
الحلقة السادسة من سلسلة "في ذكرى 30 يونيو: لا ثورة إلا ثورة يناير"..
الحرب على الإرهاب

طاهر مختار
04 يوليو 2015بعد الحلقة السابقة من سلسلة "في ذكرى 30 يونيو: لا ثورة إلا ثورة يناير"، والتي كانت بعنوان "لماذا ينكل الانقلاب بالإخوان"، فإن هذه الحلقة ستناقش حرب السيسي، قائد الانقلاب على الإرهاب، والسياق السياسي لها.
في البداية أريد أن أوضح أني كنت قد خصصت لهذا الموضوع جزءاً من الحلقة الخامسة بشكل أكثر اختصاراً واختزالاً، ولكني رأيت بعد ذلك تخصيص حلقة كاملة له من السلسلة لأهميته الشديدة ومركزيته في السياق السياسي العام الذي فرضته 30 يونيو والانقلاب العسكري الذي تلاها.
السياق السياسي لاستخدام الانقلاب لفزّاعة الحرب على الإرهاب:
بعد الانقلاب العسكري على ثورة يناير في 3 يوليو من خلال اغتصاب السلطة من الرئيس الذي جاء بانتخابات ديمقراطية استمدت شرعيتها من الثورة، كان أمام النظام الجديد أحد مسارين؛ المسار الأول هو القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تلبية لمطالب الجماهير وهي الإصلاحات التي كانت ستساعد النظام على استقرار السلطة في أيديه فترة خاصة إذا نجح في حل أزمات اقتصادية أو سياسية.
أما المسار الثاني فهو إلهاء الجماهير بمعركة أخرى وإيهامهم بخطر عظيم محدق بهم مع قيام الانقلاب بحشد الجماهير خلفه والظهور بصورة المنقذ الذي لا غنى عن وجوده للتصدي لهذا الخطر مهما تردت أحوال الشعب المعيشية؛ فالخطر الأعظم محدق ولا وقت للحديث عن المطالب الاقتصادية والاجتماعية والعدو "الفزاعة" على الأبواب!
مع الثورات غالباً ما تأخذ الأمور المسار الأول بدرجات متفاوتة ـ إذا لم تتم هزيمة الثورة بقوة السلاح بالطبع ـ ولكنها في كل الأحوال تصب لصالح الجماهير وحقوقهم أو فتح مجالات أمامهم للتحرك لنيل حقوقهم من خلال إضعاف قبضة الدولة الأمنية وعدم تمكنها من ممارسة استبدادها المعتاد، ولكن لأن ما حدث كان انقلابًا، ولأن الثورة المضادة هي التي استعادت السلطة بالانقلاب فطبيعي أن سياساتها معادية لمصالح الجماهير الاقتصادية والاجتماعية ومعادية للحريات ولفتح المجال السياسي.
ولأن النظام لا يملك حلولا ولو مؤقتة للأزمات الموجودة في ظل أزمة اقتصادية عالمية ومحلية في ظل النظام الرأسمالي الذي لا يستطيع الاستمرار طويلا بدون أزمات متكررة ولخوف الانقلاب من استعادة الإخوان لشعبيتهم جماهيريا مع فشله في حل نفس الأزمات التي فشلوا في حلها مما يتسبب في خسارته لشعبيته أمام البديل الجاهز، لم يكن أمام الانقلاب مع كل هذا ليوطد أركانه ولاستقرار السلطة السياسية لفترة معه دون تهديد من بديله المنظم الموجود سوى استخدام فزاعة خطر الإخوان على المجتمع بادعاء أن الإخوان جماعة إرهابية فاشية دينية أعضاؤها إرهابيون وليسوا من نسيج المجتمع، وهو ما يُعد شيطنة للإخوان من قبل الانقلاب هدفها تشويههم لأنهم خصومه السياسيين الذين انتزع منهم السلطة ويريد تشويههم على كل المستويات لمنع تحركاتهم السياسية وتحركاتهم في الميادين لاستعادة السلطة المُغتَصبة منهم كفصيل سياسي كان يجب أن تكون له كامل الحقوق السياسية لولا إعلانهم جماعة إرهابية!
