قشة الغريق (5-10)
تحقيق| تظاهرة إخوانية قادت "ناجي" للهجرة غير الشرعية بين 5 دول
أخيرا نجح في الوصول إلى بريطانيا، بعد طريق طويل محفوف بالمخاطر وسط غابات وتضاريس جبلية، تنّقل فيها بين 5 بلدان سيرا على الأقدام.
رحلة هروب شاقة خاضها "ناجي محمد"،-اسم مستعار- ، فرارا من مصير كان ينتظره في مصر .
صورة أرشيفية لتهريب المهاجرين من مقدونيا
سبب الهجرة
قبل ما يزيد عن عام ونصف لم يجد "ناجي" مفرا من عبور البحر إلى الشاطيء الآخر في قوارب متهالكة يعلم يقينا أنها ستودي بحياته، كمصير كثير ممن يلوذون بالهجرة غير الشرعية، إلا أنه تساوى لديه الموت والحياة هنا في بلاده، فقط يعانق بصيص من الأمل في الحياة يراه معلقا على ساحل إيطاليا.
صورة أرشيفية خفر السواحل الإيطاليا تنقذ مهاجرين غير شرعيين
"محدش عاوز يهاجر ويسيب بلده..لكن اللي بيحصل غصب عننا..اللي يجيي يعيش يوم واحد هنا مستحيل يفكر يرجع بلده"، قالها "ناجي"، وهو يقص علينا عبر "اسكايب"، مرارة ما ذاقه أثناء رحلته من ذل ومهانة ومخاطر تجاوزت سنوات عمره التي لم تتجاوز الـ 20 عاما، رافضا ذكر اسمه الحقيقي خوفا على أهله في مصر.
عانى "ناجي" كثيرا في قريته "الجزيرة الخضراء" بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، أجبره الفقر على العمل منذ طفولته التي لم يأخذ نصيبه منها ، ولما سار شابا بلغ الـ 17 عاما، أصبح مطاردا من الأمن.
مطارد أمنيا
فبينما كان يمر صدفة أمام مديرية أمن دمنهور، ألقت الشرطة القبض عليه في تظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين لم يكن مشاركا بها، فليس هناك متسعا من الوقت أمامه للانشغال بالسياسة، فمنذ وفاة والده وسار هو رغم صغر سنه، رب عائلته المكونة من والدته وأخواته الأربعة .
في الصباح يتوجه لمدرسته، وفي الظهيرة يعمل سائق توك توك، اشتراه بالتقسيط، ولكنه غادر البلاد قبل تسديد أيا من أقساطه، ليتركه إلى أخاه الأصغر ذوالـ 12 عاما يعمل عليه ليسددها عنه.
بداية الرحلة
بدأت رحلة "ناجي" باعتلائه مركب "نور العيون" من مياه برج مغيزل، بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، المملوكة لـ"ع.ز"، بعد تخزينه ومن معه بضعة أيام في مزرعة دواجن، على الطريق الدولي المؤدي إلى برج رشيد تحيط بهامزارع جوافة.
مراكب برج مغيزل
"نزول المركب كان بمعرفة الحكومة"، يستطرد بها "ناجي"حديثه عن رحلته التي انطلقت إلى إيطاليا بعد أيام انتظار في البحر حتى تكتمل الحمولة المقررة للمركب، وقبل أمتار من ساحل ليبيا هاجت الأمواج فغرقت المركب، ولكن سرعان ما أرسلت إيطاليا إشاراتها للسفن التجارية القريبة لتنقذ الغرقى .
صورة أرشيفية ..إنقاذ مهارجون على سواحل إيطاليا
هنا تذكر "ناجي" استغاثات ضحايا مركب رشيد بخفر السواحل المصرية دون مجيب حتى سقط ما يزيد عن 200 قتيلا، ليعقد مقارنة بين هذا الحادث وما شهده في رحلته "رغم أننا مكناش في ساحل إيطاليا بس أول ما شافت في الرادار إننا بنغرق بعتت إشارات للمراكب القريبة تنقذنا، لأن اللانش الحربي بتاعها بعيد عننا، أما في مصر سبوهم يموتوا ".
