بعد مغادرتها.. ما الدروس المستفادة من Ever Given؟
بعد إقامة ثقيلة الظل دامت لنحو 6 أيام رحلت السفينة البنمية العملاقة Ever Given من الممر الملاحي الاستراتيجي لقناة السويس، لتفتح الطريق أمام القوافل القادمة من خلفها، ولكن بعد تلك الأزمة التي خطفت الأنظار إليها وشلت حركة التجارة العالمية بنسبة كبيرة لعدة أيام وسط نزيف بالمليارات، ما هي الدروس المستفادة من أزمة "إيفر جيفن"؟..
وهو ما تطرق إليه ايضًا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلًا: "علينا الاستفادة من الدروس والعبر من حادث السفينة"..
السفن العملاقة.. والمواجهة الأصعب
أمام تلك السفن العملاقة التي تتزايد في الحجم يومًا بعد يوم .. هل نحن بحاجة لكراكات وقاطرات بمواصفات معينة؟ّ!؛ ربما "إيفر جيفن" بضخامتها خير وأقرب مثال يمكن الاستشهاد به فحجم تلك السفينة البنمية العملاقة التي يتجاوز طولها طول أربعة ملاعب كرة قدم حيث يبلغ طولها 400 متر وحمولتها نحو 18 ألف حاوية بسعة قصوى 20 ألف حاوية جعلت من مهمة تعويمها بعد جنوحها ووقفها بعرض الممر الملاحي أمر غاية في الصعوبة، ويحتاج إلى معدات ذات مواصفات عالية للغاية، وهو ما تسبب في تعليق العمل بقناة السويس بصفة مؤقتة للمرة الأولى في تاريخها منذ 67، لحين الانتهاء من محاولات نجاح التعويم على مدار 6 أيام والتي تكللت في نهاية المطاف بالنجاح بعد مجهود شاق والاعتماد على المد والجزر..
فعلى مدى عقود ، كانت خطوط الشحن تصنع سفنًا أكبر وأكبر، مدفوعة بتوسيع الشهية العالمية، فالسفن الأكبر حجمًا أرخص بشكل عام في البناء والتشغيل على أساس كل حاوية، لكن أكبر السفن يمكن أن تأتي مع مجموعة المشاكل الخاصة بها ، للقنوات والموانئ التي يتعين عليها التعامل معها.. حيث قال مارك ليفينسون ، الخبير الاقتصادي ومؤلف كتاب "Outside the Box" بحسب نيويورك تايمز: "لقد فعلوا ما اعتقدوا أنه أكثر كفاءة لأنفسهم - جعلوا السفن كبيرة - ولم يولوا اهتمامًا كبيرًا على الإطلاق لبقية العالم".
ووفقًا لشركة Alphaliner، وهي شركة بيانات، فإن اسطول سفن الحاويات يشتمل على 133 من أكبر أنواع السفن - تلك التي يمكن أن تحمل 18000 إلى 24000 حاوية، و(ايفرجيفن) واحدة منهم فهي أطول من مبنى إمباير ستيت وقادرة على حمل أثاث لـ 20 ألف شقة، -بحسب التقرير ذاته- ويوجد 53 سفينة أخرى عملاقة تحت الطلب، ففي ذلك العقد؛ نما متوسط سعة سفينة الحاويات بنسبة 28%، وفقًا لمنتدى النقل الدولي ، وهو وحدة تابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
أزمة "إيفر جيفن" الأخيرة التي تسببت في توقف 12% من التجارة العالمية لمدة 6 أيام كاملة نتيجة صعوبة تعويم تلك السفينة العملاقة التي وقفت بعرض المجرى الملاحي، جعل القائمين بهيئة قناة السويس يفكرون خلال المرحلة المقبلة في امتلاك كراكات وقاطرات أعلى في الامكانيات من تلك الموجودة حاليًا للتعامل مع مثل هذه السفن العملاقة لتي بدأت تغزو البحر يومًا بعد يوم..