والسيسي أيضا لا يريد ولا يستطيع فتح المجال السياسي وهو يعلم أنه مجرم مستبد فاسد سياساته معادية للجماهير ومصالحها خوفا من تلك الجماهير، لذا فقد استخدم فزاعة الإرهاب ورفع شعار الحرب على الإرهاب حتى يتمكن ويبرر مصادرة المجال السياسي والحريات التي سبق وانتزعتها الجماهير خلال ثورة يناير.
استخدام الانقلاب لشعار الحرب على الإرهاب لتمرير سياسات "إرهابية":
وقد استخدم الانقلاب لشعار الحرب على الإرهاب لتمرير سياسات وممارسات "إرهابية" في حد ذاتها، وهي الممارسات التي وصلت لدرجات استثنائية من الاستبداد والقمع والتنكيل بمعارضي سلطة الانقلاب العسكري.
وكانت البداية بجماعة الإخوان وأعضائها الذين تم الانقلاب على حكمهم وتمت شيطنتهم أنفسهم بوصفهم بأنهم إرهابيين وكان القمع مركّزا ضدهم بهذه الحجة بهدف منعهم من استعادة السلطة التي اغتصبها الانقلاب بجانب تشويههم لعزلهم سياسيا وجماهيريا، ثم جاء بعد ذلك القمع ضد تحالف دعم الشرعية من المتضامنين مع الإخوان والرافضين للانقلاب على محمد مرسي والمطالبين بعودته وتم تشويههم بوصف الانقلاب لهم بالإرهابيين أيضا لأنهم يريدون عودة حكم الإخوان الذين يصفهم النظام بالإرهاب.
ثم طال القمع بعد ذلك الدائرة الأوسع من معارضي النظام بوصفه انقلابا على ثورة يناير وأهدافها ومبادئها وهو التيار الذي كان في القلب منه جبهة طريق الثورة "ثوار" والكيانات المشاركة في تلك الجبهة الاشتراكيون الثوريون و6 إبريل وحزب مصر القوية وتم وصفهم أنهم يعارضون النظام في وقت يحارب فيه الإرهاب فهم إذاً أعوان للإرهاب.
ثم طال القمع الدائرة الأوسع من معارضي النظام الذين لا يعارضون شرعيته السياسية كنظام انقلاب على الثورة بل يرونه نظاما ممثلا لما أسموه ثورة 30 يونيو المكملة لثورة 25 يناير (تحالف 25 يناير ـ 30 يونيو) ولكنهم يعارضون بعض انتهاكات النظام للحقوق والحريات خاصة إذا طالتهم أو طالت القوى القريبة منهم من غير الإسلاميين وهذه الدائرة كان في القلب منها التيار الديمقراطي والذي يضم أحزاب الدستور والتيار الشعبى والتحالف الشعبى والكرامة والعدل ومصر الحرية وكان يتم الهجوم على هؤلاء من النظام وإعلامه تحت مبرر أنه لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت المعركة والدولة الآن تحارب الإرهاب والحديث عن بعض التجاوزات يخدم الإرهاب.
ولم يقف القمع عند ذلك بل طال حتى أولئك البعيدين عن السياسية الذين يعملون بالمجال التنموي، واستهدفت الثورة المضادة بقوة أيضا منظمات حقوق الإنسان وكل من يدافع عن الحقوق والحريات ويفضح انتهاكات النظام تحت مبرر أن هذا يخدم الإرهاب وأنه أيضا لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب وأن كل الانتهاكات جائزة طالما أن الدولة تحارب الإرهاب، والقمع طال أيضا العمال المحتجين وكل أشكال الحراك الاجتماعي تحت مبرر أن الدولة الآن مشغولة بالحرب على الإرهاب ومطالب المحتجين تلك تعيق الدولة وهي تخوض حربها المقدسة!
