رمضان في بيروت.. أوجاع الاقتصاد تفاقم معاناة اللبنانيين في شهر الصيام
وسط أزمات اقتصادية موجعة ولهيب للأسعار وانهيار للعملة، وانتشار لفيروس كورونا، واحتجاجات واعتصامات شعبية وانسداد سياسي، يستقبل اللبنانيون شهر رمضان الكريم في واحد من أصعب السنوات التي مرت على لبنان.
ويعاني لبنان منذ أكثر من عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت اإلى تراجع قياسي في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وانهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وزيادة معدلات الفقر.
وبخلاف السنوات الماضية، فإن بلدية بيروت لم تُزيّن شوارع العاصمة وكذلك العديد من المناطق الأخرى، في ظل تقشف مالي قاسٍ فرضته الأزمة الاقتصادية.
يقود هبوط العملة المحلية (الليرة)، الأزمات الاقتصادية التي يواجهها لبنان، فبينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 1510 ليرة، فإن السعر في السوق الموازية (السوداء) 12800 ليرة.
ووفق الأمم المتحدة، فإن معدل الفقر ارتفع في لبنان عام 2020 ليشمل 55 بالمئة من السكان، بينما تزايد معدل الذين يعانون الفقر المدقع ثلاثة أضعاف، من 8 بالمئة إلى 23 بالمئة، لكن هذه المعدلات مرجح ارتفاعها مع استمرار تصاعد الأزمة الاقتصادية.
وفي 23 مارس الماضي، أنذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، من انعدام الأمن الغذائي في لبنان، منبّهةً من سير البلاد نحو مزيد من الفقر والجوع.
ويشتهر المطبخ اللبناني بالوصفات والأطباق اللذيذة والشهية، ولأن شهر رمضان هو شهر الولائم والعزائم، تحرص العائلات على الاجتماع حول موائد مليئة بالأطباق اللّذيذة وعلى رأسها طبق الفتوش الشهير والفتّة وشوربة العدس وورق العنب والحمص والكبة المقلية والفلافل والمشاوي وغيرها الكثير! ولا يُمكن استكمال وجبة الإفطار من دون الحلويات الرمضانية التي لا تقاوم، مثل القطايف والكنافة والكلاج الرمضاني، فيما تتربع المشروبات التقليدية كالجلّاب والعرق سوس والتمر الهندي على رأس قائمة المشروبات.
أما المساجد، فستفتح أبوابها هذا العام لاستقبال المصلين خاصة في صلاة التراويح، ولكن ضمن إجراءات وقائية من الجائحة، اتخذتها دار الفتوى، أبرزها التباعد الجسدي وإلزامية ارتداء الكمامة.
ومن ضمن الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الوباء، إحضار كل مصلّ سجادة صلاة خاصة به، والتوقف عن استقبال الأطفال والنساء وكبار السن، وإغلاق أماكن الوضوء، وحظر الاعتكاف في المساجد.
وحتى قبل يوم، سجل لبنان نحو 492 ألف إصابة بفيروس كورونا، بينها 6 آلاف و592 وفاة، في حين بلغت حالات الشفاء 399 ألفاً، أما عدد الذين تلقوا اللقاح فبلغ 190 ألفا.
ووفق وسائل إعلام دولية، قال المواطن الستيني طلال دروش: إنه "قبيل صدور قرار إقامة صلاة التراويح، فإن كثيرا من المواطنين قلقون من عدم السماح بذلك.. لكن والحمد لله، ستقام الصلاة، وسنلتزم بالإجراءات الوقائية".
من جهته، عبّر عامر حسان (خمسيني) عن فرحته بالسماح في إقامة صلاة التراويح، وقال: "إن شاء الله في رمضان سنصلي التراويح، ونلتزم بالإجراءات الوقائية المطلوبة".
وإلى جانب فروض العبادة، كالصوم والصلاة، يهتم المسلمون في لبنان بتزيين موائد إفطارهم بأنواع عدة من المأكولات والحلويات، لكن الظروف المعيشية الصعبة، قد تحد بشكل كبير من تلك العادات.