حيث قال الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، إنه تم الخروج بعدة دروس مستفادة أهمها تحديث أسطول الكراكات بالقناة، والذي تم البدء فيه بالفعل.
ففي 19 مارس الجاري أعلنت هيئة قناة السويس عن استعداد الكراكة مهاب مميش أحدث وأكبر كراكات الشرق الأوسط للانضمام لأسطول هيئة قناة السويس بعد اكتمال بنائها بترسانة Royal IHC الهولندية وانتهاء تجارب البحر والتكريك بهولندا، فمن المقرر أن تصل محمولة على متن إحدى سفن الشحن الثقيل من ميناء روتردام إلى ميناء بورسعيد، حيث يبلغ طول الكراكة ١٤٧,٤متراً، وعرضها ٢٣متراً، بعمق ٧,٧ متر، وغاطس ٥,٥متر، وقدرة كلية ٢٩١٩٠ كيلو وات
وأفادت قناة السويس أن تلك الخطوة جاءت تنفیذا لتوجیھات رئاسية لتعظیم أصول الھیئة وتطوير وتحديث أسطول الكراكات والوحدات البحرية التابعة لھا ضمن استراتیجیة الھیئة ٢٠٢٣.
على الصعيد الآخر؛ ربما تفكر شركات الشحن في صناعة سفن أقل حجمًا تكون عملية بصورة أكبر ويسهل التعامل معها في حال وجود ايًة أعطال أو حوادث جسيمة كتلك التي وقعت في قناة السويس، وحتى لا يطاردها شبح التعويضات التي تقدر بالمليارات يومًا ما، كما هو الحال الآن مع شركة "إيفر جرين"..
نقاط الإختناق
مع ضخامة حجم السفن كـ "إيفر جيفن" ربما بات التفكير في إعادة تخطيط نقاط بعينها في الممرات الملاحية أمر يحتاج إلى اعادة نظر، فحينما جنحت السفينة التي يبلغ طولها 400 متر بعرض الممر الملاحي الذي يقل عرضه النصف عن طولها حيث يبلغ 225 متر، باتت فكرة التعويم مهمة غاية في الصعوبة، واستغرقت عدة أيام، وهو ما تسبب في تعطل الحركة لـ 12% من التجارة العالمية وخسارة قدرت في اليوم الواحد بالمليارات حيث وصلت إلى 10 مليار دولار يوميًا على مستوى العالم ونحو 14 مليون دولار لقناة السويس في اليوم.
تلك النقاط الضيقة بعض الشئ مقارنة بأحجام تلك السفن العملاقة التي تتوسع يومًا بعد يوم، تعرف بـ "نقاط الاختناق"؛ ويقول كريس براينت بحسب مقال له نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلًا عن "بولمرج" تحت عنوان "نقاط الاختناق في العالم كثيرة": يعود جزء من هذا الموقف إلى سوء حظ ليس أكثر، فقد حرصت مصر على توسيع أجزاء من القناة للسماح بالحركة من خلالها في اتجاهين واحتواء ناقلات أكبر، إلا أن سفينة «إيفر جرين» خرجت عن مسارها وعلقت بصورة جزئية داخل الممر الملاحي الذي ما يزال ضيقًا.
وتابع: هذا الحادث يعتبر كذلك بمثابة تذكير لنا بأنه حتى حضارة متقدمة كحضارتنا ما تزال لديها نقاط ضعف خطيرة، فعلى الصعيدين الاستراتيجي والعسكري، تعرف مثل هذه النقاط الضيقة الأقرب إلى عنق الزجاجة باسم «نقاط الاختناق»، وغالبًا لا نوليها القدر الكافي من الاهتمام حتى يقع خطأ ما.
وأضاف: فلم يتطلب الأمر سوى عاصفة رملية نجم عنها وقف تدفق حاويات البضائع وشحنات النفط العالمية، فقد عرقلت السفينة «إيفر جيفين» التي جنحت في قناة السويس الثلاثاء الماضي، الملاحة في المجري المائي الذي يمر من خلاله 10% من تجارة العالم..
