في حال إصابتهم بكرب ما بعد الصدمة
كيف ندعم ضحايا حادث محطة مصر نفسيًا؟.. طبيب نفسي يجيب
لكل منهم قصة وحكاية تستحق أن تروى، فهذا كان في طريقه إلى حيث رزق الأبناء، وأخر يريد اللحاق بمحاضراته وثالثة لديها مهمة في مصلحة حكومية، لكن فجأة دون إنذار، انقلبت الأمور رأسا على عقب في مشهد درامي.
"كل منهم يجري لا يعلم إلى أين يتجه، المهم أن يبتعد عن تلك النيران التي اشتعلت من حوله، عن الجثث المتفحمة التي يصطدم بها، كأن جهنم استقرت داخل محطة القطار".. هذا المشهد ربما يستقر في الأذهان لشهور أو لسنوات ربما عقود لكنه لن يطويه النسيان بسهولة.
بعد اصطدام جرار بالجدار الخرساني، في نفس وقت دخول قطار آخر لمحطة مصر في رمسيس، صباح الأربعاء الماضي ما أسفر عن اشتعال نيران هائلة داخل المحطة، وتفحم نحو ما يزيد عن 20 شخصا وعشرات المصابين، انطلقت مراكز العلاج النفسي في عرض خدماتها على الضحايا وذويهم.
وآخرون حذروا بشدة من تداول صور الحادث على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والمواقع الأخبارية بالإضافة إلى الإعلام المرئي الالتزام بمواثيق الإعلامية المعمول بها في دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
ينص الميثاق الأخلاقي للجمعية الوطنية للمصورين الصحفيين بأمريكا على:"نشر صورة لمواطن متوفي يؤدي إلى ضرر يفوق النفع الذي يتحقق من معرفة خبر جديد، فلا يوجد مبرر لإشعار الأصدقاء والأحباب بالحزن والمرارة نتيجة مشاهدة صورة لجثة شخص متوفي في الصفحة الأولى من جريدة يومية.
ماهو كرب ما بعد الصدمة؟
مراكز العلاج النفسي أرجعت المسارعة بالإعلان عن خدماتها التي يمكن أن تقدمها لضحايا الحادث بعضها مجاني، إلى احتمالية إصابتهم باضطرابات نفسية من أبرزها، كرب ما بعد الصدمة قد تظهر أعراضه في غضون شهر أو بعد مرور سنوات.
يقول الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق إن اضطراب كرب ما بعد الصدمة يحدث بعد التعرض لحادث يهدد الحياة سواء كارثة طبيعية أو من صنع الإنسان مثل حادث محطة مصر.
ويضيف عبد الله لـ"مصر العربية" أن من خلال الخبرات ظهر درجات من التعرض، يأتي في الدرجة الأولى هؤلاء الذين تعرضوا للحادث بشكل مباشر (الضحايا) وفي الدرجة الثانية يأتي أهالي الضحايا وفي الدرجة الثالثة المسعفين والمتعاملين مع الحدث.
ومع انتشار وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الممكن تعرض الذين يشاهدون الصور ويتابعون الحادث لكرب ما بعد الصدمة، بحسب الدكتور أحمد عبدالله .
الأعراض
وبحسب أستاذ الطب النفسي فأن هناك 3 حزم من الأعراض، أولا، أعراض التجنب وفيها يتجنب الشخص العودة لمكان الحادث أو الحديث عن الحدث نفسه، وثانيا، حزمة أعراض التيقظ وهي القلق والتوتر المستمر، و الخوف، و الانتباه بشكل مرضي.
والحزمة الثالثة من الأعراض تتمثل في تكرار المشاهد الصدمية من خلال طريقتين، إحداهما تكرار مشاهد الحادث والثانية من خلال رؤية مشاهد الحادث في كوابيس أثناء النوم، وتشتيع هذه الطريقة في الأطفال و المراهقين، بحسب الدكتور أحمد عبدالله.
وهناك حزمة رابعة من الأعراض لكنها خاصة بالأطفال و المراهقين وتسمى "أعراض النكوص" وفيها يعود المراهق أو الطفل لفعل أشياء أصغر من عمره مثل التبول اللاأرادي، العودة للنوم إلى جانب الوالد أو الوالدة بعدكا كانوا انتقلوا إلى أماكن نوم خاصة بهم، و"التأتأة ".
ليس شرطا أن يتعرض كل الأشخاص الذي عاصروا حادث صادم للإصابة بكرب ما بعد الصدمة، إذ يرى "عبد الله" أن الإصابة بهذا الاضطراب من عدمه تتوقف على تكوين الأفراد ما قبل الصدمة والتحضير للصدمة ومدى التعرض لصور أومشاهد من الحادث.
يشير أستاذ الطب النفسي إلى أن هناك فروقات بين الأشخاص الذين يتعرض للصدمة في تكوينهم و استعدادهم، وهناك التحضير لما قبل الصدمة أوالتوقع، على سبيل المثال مصر لها تاريخ مع حوادث القطارات فتوقع حدوث حادثة مماثلة قد يقي الأشخاص من الإصابة بهذا الاضطراب وهذا بعكس أشخاص ليس لديهم أي خبرة في هذا النطاق.
تشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تزايد معدلات حوادث القطارات منذ عام 2012 وحتى 2017، ووقوع نحو 11 ألف حادث منذ عام 2008 وحتى الآن.
الدعم والعلاج
يلفت الدكتور أحمد عبد الله إلى أن هناك مستويات من العلاج والدعم النفسي الذي يمكن تقديمه لضحايا حادث محطة مصر متمثل في الدعم والمساندة من خلال الاستماع إليهم ومواساتهم و التخفيف عنهم.
لكن "عبد الله" يقول إن هناك ملحوظة متكررة على ظاهرة الدعم والمساندة للضحايا يطلق عليها شهر العسل، حيث يستمر الدعم المتواصل الكثيف لأيام عدة وربما أسابيع، لكن بعد ذلك يصبح المريض فجأة بمفرده، لذلك يرى ضرورة تقسيم الوقت والجهد ليستمر الدعم على المدى الطويل.
ومن الأشياء التي تظهرها الصدمات هي هشاشة شبكات الدعم حول الضحايا وهم الأصدقاء و الأسرة، بحسب "عبدالله" الذي يرى أن هناك فرصة لاستعادتها وتقويتها للمساعدة في التعافي من كرب ما بعد الصدمة.
من أشهر العلاجات المستخدمة على مستوى المتخصصين بعلاج كرب ما بعد الصدمة، بحسب الدكتور أحمد عبدالله، هي العلاج السردي التعرضي والعلاج بحركة العين والعلاج السلوكي المعرض والعلاج الجمعي والعلاج بالسايكو دراما.