بينها الإكثار من الصدقات والصيام والتوبة
7 من الباقيات الصالحات.. اغتنمها في العشر الأوائل من ذي الحجة
نوافل الطاعات وفعل الخيرات جعلها الشرع الحنيف طليقة غير مقيدة بزمان ومكان معينين، فالصدقة والعمرة والصيام وذكر الله وبر الوالدين وصلة الأرحام وكافة أعمال الخير والصلاح تدور مع الإنسان حيث حل ووقتما انتوى...
ولكن من المقرر شرعا أن الله سبحانه فضل بعض الأماكن على بعض وبعض الأزمان على بعض، فجعل العملَ فيها أرْجَى للقبول والثوابَ عليها مضاعفًا، فــ {ليلة القدر خير من ألف شهر}، وعمرةٌ في رمضان تعدل حجة، والصدقة على ذي الرحم الكاشح صدقة وصلة، والصوم خير ولكن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كهيئة الدهر، وصلاة في المسجد الحرام كمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي كألف صلاة وفي المسجد الأقصى كخمسمائة صلاة، وعبادة في الهرج كهجرة إلي...
وإنما ذلك امتنان من الله على هذه الأمة المرحومة؛ فهي أقل الأمم عمرًا وعملًا وأكثرهم أجرًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صليت العصر، ثم عجزوا، فأُعْطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتيتم القرآن، فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب هؤلاء أقل منا عملًا وأكثر أجرًا، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء » صحيح البخاري.
وتظلنا أيام مباركة.. العمل الصالح فيها أعظم منه في غيرها، أيام هي خير أيام الدنيا، أقسم الله تعالى بفجرها وليلها وشفعها ووترها قال تعالى: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 1-4]..
عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن العشرَ عشرُ الأضحى، والوترُ يوم عرفة، والشفع يوم النحر» رواه أحمد..
وقال صلى الله عليه وسلم : "ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ (يعني أيامَ العشر) . قالوا : يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء". رواه أبو داود..
فيستحب في هذه الأيام الإكثار من الأعمال الصالحة وأفعال البر ومنها:
الإكثار من ذكر الله ودعائه وتلاوة القرآن الكريم..
قال تبارك و تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج : الآية 28).
ولما حث عليه الهدي النبوي من الإكثار من ذكر الله تعالى في هذه الأيام على وجه الخصوص ؛ فقد روي عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التكبير، والتهليل، والتحميد» رواه أحمد.
الإكثار من صلاة النوافل..
فهي من أفضل القُربات إلى الله تعالى إذ إن " النوافل تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه، ومن أسباب رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات..
فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال قلت بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» . رواه مسلم.
ذبح الأضاحي..
فهي العبادات المشروعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق، عندما يذبح القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل، ثم يأكل من أُضحيته ويُهدي ويتصدق ، وفي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء، والاقتداء بهدي النبوة المُبارك .
وأخرج ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ «الْعَجُّ وَالثَّجُّ». والعج التلبية والثج فنحر البدن.
الإكثار من الصدقات
لما فيها من التقرب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين ، قال تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد : 11] . ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم. ثم لأن في الصدقة أجرٌ عظيم وإن كانت معنويةً وغير مادية فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " على كل مُسلمٍ صدقة " . فقالوا : يا نبي الله ! فمن لم يجد ؟ قال : " يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق " . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : " يُعين ذا الحاجة الملهوف " . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : " فليعمل بالمعروف وليُمسك عن الشر فإنها له صدقةٌ". رواه البخاري.
الصيام..
فهو أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها، ولما روي عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المُباركة ؛ فقد روي عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر، أول اثنين من الشهر والخميس". رواه أبو داود..
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال : " يُكفِّر السنة الماضية والباقية " رواه مسلم .
قيام الليل..
فهو العبادات التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على المُحافظة عليها من غير إيجاب، ولأنها من العبادات التي تُستثمر في المناسبات على وجه الخصوص كليالي شهر رمضان المُبارك، وليالي الأيام العشر ونحوها. ثم لأن قيام الليل من صفات عباد الرحمن الذين قال فيهم الحق سبحانه : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } [الفرقان : 64].
التوبة والإنابة إلى الله تعالى..
فيشرع أن يُسارع الإنسان إلى التوبة الصادقة وطلب المغفرة من الله تعالى، وأن يُقلع عن الذنوب والمعاصي والآثام، ويتوب إلى الله تعالى منها طمعاً فيما عند الله سبحانه وتحقيقاً لقوله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور : 31].