أي أن تحت شعار الحرب على الإرهاب قامت دولة الثورة المضادة بقمع كل الأصوات المعارضة باختلافها واختلاف مطالبها واختلاف موقفها من النظام، وقامت الثورة المضادة بتأميم المجال السياسي، وغلق مساحات الحريات والديمقراطية التي انتزعتها الثورة، فلا التزام حتى بدستور الثورة المضادة، وتم إصدار العديد من القوانين القمعية المخالفة للدستور مثل قانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية، ولم يتم انتخاب برلمان حتى الآن لأن النظام لا يطيق سماع أي صوت معارض مهما كان ضئيلا لأن النظام يعلم أنه نظام فاسد مستبد وفاشل وسياساته معادية للجماهير ومصالحها، فتم وأد مساحات الاحتجاج كلها تحت شعار الحرب على الإرهاب، ولم تعد الميادين مفتوحة سوى لمؤيدي النظام.
باختصار أصبح شعار الحرب على الإرهاب "إرهابا" في حد ذاته لكل من يحاول رفع مطالب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
ولكن هل الإخوان إرهابيون؟
تعمدت سلطة الانقلاب الخلط بين تيارات الإسلام السياسي الإصلاحية والجهادية حتى تمرر خطابها حول الحرب ضد الإرهاب وتستخدم تلك الفزاعة، النظام يعلم جيدا الفرق بين تيارات الإسلام السياسي الإصلاحية مثل الإخوان المسلمين وبين التيارات الإسلامية الجهادية التكفيرية التي تلجأ للعنف والإرهاب مثل أنصار بيت المقدس وتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء "ولاية سيناء" التي هي فرع للتنظيم المجرم داعش، وقد كان النظام يتعامل مع الإسلاميين طوال الوقت منذ فترة طويلة وله تفاهمات مع جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين قبل الثورة وبعد الثورة، ولكن عندما تعلق الأمر بالمنافسة على السلطة التي انتزعها الانقلاب من الإخوان فقام الانقلاب وقتها بشيطنتهم قائلة أنهم أرهابيين!
الثورة المضادة بدلا من أن تصنف التيارات الإسلامية حسب طبيعتها وأفكارها وتركيبتها وهي تعلمها جيدا، صنفتهم حسب موقفهم منها، فوضعت الإخوان المسلمين الإصلاحيين المعارضين للانقلاب في نفس خندق تنظيم ولاية سيناء التكفيري، في حين أن حزب النور لم يتم وصفه بالإرهاب ولم يتم منعه من ممارسة السياسية لأنه ببساطة مؤيد لسلطة الانقلاب العسكري وللثورة المضادة!
وهذا الخلط بين تيارات الإسلام السياسي الإصلاحية والجهادية لا يصب سوى في صالح الثورة المضادة والتيارات الجهادية التكفيرية المستعدة لخوض المعركة بالسلاح وتستفيد من غلق المجال السياسي حتى ترفع شعاراتها وعنفها كحل، وهو ما يكبد الثورة وكل المؤمنين بأهدافها ومطالبها خسائر فادحة.
الإخوان المسلمون ذلك التنظيم الذي شارك في الثورة المصرية وكان الفائز في كل انتخاباتها قبل الانقلاب، هو تنظيم إصلاحي ذو تنوع طبقي من حيث العضوية وانحيازاتها وإن كانت أغلبية عضويته من الطبقة الوسطى، وينتمي هذا التنظيم في الوقت نفسه إلى الإسلام السياسي وله العديد من الأفكار والمواقف الرجعية على الأخص فيما يتعلق بالحريات الدينية وحقوق الأقليات الدينية والمرأة.