رمضان هذا العام مختلف عن السابق كثيرا"، هذا ما قاله أحمد حمامي (مواطن ثلاثيني) عن الصعوبات المعيشية، وأضاف: "مثلاً كنا نشتري كيلو السكر بـ 3 آلاف ليرة (1.98 دولارا وفق السعر الرسمي) أما اليوم يصل سعره إلى 12 ألف ليرة (7.95 دولارات)، وكذلك الحال بالنسبة لأسعار كافة المواد الغذائية".
وتساءل حمامي: "كيف سيتمكن المواطن من تأمين إفطاره؟.. للأسف لاحظت أن بعض المواطنين تمنّوا أن يتأخر رمضان قليلاً هذا العام، لأن وضعهم المعيشي تعيس جداً".
أما المواطن محمد علي رياض، فقال رغم كل ما نعانيه من أزمات اقتصادية وصحية جراء انتشار الفقر والوباء، إلا أننا هنا بلبنان نحرص على صوم شهر رمضان والاستمتاع بروحانياته، ورغم تزايد المعاناة إلا أننا نستقبل رمضان بفرحة كبيرة.
وأضاف لمصر العربية، أن ارتفاع الأسعار لبعض المنتجات لم تمنعنا من الاحتفال بالشهر الفضيل، نعم المعاناة هنا تزداد، لكن روحانيات وطقوس رمضان تهون علينا بشكل كبير.
وعن صلاة التراويح في المساجد، قال علي: الحمد لله أننا سنصلي بالمساجد، التي لم تغلق كما كانت في العام الماضي، مضيفا: سنلتزم بالإجراءات الوقائية حتى يمر عليا رمضان بأمان.
ووسط كل تلك المعاناة، ما تزال الخلافات السياسية تحول دون تشكيل حكومة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد 6 أيام من الانفجار، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
وبعيدا عن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها بيروت، وبالنظر إلى أبرز الطقوس اللبنانية في شهر الصيام، نجد أن لكل بلد عاداته وتقاليده في شهر رمضان المبارك، وهناك عادات وتقاليد مشتركة بين البلدان والشعوب العربية أما في لبنان فيتميز شهر رمضان بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تكاد تكون موحدة بين مختلف المناطق اللبنانية إلا أن لكل منطقة سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع أو بيروت أو الجبل خصوصيتها.
ويعود بعض العادات والتقاليد في لبنان إلى مئات السنين وربما إلى بداية الفتح الإسلامي وبعضها يرتبط بفترة الحكم العثماني لمدة 400 عام، كما أن هناك عادات حملها البعض إلى لبنان من سوريا والعراق أو من إيران وتركيا وأيضا من بلدان المغرب العربي، ففي معظم قرى لبنان وبلداته كانت هناك عادة "المسحراتي" الذي يجوب الشوارع في أوقات السحر وهو يقرع على طبلة صغيرة بعصا من الخيزران لإيقاظ الناس وقت السحور من خلال ضربه على الطبل وإنشاده بعض الأشعار والأناشيد والرديات.
ولكن ظاهرة "المسحراتي" تراجعت اليوم بشكل كبير وتقتصر على عدد قليل من القرى والبلدات اللبنانية وبعض أحياء المدن القديمة في الأطراف وفي بعض قرى الجنوب والبقاع بالتحديد كان "المسحراتي" ولا يزال يجوب المنازل ويقرع أبوابهم بعصاه وينادي عليهم بالاسم وقت السحور للقيام والتهيؤ للصوم، وعلى الرغم من وجود ساعات التوقيت والمنبهات ووسائل الاتصال ومكبرات الصوت التي تصدح بها مآذن المساجد سواء بقراءة القرآن أو الأدعية.
أيضا، من التقاليد الرمضانية في العاصمة بيروت ما يعرف بـ "سيبانة رمضان" وهي عادة قديمة لا تزال مستمرة إلى اليوم، وتتمثل في القيام بنزهة على شاطئ مدينة بيروت تخصص لتناول المأكولات والمشروبات والحلويات في اليوم الأخير من شهر شعبان قبل انقطاع الصائمين عن الطعام في شهر رمضان المبارك، ويقول بعض المؤرخين إن تقليد "سيبانة رمضان" كان في الأصل عملية استهلال شهر رمضان وكانت تسمى "استبانة" إلا أن أهالي بيروت غيروا الكلمة مع مرور الزمن إلى "سيبانة" تسهيلا للفظها وأصبحت عادة للتنزه وتناول الأطعمة والأشربة في آخر يوم من شهر شعبان.