
أستاذي الفاضل هشام جعفر.. هلا أخرجوك من العقرب!

ليلى حلاوة
20 سبتمبر 2016كنت بالصف الثالث الجامعي كلية الإعلام قسم صحافة، تمنيت لو التحقت بمكان يمكنني فيه ممارسة الصحافة والكتابة بشكل عملي، وياحبذا لو كسبت مبلغا من المال، فهذا يوم المنى وتحقيق الذات، كنا نسأل الجميع عن منفذ حتى نتمكن من تحقيق أحلامنا، حتى وصلتني بطاقة تعريف مكتوب عليها "هشام جعفر" رئيس تحرير موقع إسلام أون لاين. نت.
أخذت أؤجل في الاتصال، فلم تواتني الجرأة في لحظتها كي اتصل بهذا الرجل، فهو رئيس تحرير، وأخذت أرتب في أفكاري، وأنمق الكلمات التي سأقولها له في التليفون حتى لا أتلجلج أو يتهمني بالغباء أو أنني لست مؤهلة للعمل معه.
وفي أحد الأيام وبينما كنت أجلس وحدي قررت الاتصال وما يحدث فليحدث. اتصلت وفجأة جاء الرد، فلم يتأخر طويلا ولم يؤجل للمرة القادمة، فقط جاء الصوت "ألو"، فرددت مسرعة: نعم، اسمي ليلى أدرس بكلية الإعلام وأريد أن اعمل أو أتدرب معكم في موقع إسلام أون لاين.
ليقول لي هو وبصوت هادىء: حسنا ليلى هل تعرفين العنوان، تعالي غدا إلى المقر في الدقي، واسألي على فلان الفلاني، فنحن لدينا موقع اسمه عشرينات وهو في حاجة إلى شباب مثلك، وأنهيت المكالمة بعدما شعرت بترحيب وجدية وأن الأمور كلها ستسير على ما يرام.
قلت في نفسي: ماذا؟ هل وافق الرجل بهذه السرعة، هل الأمر بهذه البساطة. ياللهول.
ارتفعت روحي إلى عنان السماء وابتسمت أعرض ابتسامة من الممكن أن تحدث، وأخذت أحدث زميلاتي في المدينة الجامعية عن تلك المكالمة وأنني بصدد العمل.
ذهبت إلى إسلام أون لاين، وقلت لفلان الفلاني أنني من طرف أستاذ هشام جعفر، فاقابلني باهتمام، وسألني عن أفكاري وأخذت ادخل عالم الكمبيوتر والإنترنت وكنت لا أعرف عنهما شيء، وكذلك عالم الكتابة الحقيقي، واجهت بعض الصعوبات في الكتابة برشاقة تناسب موقع عشرينات في ذاك الوقت، حاولت كثيرا ولم ينشر لي سوى موضوع أو إثنين.
فما كان مني إلا أن بكيت وذهبت فاقدة الأمل في نفسي، وبعد فترة لم أجد بدا من الاتصال بالأستاذ مرة أخرى قائلة له: عذرا هل يمكنني العمل في موقع إسلام أون لاين نفسه فلم أفلح في الكتابة في موقع عشرينات، وجاءني الرد هذه المرة مثلما جاء في المرة السابقة، حسنا ياليلى ما هو القسم الذي تفضلين الكتابة فيه، فقلت له يعجبني قسم الوثائق الذي تتحدثون فيه عن التاريخ فأنا أحب التاريخ، وكذلك من الممكن أن أعمل في قسم حواء وآدم.
قال لي "فرج الله كربه": حسنا ليلى تعالي غدا واسألي عن فلان الفلاني فهو رئيس القسم قابليه وحاولي التعاون معه.
هذه المرة ذهبت وفي يدي صديقتي المقربتين، فكنا جميعا بحاجة إلى العمل، فقابلني رئيس القسم، وفوجىء أننا ثلاثة، ولم يعلق فقط كان يوجه كلامه إلى، وبدأت أولى خطوات العمل في مجال الصحافة.
كان الأستاذ يقابلني بعض المرات صدفة على السلم أنا صاعدة وهو في طريقه للخروج، وبالرغم من سرعته التي تكاد تجعله يقفز على العتبات نزولا، إلا أنه كان يقف لثواني معدودة وينظر في اهتمام بالغ كأنني مديرة تحرير الموقع، "كيفك ليلى وكيف العمل مع القسم الجديد، هل تحتاجين شيء".
يإلهي، من هذا الرجل الذي يجعلني أشعر كأنني شخص مهم وكيف أنه يعرفني في كل مرة ولا ينسى اسمي على الرغم من اللقاءات المتباعدة صدفة هنا أو هناك.
