
كان لاجئًا فأصبح رئيسًا !

حورية عبيدة
28 يناير 2017هربتْ العائلة من الحُكم الستاليني؛ بعد اجتياح الجيش الأحمر الروسي لاستوانيا، حطَّت بها الرحال بالنمسا؛ ليولَد الطفل اللاجيء "الكسندر فان دير بيلين" في حالٍ من الفقر المُدقع، فيصمم على نَيل حقه في الحياة وقهر الصعاب، حتى حاز على بكالوريوس الاقتصاد ثم درجة الدكتوراه، ليصبح أستاذاً أكاديمياً بفيينا، ينخرط بعدها في العمل السياسي بحزب "الخضر"، فيجعله القوة الرابعة في البلاد، ثم يُنتخب في المجموعة البرلمانية، ليقرر بعدها خوض الانتخابات الرئاسية؛ فيفوز على منافسه اليميني المتطرف، ويتولى مهام منصبه رسمياً في السادس والعشرين من يناير الجاري.
فوز الرئيس الكسندر يلقي الضوء بشدة على شعوبٍ لا تُعاني من عُقدة الأجنبي، فالنمسا اشتُهرت بقدرتها على التعايش بين مختلف الجنسيات على أرضها في سلام وأمان.
فوز الرئيس الكسندر يلقي الضوء بشدة على شعوبٍ لا تُعاني من عُقدة الأجنبي، فالنمسا اشتُهرت بقدرتها على التعايش بين مختلف الجنسيات على أرضها في سلام وأمان، وهي من أكبر الدول المُرحِبة باستقبال اللاجئين، لذا كانت من أهم نقاط برنامج رئيسها الانتخابي الاهتمام بهم، وعدم المساس بالوجود الأجنبي على أرضها، والدعوة للتعايش السلمي مع الحفاظ على القيم الأوروبية، في مقابل مرشَح اليمين المتطرف الخاسر "نوريرت هوفر" الذي يحض على كراهية الأجانب والتحريض ضدهم، بل ووصل به الأمر التهديد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي؛ مالم تراجع أوروبا سياستها في استقبال اللاجئين خاصة المسلمين.
الرئيس النمساوي الفائز؛ حائز على وسام الشرف من الدرجة الذهبية لخدمة الأمة النمساوية، هادئ الطبع وصاحب كاريزما، وبكلماتٍ قليلة عبْر مواقع التواصل الاجتماعي؛ عبَّر عن شكره لمن ساندوه، كما وجه كلمة للشعب النمساوي بانه سيكون رئيساً للجميع دون أية تفرقة او تمييز، وانه سيسعى لتطبيق شعاره: "الحرية، الأمن، السلام، الانتعاش الاقتصادي"، ويرى أنه نتيجة معاناة عائلته من ويلات الحرب؛ فإنه ينظر لأوروبا كلها من خلال مستقبلٍ جوهره قائم على التشارك بين الجميع.
دروساً كثيرة تلقيها علينا تلك التجربة الانتخابية النمساوية الراقية، فهاكَ شعب يرحب بالتعيش والتعدد، وذلك لاجيء فقير مُعدَم يكافح حتى يصل لأعلى المراتب الأكاديمية؛ ثم يصبح رئيساً للبلاد دون حساسيات، وذاك مرشَح رئاسي خاسر؛ يُعلن بعد خسارته ودون تجريحٍ لغيره قائلاً: "الشعب دائماً على حق، وأنا أحترم رغبته، وسأنافس ثانية بعد ست سنوات"، وشعب تعداده نحو ثمانية ملايين نسمة ونصف المليون يتوجه منه أكثر من ستة ملايين ونصف المليون من الناخبين لصناديق الاقتراع لأداء واجبهم الوطني؛ إيماناً بدورهم الفعال في النهوض بالوطن، وفارق الأصوات بين المرشح الفائز والخاسر مجرد واحد وثلاثين ألف من الأصوات فقط؛ وشعب ارتقى وعْيه بشكل واضح؛ لدرجة اختيار خبير اقتصادي وسياسي ليتولى شئون البلاد، لذا فليس بغريب على شعب كهذا أن تصبح بلاده واحدة من أغنى بلدان العالم، حيث تحتل المرتبة التاسعة عشرة عالميا في مؤشر التنمية البشرية.
لعل سياسة ترامب وقرراته بحظر جنسيات عربية وإسلامية مُعينة من دخول أوروبا؛ تجعل من النمسا البلد الأوروبي الأول والمرشح بقوة لاستقبال كمٍ لا بأس به من المهاجرين.
العالم الاقتصادي والسياسي البرلماني الحائز على الدكتوراه؛ هو الرئيس الثاني عشر في تاريخ النمسا، حيث نظامها البرلماني شبه الرئاسي، والذي فاز بنسبة أربعة وخمسين بالمئة، عن عمْرٍ يناهز الثانية والسبعين، وجدير بالذكر أن النمسا كما ننطقها هي "أستريا" باللغة الإنجليزية، لكننا نقلنا اسمها عن اللغة التركية على عهد الدولة العثمانية، والتي نقلتها بدورها كما ينطقها أهل المجر نسبة لإقليم "نيمسي"؛ ويعني المرج والأرض الشجرية المُعشبة.
وأخيرا لعل سياسة الرئيس الأمريكي "ترامب "وقرراته بحظر جنسيات عربية وإسلامية مُعينة من دخول أوروبا؛ ومع سياسة التعايش النمساوية؛ تجعل من النمسا البلد الأوروبي الأول والمرشح بقوة لاستقبال كمٍ لا بأس به من المهاجرين واللاجئين.و ولله دَرُّ بلاد العرب؛ وقت كانت ملاذاً للفارين واللاجئين من أوروبا؛ والباحثين عن فُرص للعيش والنجاة.