلها في الجيزة، لإعداد كعك العيد، حرصا على فرحة سنوية مرتبطة في مصر ودول أخرى بعيد الفطر المبارك.
وبخلاف هذه الخطوة، فمن عادة المصريات صناعة كعك العيد بالمنزل، حيث تجلس الأمّ، ويلتف حولها بناتها وجيرانها، مُتجاورين حول طاولات خشبية، ويتفنّن في صناعة أشكال مختلفة من الكعك، ثم يقومون بتسويته على نار هادئة في فرن منزلي أو فرن المخبز.
وليس كعك المنزل أو المخبز، هو وسيلة المصريين للفرحة بعيدهم، فهناك مصريون يتجهون لمتاجر الحلويات لشراء كميات مناسبة من كعك العيد أيضا.
واستعدت متاجر الحلويات منذ منتصف شهر رمضان، بعرض كميات من كعك العيد.
ووسط إقبال من المصريين معتاد على تلك البهجة السنوية التي تبدأ في أواخر شهر رمضان، تشتهر أغنية المطربة المصرية الشهيرة أم كلثوم (1898- 1975)"ياليلة العيد آنستينا وجددتى الأمل فينا يا ليلة العيد".
الكعك.. نقش وبهجة
ووفق مشاهدات، لم تغب الابتسامة، لدى السيدات والصناع مع صناعة كعك العيد، في ذلك المخبر الواقع غربي القاهرة، رغم الظروف الاقتصادية التي جعلت أسعار مستلزمات الكعك ترتفع قليلا عن العام الماضي، وقلة كميات الشراء والبيع والصناعة.
في ذلك المخبر، يقف صاحبه رمضان السيد علي (62 عامًا) متحدثا عن بهجة كعك العيد والسيدات تذهب وتجئ، منهنّ من يسلم للمخبز مقادير الكعك ومنهنّ من يساعد مع أطفالهنّ في تشكيل العجين، والبعض الآخر يتسلم الكعك بعد تسويته.
ويسترجع "علي" ذكرياته، وهو يتحدث عن فرحته بصناعة الكعك مع أسرته منذ طفولته، قائلا "بالنسبة للكعك والبسكويت .. هذه عادة وجدناها من زمن".
وعن صناعة الكعك، يشير إلى أنه لإعداد 5 كيلو جرام كعك يتم خلط نسبة مماثلة من الدقيق، مع 750 جرام من السمن، و250 جرام سكر، بجانب مكسبات للطعم والرائحة، وسمسم وملبن عجوة حسب الطلب، وقطع خميرة.
ويوضح أنه يترك العجين ليختمر مرتين الأولى، بعد عجن العجين مباشرةً، والثانية قبل تسويته في الفرن عقب نقشه بأشكال عديدة، ورصه داخل صينيات حديدية مستطيلة، تدخل فرنا حديثا لبعض من الوقت.
بالعكس، عجين البسكويت، لا يحتاج أن يختمر، مثله مثل "البيتي فور"، وفق صاحب المخبز، الذي يشير إلى صناعته تحتاج إلى دقيق وسكر بكميات أكبر وبيض ومكسبات طعم ورائحة، ويحتاجان لنار هادئة في التسوية.
وعن أسعار هذا العام، يوضح أنّ 50 جنيهًا (نحو 2 ونصف دولار أمريكي)، سعر لكليو جرام من الكعك أو البسكويت والبيتي فور، مرتفعة قليلا عن العام الماضي.
الكعك أصله فرعوني
أظهرت برديات ونقوش في تاريخ مصر الفرعوني، تقديم زوجات الملوك الكعك للكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو بالجيزة، في يوم تعامد الشمس على حجرة الملك، وكان يُسمى بالقُرَص حيث كانوا يشكلون الكعك على شكل أقراص.
وذكرت دراسة لعالم الآثار الإسلامية علي الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن "أول من اهتم بصناعة الكعك بصورته الحالية، كانت الدولة الطولونية (868-904م)، إلا أنها ازدهرت في عهد الفاطميين (909-1171م)، حتى أنهم انشأوا ديوانًا حكوميًا، يختص فقط بكعك العيد أطلقوا عليه اسم (دار الفطرة)، وكانوا يستعدون لصناعة الكعك من شهر رجب حتى النصف الثاني من رمضان، عن طريق أكثر من 100 عامل".
وتابعت الدراسة: "في عهد المماليك (1250- 1517م)، كان الأمراء يوزعون الكعك على الفقراء والمتصوفين وكانوا يعتبرونه صدقة، خاصة من مدرسة الأميرة "تتر الحجازية" بحي الجمالية (وسط القاهرة)، التي كانت توزع الكعك الناعم والخشن على الموظفين، قبل أن يتطور الأمر لتبادل سكان مصر حينها الكعك كهدايا ويتنافسون بإجادته".
وأشارت الدراسة إلى رواج صناعة الكعك في عيد الفطر، دفع المماليك إلى إنشاء سوق يطلق عليه "الحلاويين" داخل باب زويلة، كانت تعرض محاله أجود أصناف الكعك خلال العشر الأواخر من رمضان، بعدما تفنن صناعه في نقشه بقوالب مختلفة.
ويحتوي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، على هذه القوالب منها ما هو مكتوب على بعضها عبارات مثل: "كل هنيا" و"كل واشكر" و"كل واشكر مولاك" و"بالشكر تدوم النعم".