الهروب عبر الغابات
تغيرت قبلة "ناجي" من إيطاليا إلى اليونان، هكذا قرر قبطان المركب التي أنقذتهم حيث كان لديه شاحنة عليه التوجه بها إلى اليونان ثم العودة إلى مصر لمن يشاء الرجوع، واستقرت المركب عند جزيرة كريت .
بمجرد نزولهم من المركب ألقت السلطات اليونانية القبض على المهاجرين غير الشرعيين، واحتجزتهم 3 أيام ثم حولتهم إلى آثينا ومكثوا بها 12 يوما، وهناك عاود الاتصال بالسمسار الذي هربه من مصر ليجد له مخرجا .
دله السمسار على أحد الأشخاص ليهربه إلى فرنسا، وبالفعل اتجه إلى مقدونيا ثم صربيا، وقضى 10 أيام بين الغابات والتضاريس الجبلية تنقل فيها سيرا على الأقدام من دولة إلى أخرى، حتى وصل إلى حدود النمسا ومنها دخل ألمانيا، وهناك مكث في فرانكورت ثم اتجه إلى فرنسا، حتى وصل أخيرا بريطانيا حسبما كان يأمل .
مسارات التهريب من اليونان إلى بريطانيا
تلك الرحلة كلفت "ناجي" الكثير من المال، لا يعلم كم بلغت ولكن في كل بلدة كان يذهب إليها مبلغ معين يدفعه عنه المهرب المصري للمهرب الآخر الذي يتسلمه، على أن يأخذها من أهله بالقرية، مضيفا :"من الهم اللي كنت فيه مكنتش بسأل دفعو كام".
حين استرجع ناجي تلك الأيام وقسوتها على نفسه صمت وتنهد قليلا ثم عاود الحديث بنبرات أثقلها الحزن "أيام ما يعلم بيها إلا ربنا، شوفت ذل كتير ونمت على سكك، كان معايا ناس كتير سوريين ومن جميع أنحاء العالم، مشينا في الغابات زي القطيع".
صورة أرشيفية..مهاجرون عبر غابات مقدونيا
آمان الشرطة البريطانية
بعد كل هذه المخاطر بدأ أخيرا يتسرب إلى "ناجي" الشعور بالآمان بعدما وقع في قبضة الشرطة البريطانية "الشرطة هنا تحسس أنك في آمان، مش زي عندنا تخاف لما تشوفهم، عاملوني كويس جدا، البني آدم بيتعامل على أنه بني آدم مش زي عندنا".
اسمتعت الشرطة لرواية ناجي "عندي مشاكل أمنية في بلدي ومينفعش ارجع، اللي مش بيموت تحت إيد ضابط بيموت من الجوع، كفاية عندنا في القرية مصابين كتير بفيروس سي"، فأخرجوه من السجن ومنحوه مسكنا وأدخلوه المدرسة ليستكمل تعليمه.
"بيصرفوا علينا ويبجبولنا أكل وشرب ومش مخلينا محرومين من أي حاجة، بيعاملوا أي لاجيء كأنه من البلد ليه كل الحقوق"، يضيف ناجي: "الإنجليز يعتقدون أن المصريين يعيشون في رفاهية وآمان، لا يعلمون أن بلدنا كأي بلد لأهلها حق اللجوء والجنسية".
استمر "ناجي" في بريطانيا على أمل تحسين أوضاعه هناك، لا يعتزم العودة إلى بلده ثانية بل يتمنى لو سحبوا عنه الجنسية المصرية، ليختم قصته قائلا:"مرضاش تكون بلدي بكل الناس اللي بتموت فيها والظلم اللي فيها".