تطور وجودي في موقع إسلام أون لاين، وأصبحت أعمل بدوام وبشكل ثابت، والجديد كان حضوري لاجتماعات مجلس التحرير، فلا مانع من حضوري إياها، فقد كانت الفرصة متاحة للجميع بالمشاركة، فما أن يتخلف رئيس القسم حتى يدعو الأستاذ أحد محرري القسم للحضور مكانه ويعطه الفرصة ليطرح خطة القسم الفترة القادمة.
لا أذكر مرة أنه كان يمر دون أن يسلم علينا جميعا فريق المحررين الكبير جدا في موقع إسلام أون لاين في ذاك الوقت. كان يقف مع كل واحد ليسأله عن أسرته وأولاده وكيف أصبح.
ثم تزوجنا فقد كنت وزوجي نعمل في الموقع نفسه مع الأستاذ، فما كان منا في أحد المرات إلا أن دعوناه لزيارتنا في بيتنا الجديد، في دعوة عادية لا تعني شيئا من الجدية، ولكنه الواجب، ولكن الرد هذه المرة أيضا أذهلني، إن شاء الله نزوركم أنا والدكتورة منار.
ماذا؟ هل يأخذ الأمر بجدية ومن المحتمل أن يزورنا فعلا؟ هو يعاملنا كأصدقاء وأخوة وليس كرئيسنا في العمل. حينما يوجه ملاحظة فلا تكون إلا بالحسنى وبشكل لائق. لم أراه يتعصب مرة أو يعلي صوته شأنه شأن المديرين.
أستطيع القول ان إسلام أون لاين كله بفريقه المعروف بنزاهته وجديته وأخلاقه الدمثة كان قد تخلق بأخلاق هشام جعفر نفسه. فإذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الزمر، وقد كان رب البيت يتخلق بجميع الأخلاق الحسنة من تواضع وكرم وحسن معاملة.
جاءت أزمة إسلام أون لاين المعروفة ليتم غلق الموقع وفقدان الأمل والبيت الكبير الذي كان يجمعنا، ولكن الأستاذ لم يكن ليفقد الأمل أبدا، فقد كان همه جيش المحررين وعشرات البيوت المفتوحة، حاول أن يجد لنا بديلا بكل السبل الممكنة وقد كان البديل موقع أون إسلام، كنا نشعر بثقل الحمل على كتف الأستاذ كلما رأيناه، نعرف أنه يحاول الحفاظ لنا على عملنا وعلى رواتبنا، حتى جاءت لحظة الحسم وأغلق أون إسلام هو الآخر، بعدما فقدت جميع سبل الاستمرار.
كلما اشتقنا إلى بيئة العمل السمحة وفريق العمل الرائع نجد هناك دعوة عامة للفريق كله لقضاء أحد أيام العيد هناك حيث كنا نعمل، نذهب ونجد كل ما لذ وطاب فهو غداء مجهز لجميع العاملين في إسلام أون لاين، ولم يكن الأمر يقتصر على الفريق، فالجيمع يحضر بأسرته واولاده جميعهم، لم يكن العيد هو اليوم الأول بقدر ما كان هذا اليوم الثالث أو الرابع الذي تتم دوعتنا فيه، كنا نشعر أننا ذاهبون إلى بيتنا الكبير ورؤية أستاذنا الجليل.
بالله كم نشتاق إلى يوم واحد من هذه الأيام، فألعاب الأطفال في كل مكان وألعاب الكبار أيضا متاحة، والجميع أحضر من بيته بعض من الحلوى أو بعض من الشاي أو بعض من هذا وذاك.
يذهب هشام جعفر ويجيء إنه في كل مكان يسلم على الجميع، يسلم بحميمية ويتحدث بأمل ويطمئن على الفريق بأكمله وماذا يفعل وماذا يعمل.
كان يبحث بنفسه عن فرص عمل للجميع، فإذا حصل أحد من فريق إسلام أون لاين على عمل يسأله عن فرص أخرى لباقي الزملاء.
هذه صورة هشام جعفر في ذهني، إنه أحد أسباب وجودي في عالم الصحافة وإنه أحد أسباب انضمامي إلى أكثر مكان أحببت العمل فيه بعراقته وفريق عمله الكبير المتميز على كافة المستويات.
الآن لا يسعنا سوى رؤية بعض صوره الهزيلة وبعض أخباره القاسية على قلوبنا، والتي تنشرها زوجته المناضلة د.منار على مواقع التواصل، لا نشعر كتلامذة وزملاء حيالها سوى بالعجز وكسرة القلب والغضب الشديد، ماذا يفعل هشام جعفر داخل سجن العقرب، وهو الشخص المسالم الذي لا يريد سوى السلام لأهل الأرض جميعا، ولا يريد سوى الخير لوطنه الجاحد، الذي يأكل الأخضر واليابس، وها هو يقبع في سجنه مريضا مسكينا لا حول له ولا قوة. ننتظر بلهفة لحظة الإفراج عنه وكأنه حلم بعيد أو ربما يكون قريبا جدا. فقط ندعو الله.