وككل التنظيمات الإصلاحية فإن بوصلته تضطرب ويصاب بالتردد والتذبذب وقت الثورة نتيجة التباين الطبقي لعضويته ونتيجة الأفكار الإصلاحية السائدة خاصة فيما يتعلق بالموقف من الدولة وأفق الثورة وأسلوب التغيير، وهو ما وضح بشدة خلال مشاركة الإخوان المسلمين في الثورة، فقد أعلنوا المشاركة متأخرا، وقرروا الانسحاب من الميادين ودعم خارطة طريق المجلس العسكري بعد خلع مبارك والوقوف ضد هتاف يسقط حكم العسكر في الميادين وقتها ظنا منهم أن الانتخابات وجلسات القيادات في الغرف المغلقة مع المجلس العسكري قائد الثورة المضادة ستمكنهم من الاستحواذ على السلطة بشكل فعلي، وهو الموقف الذي كان يعد خيانة للثورة وحذرت منه القوى الثورية التي رفعت شعارات وقتها مضمونها أن السبيل الوحيد لانتصار الثورة هو خلع المجلس العسكري أوتقليص سلطاته وصلاحياته من خلال الميادين المنتفضة.
وإذا كانت جريمة الإخوان الكبرى في حق الثورة هي أنهم خانوا المسار الثوري باختيار المسار الإصلاحي وقتها، فإن الادعاء بأنهم جماعة إرهابية أو فاشية هو محض افتراء وتشويه لهم عملت الثورة المضادة على ترديده، وهل كانت الثورة المضادة ستتمكن من أن تنتزع السلطة من جماعة "إرهابية" قوامها يفوق النصف مليون عضو منتشرين في كل أنحاء الجمهورية بجانب أنها تم الرئيس منتخب منها ديمقراطيا؟!
الإخوان إصلاحيون لدرجة أنه عندما كانت القوى الثورية بعد خلع مبارك تريد استكمال الثورة في الميادين ضد حكم العسكر وإسقاطه اختاروا هم المسار الإصلاحي وكانوا يقولون أنهم مع ديمقراطية الصناديق، فكيف يكونون فاشيين أو إرهابيين والاحتكام للصندوق الانتخابي هو أسمى أمانيهم حتى والجماهير تنتفض في الميادين!
التنظيمات الفاشية لا تصاب بالتردد والتذبذب نتيجة الحسابات المركبة بسبب خضوعها للضغوط الداخلية والخارجية، بل هي تعرف أهدافها وضحاياها جيدا!
وبقدر علمي أيضا أن التنظيمات التي تتخذ العنف والإرهاب وسيلة للتغيير تعلن عن تبنيها للعمليات التي تقوم بها لاستعراض قوتها وتأثيرها وتدافع عن عملياتها وتبررها في هذا السياق، فما هي الفائدة السياسية التي سوف تعود على الإخوان وهم لا يتبنون العمليات الإرهابية إن كانوا هم من يقومون بها فعلا كما يزعم الانقلاب؟
ولكن ـ ثانية ـ لجأ الانقلاب إلى شيطنة جماعة الإخوان وإلصاق تهمة الإرهاب بهم ليبرر قمعهم وهم منافسوه على السلطة.
إن من يرون أن الإخوان فاشيين مثلهم مثل التنظيمات الجهادية التكفيرية لأن كليهما يحلم بالخلافة الإسلامية هم مخطئين بشدة في تقديرهم، فمن حق كل شخص أن يحلم بما يشاء، ولن نحاسب الناس على أحلامهم، ولكن المعيار هو الممارسة، فشتان بين من يريد الوصول للخلافة من خلال العنف والإرهاب وبين من يسعى إليها من خلال المشاركة في العملية السياسية والموافقة على الاحتكام إلى الصندوق والديمقراطية، إن من يمدون الخط على استقامته بالنسبة لكل الإسلاميين ويتعاملون معهم كلهم باختلاف تصنيفاتهم وأفكارهم على حسب النهاية التي يتوقعونها لهم بأنهم كلهم سيكونون جهاديين في النهاية هم من يدفعون الأمور إلى النهاية والهاوية!
