منتدى شباب العالم.. التسويق قبل السلعة

منتدى شباب العالم.. التسويق قبل السلعة

تامر أبو عرب

تامر أبو عرب

12 نوفمبر 2017

أعتذر لك مقدمًا عزيزي القارئ لأنك لن تقرأ هذا المقال بسهولة، فقد فشلت كل محاولاتي لنشره في مواقع مصرية مفتوحة بحكم أنه يحتوي على نقد لمنتدى عقد لحث الناس على الكلام!، لذلك لم يكن هناك مفر من نشره في موقع من الـ400 موقع المحجوبين منذ شهور بقرار لا نعرف مصدره ولأسباب لم يعلن عنها أحد.

 

We need to talk فعلا.. لكن من يطلب منا أن نتكلم هو من يجبرنا على الصمت!

 

(1)

"إن الحوار وتبادل الرؤى هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات".

 

قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء كلمته داخل قاعة على شاطئ البحر الأحمر شهدت افتتاح منتدى الشباب الدولي بشرم الشيخ داعيا العالم كله إلى ممارسة فضيلة الحوار، بينما كان يمكن للواقف على باب القاعة أن يرى بوضوح جزيرة تيران المصرية التي قرر الرئيس التنازل عنها للسعودية مع جزيرة صنافير دون أن يفتح أي حوار بشأنهما أو يلتزم بأحكام القضاء التي تؤكد مصريتها، وقطع طريق الاعتراض أمام الجميع قائلا: "محدش يتكلم في الموضوع ده تاني"!

 

نصدّق ونؤمن وتدعمنا تجارب التاريخ والجغرافيا بأن الحوار والسماح للمختلفين بالتعبير عن آرائهم قولا وكتابة وسياسة هو البديل الأوحد للتطرف وحمل السلاح، لكن هل تؤمن الدولة بذلك فعلا؟

 

وجهت الدولة الدعوة للمئات من شباب العالم، ووجهتها لشباب مصريين من أعضاء البرنامج الرئاسي، أو من أعضاء الأحزاب والحركات السياسية المنخرطة في ائتلاف دعم مصر أو تدور في فلكه، لكن دعوة واحدة لم تضل طريقها لتصل إلى شاب ينتمي إلى حزب معارض أو حركة شبابية ليست على هوى الدولة، فأي حوار هذا الذي يُستثني من حضوره مبدئيا كل من ينتمي إلى كيان سياسي يعارض النظام؟ وما فائدة أن تتحدث دوما إلى نفسك؟

 

وبينما كان شعار ((we need to talk  يغرق كل شبر من أرض المنتدى كانت محكمة النقض تؤيد حبس علاء عبد الفتاح لمدة 5 سنوات في قضية تعبير عن الرأي، وخالد علي يقف أمام المحكمة بسبب بلاغ مضحك قُدّم ضده فور إعلانه التفكير في خوض انتخابات الرئاسة، وأحمد دومة يقضي أسابيع إضافية في السجن رغم قبول نقضه ووجوب الإفراج عنه، فيما تمضي سنوات عمر شوكان وإسماعيل الإسكندراني وهشام جعفر في الحبس الاحتياطي بلا تهمة سوى أنهم "تكلموا"، وهو حال إسلام مرعي وشباب حزب الدستور والمصري الديمقراطي والعيش والحرية المنتمين لأحزاب سياسية شرعية والموجودين في الزنانزين رغم أن موقعهم الطبيعي منصات المنتدى كمشاركين في الحوار، وناشطة سياسية يتم تشويهها والخوض في حياتها الشخصية حتى في صحف الحكومة الممولة من جيوب الناس لا السلطة لأنها تجرأت نظمت فعالية موازية للمنتدى، والأسوأ هو حالة المواطن جمال سرور الذي توفي داخل محبسه بالتزامن مع المنتدى لأنه أثناء احتفاله مع نوبيين آخرين بالعيد عبروا عن رأيهم وطالبوا بتطبيق النص الدستوري الذي يلزم الحكومة بإعادتهم إلى موطنهم الأصلي.

 

لا نريد اختصار شباب مصر في سجناء الرأي، لكنه لا يُعقل أيضا أن يتم اختصارهم فيمن يؤيدون!

 

(2)

ماذا تريد؟

هناك فارق بين أن تفتح حوارا وأنت مستعد لتصحيح مسار خاطئ، وأن تجمع الناس لإقناعهم بصحة المسار الخاطئ، وظني أن المنتدى كان ينتمي للفئة الثانية.