فقناة السويس تعد أماكن هامة تلجأ سفن الشحن العالمية للعبور من خلالها لتوفير الوقت، فالبديل يتمثل في قطع مسافات أطول وأقل أمانًا وأكثر تكلفة كالعبور من رأس الرجاء الصالح، أو استخدام طرق شحن أخرى باهظة الثمن.
أوناش عملاقة لرفع الحاويات
منذ اليوم الأول لجنوح السفينة العملاقة "إيفرجيفن" طرح الكثيرون سيناريو تفريغ الحمولة لتسهيل عملية التعويم، إلا أن هذا الحل كان موضوعًا كخطة أخيرة إذا ما باءت جميع المحاولات الأخرى بالفشل نظرًا لصعوبة تنفيذه، كونه سيستغرق وقتًا فضلًا عن عدم توافر اوناش بمواصفات تلائم الوضع أو سفن للتفريغ بها..
فكل 202 طن يتم تفريغهم يعملوا على رفع السفينة 1 سم، لذا فإنه في أزمة "إيفر جيفن"، -بحسب الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس-، وعليه تم تخفيف 9 آلاف طن من مياه الاتزان وهو ما تسبب في رفع حوالي 25 سم، ولكن فكرة تفريغ حمولة السفينة التي يبلغ ارتفاعها 52 مترًا وبها 18 ألف حاوية تم وضعه كسيناريو أخير نظرًا لصعوبة تنفيذه من حيث الوقت وعدم توافر معدات ملائمة.
فمن جانبه؛ وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي حينها بالاستعداد لهذا السيناريو ايضًا الخاص بتفريغ الحاويات من "إيفر جيفن" لتسهيل عملية التعويم، بتجهيز المعدات اللازمة مهما كلف الأمر.
وقال الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، إنه لأول مرة في العالم تحدث عملية انقاذ لسفينة حاويات جانحة دون تفريغ الحمولة، وأنها خرجت دون اصابات أو تسريب زيوت أو مواد بترولية..
وتحدث الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس السابق ومستشار الرئيس لمشروعات محور قناة السويس والموانئ، عن الدروس المستفادة من أزمة جنوح السفينة "إيفر جيفن" بحسب بي بي سي عربي قائلًا: "الأزمة كشفت أننا بحاجة إلى أوناش كبرى تستطيع رفع الحاويات كبيرة الحجم على السفن العملاقة".
ولفت إلى أننا بحاجة ايضًا إلى قاطرات أقوى نظرًا لأن أحجام السفن باتت عملاقة وهناك تحديث دائم في عملية بناء السفن.
إعادة التسليط على أهمية القناة
أزمة ايفرجيفن الأخيرة اعادت تسليط الضوء على أهمية قناة السويس كأحد أهم الممرات الملاحية، من خلال حجم الخسائر اليومية لمصر ودول العالم وتأثيرها على ارتفاع أسعار مثل النفط عند توقف المجرى الملاحي لأيام قليلة.
وفي تقرير نشرته نيويورك تايمز وحرره Jeremy Engle؛ قال فيه: أن تلك الأزمة سوف تعلم المزيد عن أهمية قناة السويس وكيف يمكن لسفينة واحدة محاصرة أن تعطل الاقتصاد العالمي بمفردها.
أما واشنطن بوست فنشرت تقريرًا أفادت فيه أن الطلاب سيتعلموا كيف أدت السفينة المنفردة إلى تعطيل التجارة العالمية التي انقلبت بالفعل بسبب الوباء ..
فبعد أن بدأت مؤشرات الاقتصاد العالمي في التعافي من تداعيات جائحة "كوفيد -19"، جاءت أزمة السفينة البنمية لتثير المخاوف حول تراجع هذه المؤشرات مرة أخرى، فغلق قناة السويس في أعقاب جنوح سفينة الحاويات العملاقة "إيفر جيفن" أثر على التجارة العالمية..