هل يدفع السيسي الإخوان نحو الإرهاب والعنف؟
منذ بداية الانقلاب والسيسي قائد الثورة المضادة يعمل علىى توطيد حكمه من خلال رفع شعار الحرب على الإرهاب والإرهاب الذي يقصده ـ كما أوضحت سابقا ـ هو جماعة الإخوان المسلمين، ولكن السيسي لم يستطع أن يثبت حتى الآن بشكل موضوعي ـ بعيدا عن تصديق مهاويسه له ـ أن الإخوان جماعة إرهابية، وهو ما يؤزم موقف الانقلاب أمام المجتمع الدولي وأمام قطاعات من الجماهير لم تعد تصدق خطابه بشكل كامل.
والملاحظ من تحليل ممارسات نظامه خلال الفترة الماضية أنه يحاول أن يدفع الإخوان المسلمين دفعا إلى تبني العنف حتى يثبت ما زعمه سابقا حول إرهاب الإخوان وبالتالي يضفي شرعية على قمعه لهم أمام المصريين والعالم، فنجده يصاعد مستويات التنكيل ضدهم بالاعتقال وأحكام السجن الطويلة وأحكام الإعدام الجماعية والمذابح الجماعية في الشوارع والميادين بل ومؤخرا يقوم الانقلاب بتصفية المعتقلين الإخوان مثلما حدث مؤخرا بتصفية النظام لـ 9 من قيادات الإخوان في لجنة دعم الإعاشة والمعتقلين المركزية داخل شقة في أكتوبر وهم في قبضة الداخلية وكان من بينهم البرلماني الإخواني السابق ناصر الحافي، كما أن النظام يقوم باستهداف عناصر الإخوان المعروف عنهم أنهم من المدافعين والمنظرين للسلمية داخل الجماعة مثل محمد غزلان، وهي أفعال من شأنها إضعاف الأصوات المتبنية للسلمية في مقابل الأصوات الأخرى التي تدعو لمواجهة عنف الدولة بعنف مقابل.
فماذا يريد قائد الانقلاب من مثل هذه السياسات والممارسات التي تهدف إلى صنع الإرهاب بشكل مباشر ودفع الإخوان نحوه؟ وماذا سوف يستفيد المصريون إن نجح السيسي في مسعاه وتحولت جماعة الإخوان إلى العنف أو لو انشقت منهم مجموعات أمام رفض الجماعة التحول إلى العنف وتوجهوا إلى تنظيمات جهادية إرهابية كولاية سيناء؟
لمصلحة من يجر السيسي كل الأطراف للدخول في حرب أهلية؟ بالتأكيد ليس هذا في مصلحة أحد سوى السيسي نفسه الذي يهدف بهذا إلى الحفاظ على حكمه المستبد الفاشل المعادي لمصالح الجماهير!
الموقف من الإرهاب:
هو موقف مركب ولكنه مبني في كل الحالات على رفض الإرهاب بكل أشكاله!
يجب علينا رفض كل عمليات الإرهاب الفردي والاغتيالات بحسم ووضوح بغض النظر عمن يقوم بها، فكل رصاصة تخرج أو قنبلة تنفجر في جسد مسئول من مسئولي دولة الثورة المضادة يقابلها رصاصتين أو قنبلتين في جسد الثورة!
المسئول الذي يتم اغتياله تستبدله الدولة بمسئول آخر لا يقل عنه شراسة وبشاعة، بل والأدهى أن الثورة المضادة تزداد وحشيتها في القمع وتضييق المساحات بتأييد من الجماهير التي ترى وقتها أن من حق الدولة الدفاع عن نفسها، بجانب أن عمليات العنف الفردي هي عمليات استبدالية؛ حيث تستبدل الجماهير وتحل قلة مكانها ترى نفسها شجاعة وبطلة وأنها تستطيع التغيير بدون الجماهير وتحركاتها، وهو شيء غير ممكن الحدوث؛ فالتغيير الجذري لا يتم سوى من خلال الثورة والجماهير المنتفضة.
ويجب علينا أيضا في هذا الإطار أخذ موقف واضح وحاسم ضد التنظيمات الإسلامية الجهادية التكفيرية، تلك التنظيمات الرجعية البربرية المعادية للإنسانية والتي تخطط وتنفذ عمليات عنف يجب أخذ موقف قاطع برفضها بل والوقوف ضدها، ليس ضد العمليات فقط بل ضد التنظيمات نفسها!
