قذيفة وشعاع ليزر..
بعد توقف دام لنحو 30 عامًا.. «مدفع الإفطار اضرب»
"مدفع الإفطار ااااضرب"؛ عبارة مُحببةٌ للآذان تتسلل إلى مسامعنا خلال أيام شهر رمضان الكريم، لتعلن أنه حان الآن ساعة الإفطار لكسر الصيام، متبوعة بطلقةٍ مدفعية تكسر معها سكون المكان ليعلو بعدها في الأجواء صوت الأذان..
فبعد غياب دام لنحو 30 عاما، ينطلق مدفع الإفطار مع أول أيام شهر رمضان من قلب قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة مصحوبًا بشعاع ليزر إلى جواره ليصل لأبعد مدى، فطيلة المدة الماضية كان المدفع بمثابة الغائب الحاضر حيث اعتاد أن يطل عبر أثير المذياع أو شاشات التلفاز قبل رفع أذان المغرب مباشرة من خلال مقطع مًسجل، إثر توقفه تمامًا عن الإطلاق عام 1992.. فما القصة؟
مدفع الإفطار يحمل ماركة كروب انتاج عام 1871 ميلاديًا، وهو عبارة عن ماسورة من الحديد ترتكز على قاعدة حديدية بعجلتين كبيرتين من الخشب بإطارات من الحديد، يحتل حيزًا بساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي؛ وكان يقوم بتشغيله اثنين من الجنود أحدهم لوضع البارود فى الفوهة والأخر لإطلاق القذيفة.
ترميم وإزالة الصدأ
ظل الوضع هكذا لسنوات طوال وفجأة توقف عام 1992 عن مهمته المعتادة، فمع الوقت ألتهم شبح القنوات المتلفزة والمذياع وغيره من الوسائل تلك العادة التراثية وبات صوت المدفع يبث مسجلًا مع غروب الشمس ورفع أذان المغرب في ليالي رمضان..
إلا إنه قبل ساعات من الآن تقرر عودة ضرب المدفع كل يوم خلال هذه الشهر الكريم لإعلان أنه حانت ساعة الإفطار، وذلك بعدما تم ترميمه وإزالة طبقات الصدأ الخارجية التي تكونت بفعل الزمن وتنظيفه من الداخل ليبدأ في العمل من جديد، من ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة كما كان قديمًا..
شعاع ليزر
وأوضحت إيمان زيدان مساعد وزير السياحة والآثار لتطوير المتاحف والمواقع الأثرية، أن المدفع سوف يضرب من جديد لحظة غروب الشمس وعند موعد الإفطار وذلك كل يوم طوال شهر رمضان، بما يضمن الحفاظ على التراث الأثري للقلعة وفي نفس الوقت مواكبة استخدام التكنولوجيا الحديثة وذلك عن طريق إطلاق شعاع ليزر بجوار المدفع ليصل لمسافة بعيدة.
فيما لفت الدكتور مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار أن أعمال ترميم المدفع شملت إزالة طبقة الصدأ المكونة علي جسم المدفع وتنظيفه من الداخل.
مدفع "الحاجة فاطمة"
وتباينت الروايات حول حكاية ظهور مدفع الإفطار ولكن كثير منها أشار إلى أنه بدأ من قلب القاهرة بقلعة صلاح الدين الأيوبي، وفقًا للدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الاسلامية والقبطية واليهودية، حيث تروي إحدى القصص أن مدفع رمضان يرجع إلى عهد السلطان المملوكي خشقدم حين أراد أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه، وصادف إطلاق المدفع وقت غروب شمس أول يوم من رمضان عام ١٤٦٧م، فظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم لتشكره على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المُضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بموعد الإفطار.
وهناك قصة أخرى تقول أن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتجربة أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أول يوم من رمضان، فظن الناس أن الخديوي اتبع تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، فصاروا يتحدثون عن ذلك، وعندما علمت "الحاجة فاطمة" ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، أعجبتها الفكرة فطلبت من الخديوى إصدار فرمان بأن يجعل من إطلاق المدفع عادة رمضانية جديدة، وعرف وقتها باسم مدفع الحاجة فاطمة، وفيما بعد اضيف إطلاقه فى السحور والأعياد الرسمية.
ويُعتقد أن المدفع تم تغييره أكثر من مرة وانتقل إلى أكثر من مكان، ويعرض حاليًا بساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، وعلى الرغم من مرور ٣٠ عامًا منذ توقفه إلا أنه ظل في قلوب وأذهان المصريين، حيث أصبح من التقاليد الراسخة ومظهر من مظاهر الشهر الكريم.