 

حضر طوال الوقت خطاب الإرهاب واللاجئين المعتاد، ليس كظاهرة عالمية نبحث عن حلول لمواجهتها بل كحجة نرفعها لنبرر بها أي إجراءات خاطئة نتبعها أو انتهاكات نرتكبها، وكفزاعة للتخويف من التغيير والمطالبة بالإصلاح وكأن الإرهاب بديلا أكيدا للاستبداد لا نتيجة طبيعية له.

 

لذلك لم تخلُ جلسة تقريبا بمنتدى من بين أهم أهدافه جذب السياحة من ذكر كلمة الإرهاب والتخويف من شر الجماعات المسلحة والتذكير بجرائمها على لسان المتحدثين المصريين، بدءا من رئيس الجمهورية مرورا بالمسؤولين والوزراء والصحفيين، ووصولا حتى إلى ممثل مصر في نموذج محاكاة مجلس الأمن.

 

غابت أهم القضايا الخلافية التي تشغل الشباب في منتدى للشباب، رغم أن كلمة "حوار" التي ذكرها الرئيس أكثر من مرة تعني وضع المسائل الخلافية على الطاولة والوصول إلى حلول وسط بشأنها.

 

لم يكن في المؤتمر مسائل خلافية من ذات الأولوية، تخيل مثلا أن منتدى هدفه طرح القضايا التي تهم الشباب لم تُخصص جلسة واحدة من جلساته الـ46 لمناقشة قضايا الديمقراطية وتداول السلطة أو الحريات العامة أو حقوق الإنسان أو أبجديات الممارسة والمنافسة السياسية – بخلاف جلسة واحدة عن حرية الصحافة سنذكرها لاحقا – لأن الخوض فيها انتقادات كثيرة لسلطة لديها مشاكل عميقة في هذه الملفات.

 

كان البديل إذًا العناوين الفضفاضة العامة من نوعية صدام الحضارات والتنمية المستدامة وتغير المناخ، وهي وإن كانت قضايا مهمة فعلا لكن الخوض فيها الآن بعيدا عن قضايا أكثر إلحاحا ومصيرية أقرب إلى إنشاء حمام سباحة أوليمبي في قرية ليس بها مياه نظيفة ولا صرف صحي.

 

(3)

على شاشة ضخمة داخل إحدى القاعات الفرعية بمنتدى الشباب عرض ستيفن بريتشارد المدير التنفيذي بصحيفة أوبزرفر البريطانية خريطة مراسلون بلا حدود التي تقسم دول العالم إلى 5 ألوان تتدرج من الأبيض إلى الأسود حسب أوضاع حرية الصحافة بها.

 

بالطبع كانت مصر ملونة بالأسود مع دول أخرى مثل ليبيا والسودان والسعودية وسوريا وإيران والصين وكوريا الشمالية كأكثر دول العالم انتهاكا لحرية الصحافة، وتحدث بريتشارد عن أهمية الصحافة الحرة كأحد آليات الديمقراطية وضرورة تمتعها بالاستقلالية والقيام بدورها كأحد أهم وسائل الرقابة المجتمعية، رافضًا تقديم أي تبريرات لمنعها من القيام بهذا الدور.

 

ولأنها الجلسة الوحيدة التي حمل عنوانها كلمة "حرية" تخلف جميع المسؤولين عن حضورها، ربما لأنهم يعرفون مسبقا ما يمكن أن يقال فيها، لا حضرها الرئيس السيسي ولا الوزراء ولا كبار المسؤولين ولا حتى أي من رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث رغم كونها في صلب اختصاصهم ورغم وجودهم فعلا في المنتدى، لم يحضر أي شخص ذات صفة رسمية سوى ضياء رشوان رئيس الهيئة الوطنية للاستعلامات.

 

ورغم أنه نقيب سابق للصحفيين لكن "رشوان" انزعج كثيرا من حديث ستيفين بريتشارد وسعاد الطيب مديرة إذاعة مونت كارلو الدولية عن أهمية حرية الصحافة، فتحدث عن الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر منذ ثورة يناير وصعوبة مقارنتها بدول العالم المستقرة التي تنعم بصحافة حرة، وأكد أن أوروبا احتاجت لنحو 70 عامًا بعد قيام الثورة الفرنسية لتظهر الأوبزرفر ويتبلور مفهوم الصحافة الحرة قائلا: "مش هنقول لكم استنوا علينا 70 سنة لكن اصبروا علينا بعض الوقت"!