وفي الحقيقة فإن إطلاق لفظ الإرهاب على ما تقوم به هذه التنظيمات الجهادية التكفيرية مثل "ولاية سيناء" هو لفظ قاصر وغير واضح، فما تقوم به هذه الميليشيات التترية كان أقرب للحرب المفتوحة بتكتيكاتها خلال الفترة الماضية، وهو ما تجلى أيضا من متابعة التنظيم الأم في العراق وسوريا (داعش) الذي أصبح أقرب لشكل الجيش أو الميليشيات العسكرية المنظمة التي تحتل مدنا وقرى وأقاليم باستراتيجيات وتكتيكات حربية من خلال معارك مفتوحة وليست مجرد تنظيمات تقوم بعمليات عنف فردي، وهي التنظيمات التي يجب التصدي لها والوقوف أمامها على كل المستويات.
ولعل الخبرة الأنجح للتصدي لهذه العصابات البربرية إقليميا هي تجربة المقاومة الشعبية في كوباني، عندما ذاد أهل كوباني مقاتلات ومقاتلين عن مدينتهم ببسالة كبيرة، في الوقت الذي كانت تفر فيه الجيوش النظامية ـ خاصة تلك المنهكة في قمع السلميين من معارضي النظام ـ أمامهم، وهي الخبرة التي يجب وضعها وشرحها أمام الجماهير؛ فالشعوب في النهاية هي التي تحرر نفسها من أكل أشكال الاضطهاد والاستغلال والاستبداد الخارجي والداخلي بمقاومته.
وفي نفس الوقت علينا أن نشرح للجماهير بصبر ودأب الفارق بين التنظيمات الإسلامية التكفيرية الجهادية التي تعتمد على العنف والتنظيمات الإسلامية الإصلاحية السلمية التي تلجأ للسياسة والميادين بالتظاهر وللصندوق للتغيير، ويجب علينا أن نشرح بدأب حقيقة التشويه الذي تتعمد أن تقوم به الثورة المضادة ضد الإسلاميين الإصلاحيين مثل الإخوان، والهدف من هذا التشوي تكمن في توطيد أركان الانقلاب وصناعة الإرهاب في الوقت ذاته.
وعلينا أن نذكر الجماهير كيف أن الثورة ساعدت على دمج الإسلاميين الإصلاحيين في المجتمع من خلال إعطائهم الفرصة للمشاركة السياسية بل وقام بعضهم مع الثورة بترك تنظيمات الإسلام السياسي الإصلاحية مثل الإخوان واتجهوا يسارا في اتجاه الثورة أثناء احتدام النضال الثوري وخيانة قيادات الإخوان له، بينما تعزلهم الثورة المضادة الوحشية عن المجتمع وهو ما يوسع من دائرة العنف من المتحولين منهم ـ ومن غيرهم ـ إلى الأفكار والتنظيمات الجهادية مع انسداد سبل التغيير السلمي والديمقراطي في ظل دولة لا يختلف أحد عاقل على وحشيتها، وهو ما لا يصب في صالح المجتمع بأي حال من الأحوال.
كما يجب علينا في نفس السياق رفض كل أشكال إرهاب الدولة وانتهاكاتها ضد حقوق الإنسان لأي شخص مهما كان انتماؤه أو أفكاره تحت مزاعم الحرب على الإرهاب وتوضيح دور هذه الانتهاكات في صناعة الإرهاب، ودور باقي سياسات الدولة الاقنصادية والاجتماعية وسياسات الإفقار في صناعة الإرهاب، بجانب الدور الكبير للدولة في صناعة الإرهاب بإهمالها لإعمار سيناء تنفيذا لاتفاقية العار كامب ديفيد وعدم اهتمامها بحقوق أبنائها بل وممارساتها الوحشية ضد أهلها التي تصل لدرجة قتل المدنيين العزل بالطائرات وتهجيرهم الجماعي من قراهم ومدنهم وهو ما تمثل بشكله الأكبر في تهجير أهل رفح.