حيث كشف تقرير صادر عن مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء نقلًا عن وكالة "بلومبرج وفاينانشيال تايمز" عن أن توقف المجرى الملاحي لقناة السويس سيكلف العالم الكثير من الأموال..
فالخسائر الناتجة عن توقف قناة السويس قدرت بنحو 10 مليارات دولار يوميًا، مشيرة إلى أن البضائع العابرة من قناة السويس من سلع نفطية وغير نفطية تقدر بنحو 10 مليارات دولار.
ففي ساعة واحدة فقط تبلغ حجم خسائر التجارة العالمية نحو 400 مليون دولار على خلفية تلك الأزمة، أما خسائر مصر فتراواحت بين 18 إلى 20 مليون دولار في اليوم إثر تعطل القناة، حيث أن معدل عبور السفن بالقناة في اليوم الواحد يصل إلى 52 سفينة.
وسلط الانفوجراف الذي نشره مركز معلومات مجلس الوزراء الضوء على ارتفاع أسعار النفط كنتيجة لتوقف قناة السويس، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 6 % تقريبًا ليصل إلى 64 دولارًا للبرميل..
وأشار إلى أن أكثر من 50 سفينة تبحر عبر قناة السويس يوميًا، كونها تعد الشريان الرئيسي للتجارة العالمية إذ يمر بها ما لا يقل عن 10 % من التجارة البحرية العالمية وتصل تلك النسبة إلى 12 %، وكذلك 10 % من شحنات النفط المنقول عبر البحر، الأمر الذي يخلق مخاوف كبيرة بشأن تعطيل سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم.
رجل العام
من الدروس المستفادة ايضًا من أزمة إيفر جيفن، عدم الاستهانة بأي مهنة مهما بدت صغيرة فإلى جوار تلك السفينة البنمية العملاقة جاء للمساعدة في عملية تحريرها جرارًا متناهي الصغر مقارنة بحجمها لرفع التكيسات الرملية من حولها، في مشهد لفت أنظار العالم اليه وتصدر أغلفة المجلات العالمية تحت عنوان Person of the year
وقع الحادث صباح الثلاثاء الماضي، وارجعته هيئة قناة السويس في البداية بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرًا لمرور البلاد بعاصفة ترابية، بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها، بحسب البيان الصادر عن الصفحة الرسمية لقناة السويس حينها.
وعن ملابسات واقعة جنوح السفينة البنمية، أوضح الفريق أسامة ربيع، رئيس قناة السويس، أن السفينة البنمية EVER GIVEN عبرت قناة السويس يوم الثلاثاء الماضي ضمن قافلة الجنوب المتجهة من السويس إلى بورسعيد وسبقها في العبور إثنى عشرة سفينة، كما عبرت في ذات اليوم، من قافلة الشمال ٣٠ سفينة وتوقفت السفن للانتظار ببحيرة التمساح ومنطقة البحيرات، لافتا إلى أن إجمالي عدد السفن المنتظرة في مناطق الانتظار حتى الجمعة الماضية بلغ ٣٢١ سفينة يتم تقديم لهم كافة الخدمات اللوجيستية.
وأوضح رئيس الهيئة أن الحادث وقع في بداية المدخل الجنوبي للقناة وليس بقناة السويس الجديدة، بل على النقيض لم تكن لتتوقف حركة الملاحة بالقناة إذا حدثت في قناة السويس الجديدة.
وأكد على أنه لا يمكننا الجزم بالأسباب المؤدية للحادث بشكل واضح، حيث تظل مثل هذه الحوادث الكبيرة حوادث مركبة لها أكثر من عامل ويظل عامل الطقس السيئ مجرد عامل مساعد وليس العامل الرئيسي لاسيما وأن الملاحة في قناة السويس تنتظم بشكلها الطبيعي حتى خلال موجات الطقس السيئ، لقراءة المزيد اضغط هنــــا
اقرأ ايضًا:
«والله وعملوها الرجالة».. تفاصيل ملحمة 6 أيام لتعويم السفينة الجانحة