 

بعده حاصر "الصحفيون" و"الإعلاميون" الذين حضروا الندوة بريتشارد والطيب بمداخلات من نوعية دور الصحافة في صيانة الأمن القومي وحدود حرية الإعلام التي تمنع هدم الدولة ووجوب ألا تكون هذه الحرية مطلقة، وعندما نشر "صحفيون" آخرون أخبار الجلسة في مواقعهم غيروا عنوانها ليكون "دور الصحافة في بناء المجتمع" رغم أن الصورة المنشورة مع الخبر يظهر عنوان الندوة فيها بوضوح على الشاشة الخلفية " press freedom.. why it matters" ثم في التفاصيل استبعدوا كل النقاش الذي دار عن حرية الصحافة وانتقوا أجزاء تحدث فيها الضيوف بكلام عام عن ضرورة وجود ميثاق شرف صحفي والابتعاد عن الأخبار الكاذبة.

 

تتمنى كل سلطة لو أصبح الإعلام ملك يمينها وليس رقيبا عليها، لكنها لا تستطيع أن تصل لذلك من دون مساعدة أشخاص ينتمون للمهنة اسمًا ويتآمرون عليها فعلًا.

 

(4)

ليكون للكلام جدوى يجب أن يكون هناك من يسمع ويهتم ويحترم حق الناس في المعرفة، وتحدث مشاركون في المنتدى أكثر من مرة عن الشفافية وضرورة توفير المعلومات، ورغم ذلك هناك حالة عدم شفافية كاملة تخص المنتدى نفسه ومن قبله مؤتمرات الشباب.

 

تساءلت سابقا وتساءل كثيرون عن الطريقة التي يتم بها تمويل هذه المؤتمرات خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر منذ سنوات، ورغم ذلك لم يخرج مسؤول حكومي واحد ليوضح الأمر للناس ويكشف بالتفصيل طريقة تمويل المؤتمرات، وتُرك الأمر كالعادة للمبررين التقليديين ليتحدثوا عن وجود ممولين ورعاة لهذه المؤتمرات، لكن هذا الحديث نفسه يطرح أسئلة إضافية.

 

هل يدفع الرعاة تكاليف المؤتمرات كاملة أم تدفع جزءا وتتحمل الدولة الباقي؟ وإذا كان الاحتمال الثاني فما هي نسبة مشاركة الدولة بالتحديد؟ وإذا كانت التكلفة بالكامل يتحملها رعاة فعلى ماذا يحصلون في المقابل؟ وهل يتحملوها من ميزانية التسويق في شركاتهم أم تحت بند المسؤولية الاجتماعية؟ ولو كان تحت بند المسؤوليه الاجتماعية فهذا يعني أنه مخصوم من الضرائب وكان يمكن توجيهه لبناء مدارس ومستشفيات وتوصيل مياه نظيفة لقرى فقيرة، فما هي الأولية في الوقت الحالي؟ وإذا كان ميزانية التسويق هل يعني ذلك أن هذه الشركات تجرؤ على تمويل مؤتمر مستقل أو نشاط شرعي لا ترضى عنه الدولة؟

 

أسئلة قديمة لم تجد إجابة عبر 3 مؤتمرات سابقة. نتمنى الإفصاح عنها الآن.

 

(5)

تحدث كثيرون عن التنظيم الجيد للمؤتمر، لكن المضمون دوما أهم من الشكل، ووضع قطعة بازلت في علبة مجوهرات لن يحولها إلى حجر ثمين.

 

ستنتهي غالبية مشاكلنا إذا اقتنع النظام بأن المشكلة في السياسات التي يتبعها وليس في طريقة تقديمها للخارج، وبأن الحوار مع شباب مصر أولى الآن من الحوار مع شباب العالم، بشرط أن يكون حوارا جادًا يهدف للوصول إلى الحقيقة لا يدّعي مسبقًا احتكارها.

 

لا يمكن أن تتحاور مع أحد ومسدسك في رأسه، تغلق المواقع المهنية والمستقلة والمعارضة، وتسيطر تماما على الإعلام وتحدد مذيعيه وضيوفه، وتحظر التظاهر ولو حصل أصحابه على تصريح، وتصنع برلمانا مشوّها يعبر عن السلطة لا الناس، وتخنق السياسة ولا تسمح للأحزاب بالعمل، وتشيطن وتشوّه مخالفيك، وتطارد كل من يفكر في منافستك.