"داعش" بين الجهادين.. الأصغر والأكبر

رجائي فايد

رجائي فايد

11 أغسطس 2017

دُعيت للمشاركة في احتفالية نظمها صالون الحضارات، التابع لكتلة الحكمة البرلمانية العراقية، وهي تيار سياسى جديد يتزعمه السيد عمار الحكيم، كانت الاحتفالية في أحد الفنادق الفاخرة بالقاهرة، وكانت المناسبة هي الاحتفال بالانتصار على تنظيم داعش في الموصل واختتام الموسم الثقافى للصالون، بعد عزف السلامين الجمهوريين لمصر والعراق.

 

تم عرض فيلم عن تحرير الموصل وما سبق ذلك التحرير من تحضيرات أهمها فتوى الجهاد الكفائى للسيد على السيستانى المرجع الشيعى الأعلى للعراق، والتى على أثرها تدفق المتطوعون بالملايين على مراكز التطوع لمواجهة الخطر التترى الداعشى، ورغم أن معظم الكلمات كانت تتحدث خلال الاحتفالية، عن توحد كافة المكونات العراقية في مواجهة داعش، إلا أن الفيلم الذي تم عرضه وهو الأكثر تأثيرا عرض الأحداث بطائفية واضحة، فقد أرجع الفضل الأول وربما الوحيد في عملية تحرير الموصل لميليشيات الحشد الشعبى ولقادتها، بدءا من فتوى السيد على السيستانى، إلى مشهد ملايين المتطوعين على أبواب مراكز التطوع، ثم العمليات القتالية للحشد الشعبى ولاستعراضاتهم، ويتخلل عرض ذلك مشاهد لزعماء الشيعة كالسيد السيتانى والسيد عمار الحكيم وبعض رجال الدين على المنابر في الحسينات وهم ينقلون فتوى المرجع الأعلى ويحفزون الشباب على التطوع.

 

وشكل هذا المشهد السلبية الوحيدة في اللقاء، والتى كان لها وقع آخر علىّ، فرغم أن داعش في حد ذاتها شكلت كارثة حلت بنا، إلا أنها في المشهد العراقي كانت لها إيجابية تمثلت في التوحد الذي تكون بين كافة الطوائف العراقية في مواجهة الخطر الداعشى، الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والحشد الشعبى وقوات البيشمركة والحشد الوطنى والعشائر، الجميع داس على ثارات الماضى ونسى الصراعات الدموية فيما بينهم، وتكاتفت الأيدى في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد وجود الدولة العراقية ذاتها، وكان لي نصيبا ولمرتين للحديث في هذه الاحتفالية، المرة الأولى تحدثت عن ذكرياتى التي عشتها في الموصل، فالموصل إحدى الحواضر العربية، هي الموصل، وهي نينوى نسبة إلى محافظتها، وهي أم الربيعين فاحتفالات عيد الربيع العراقية كانت تتم فيها، وهي الحدباء نسبة إلى المنارة الحدباء في جامع النورى الكبير، والتى هي إحدى الآثار الإنسانية والمسجلة في اليونسكو، ومساجد الموصل الأثرية عديدة، مسجد ذى النورين، أو المسجد النورى الكبير، ومسجد النبى شيت بن آدم عليهما السلام، ومسجد النبى يونس ذنون، وبالموصل متحفها الكبير الذي يضم نفائس الحقبة الآشورية، هذا المتحف الذي رأى العالم هؤلاء الهمج وهم يحطمون تماثيله وكأنها كانت من وجهة نظرهم أصنام الجاهلية، وعددت ذكرياتى في المدينة، والتى لا يمكن لي أن أراها الآن وهي على ما وصلت إليه من حال مأساوى، فكل شيء فيها قد تهدم. وتحدثت عن سمات ابن الموصل والذى يطلق عليه عراقيا المصلاوى، هو إنسان ذكى، وبنّاء، ولذلك فإننى على ثقة من أنه سيعيد بناء مدينته من جديد.

 

وكلمتى الثانية كانت تعقيبا على كلمة رئيس الصالون، والتى تطرق فيها إلى ضرورة التوحد بين الجميع (داخل العراق وخارجه)، كى ننهض بأمتنا، وطلبت الكلمة وقلت، السلاح يواجه بالسلاح، في حين أن الفكر يواجه بالفكر، وإذا كنا قد انتصرنا على داعش في معركة الموصل، فإن ذلك يعتبر الجهاد الأصغر في حين أن الجهاد الأكبر لم نقم به بعد، فداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية هي فكر، وبالتالى فلابد أن يواجه بالفكر، نحن لدينا مؤسسة علمية عظيمة هي الأزهر، الجامع والجامعة، القيمة والقامة، وبالرغم من وجودها بيننا، فإن الشاب الغض يعطيها ظهره ويتوجه لآخرين ربما علاقاتهم بالدين حديثه لا تتجاوز الشهور، وبالتالى لا يعلم هؤلاء من الدين إلا القشور، لماذا فقد هذا الشاب الثقة بالأزهر، ووضع ثقته في شخص لا يعرف من الدين الإسلامى الصحيح شيئا، وفي الأغلب فإن معلوماته تلك مغلوطة وعند حدها الأدنى مشوشة، إن استطعنا الإجابة على هذا السؤال فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق الصحيح الذي نضمن من خلاله، أن يكون شبابنا لنا لا علينا، إضافة لقدراتنا لا خصما من تلك القدرات، وذلك هو الجهاد الأكبر الذي لا بدَّ أن يأتى بعد الجهاد الأصغر والذى تحقق بالانتصار على داعش بالسلاح، وبعكس ذلك فإننا إن قضينا بالسلاح على داعش، فستظهر من رماد احتراقها داعش جديدة وتحت مسميات جديدة، وفي الأغلب تكون أكثر عنفا، لأنها ستحمل ثارات ما حل بداعش