ما مدى مركزية خطاب الحرب على الإرهاب في استحواذ الثورة المضادة على وعي الجماهير؟
كما وضحت سابقا في نفس المقال فإن الإخوان ليسوا إرهابيين، بل هم انتهازيون إصلاحيون خانوا الثورة.
الثورة المضادة تشوه الإخوان بتهمة الإرهاب حتى تستمد شرعية لوجودها في السلطة، فمن الذي سيقبل أن تحكمه مجموعة من السفاحين سوى تحت مبرر أنهم يحمونه من سفاحين آخرين؟ كما تستخدم الثورة المضادة هذا الاتهام الملفق للإخوان أيضا لقمع الحريات، وتستخدمه للتنكيل بالإخوان الفصيل السياسي الأكبر الذي شارك في الثورة المصرية وبالتالي الثورة المصرية ككل، وفي الواقع فإن النظام ينكل بكل القوى التي شاركت في الثورة أو مازالت ترفع راية الثورة ولكن التنكيل ـ كما هو الخطأ ـ بقدر الحجم، لذا فقد نصيب الإخوان كبيرا ومضاعفا.
ولكن يجب ألا تجعلنا الخصومة السياسية مع جماعة الإخوان أن نوافق بشكل انتهازي على شيطنة الثورة المضادة لهم، كما يجب ألا نقبل التنكيل بهم بأي شكل من الأشكال مهما كان اختلافنا معهم، بل يجب أن نقاوم خطاب السلطة المشوّه لهم ونعمل على دحره من أجل كسر وعي الانقلاب السائد، هذا الوعي الذي رسخت به سلطة الثورة المضادة القائمة أقدامها.
ومن أشهر الأمثلة التي تحضرني الآن حول وقوع البعض في شراك خدمة الأفكار التي يريد الانقلاب تسييدها هو تعمد البعض التأكيد على أن الشخص الذي يتم التنكيل به ليس عضوا في جماعة الإخوان وذلك في سبيل الدفاع عنه وهو ما يعد موافقة ضمنية على التنكيل بالإخوان، وهي أيضا انتهازية واستسهال سياسي يرسخ وعي الثورة المضادة ويساهم في تثبيت أركانها ولا يفيد المعتقل/المصاب/الشهيد كثيرا؛ فالحرية والحياة هي حق للجميع بما فيهم الإخوان.
خاتمة لسلسلة "في ذكرى 30 يونيو: لا ثورة إلا ثورة يناير":
ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب من وزير دفاعه قائد الثورة المضادة وهو الانقلاب الذي استخدمته الثورة المضادة لتوطيد انقلابها على الثورة، ولم تكن مظاهرات 30 يونيو سوى سلمة ممهدة لهذا الانقلاب من خلال الحشد الجماهيري لإتمام خطوة مفصلية في صالحه وهي الانقلاب على الرئيس الذي جاء بانتخابات تستمد شرعيتها من ثورة يناير.
لقد كانت هناك ثورة انقلبت الثورة المضادة عليها من خلال الانقلاب على الرئيس الذي جاء بانتخابات تستمد شرعيتها منها وعلي التنظيم السياسي الأكبر الذي شارك فيها تحت مزاعم أنه تنظيم "إرهابي"، وكانت مهمة الثورة المضادة حينها هي محاربة هذا التنظيم والثورة التي أتت به، بجانب تضييق مساحة الحريات التي انتزعتها الثورة التي شارك فيها هذا التنظيم، لتكون مهمة الثورة المضادة بعدها هي العودة لمرحلة ما قبل الثورة بل وأسوأ وما زال هناك من يطلق على 30 يونيو: ثورة 30 يونيو!
وإن سألوك عن 30 يونيو .. فقل: لم تكن ثورة ولم تكن موجة ثورية؛ فلا ثورة إلا ثورة يناير!
الحلقة الخامسة: لماذا يُنكل السيسي بالإخوان؟