
عن نفسي التي لم أحبها !

دينا نجم
05 أكتوبر 2015من عدة سنوات فاتت، كنت شخص بيكره التغيير بكل أشكاله وأنواعه.. أي حاجة جديدة مكنتش بحبها مهما كانت حلوة ومبشرة.
كنت بكره المخاطرة والمرة الأولى لأي حاجة.. أي مغامرة كنت بخاف منها لمجرد إنها تحمل احتمالات الفشل أو الندم.. أقل تغيير في مسار حياتي كنت برفضه حتى لو تغيير وقتي فكنت بكره السفر، وعلى قد ما أقدر بتجنبه لمجرد إحساسي إني حسيب اللي أنا فيه ولو فترة مؤقتة وحروح لحاجة معرفهاش ومكان مش متعودة عليه وناس جديدة غريبة عليا.
كنت كارهة أسيب المدرسة وأروح الجامعة وأسيب الجامعة وأشتغل وأسيب أول شغلانة وأروح شغل جديد. وفي كل مرة من دول، كنت بقضي أول فترة في عزلة وكآبة ورفض لفكرة إن خلاص اتفرض عليا واقع جديد مش حعرف أهرب منه وأرجع للي كنت فيه.
وفي كل حاجة في حياتي كنت بدور على أضمن الحلول "المتجربة" وأروحلها: دخلت الكلية "الطبيعية" لأي حد معاه شهادتي ومجموعي. اشتغلت في المجال اللي أي حد برضه متخرج من كليتي حيشتغل فيه. مش فاكرة إني وقفت وفكرت، مش فاكرة إني ترددت في القرار أو إن خطر على بالي اختيارات تانية. ومش فاكرة أبدا إني حاولت أسأل نفسي أنا بحب إيه مثلا أو إيه هي أحلامي في الحياة. مكانش عندي حاجة اسمها أحلام أصلا. عمري ما قلت أنا نفسي لما أكبر أبقى كذا. هو خط مرسوم ومضمون مشيوا عليه ناس قبلي وأنا حمشي على خطواتهم وحعمل زيهم.
وكان من أهم العوامل الأساسية في اتخاذي أي قرار هو تأثير القرار ده على صورتي أدام الناس ورأيهم فيا عشان كان من أهم أولويات حياتي إن الناس تقول عليا شخص كويس وجميل ويحبوني. كان نفسي أكون شخص كل الناس بتحبه بلا استثناء وصاحب كل الناس والناس كلها صحابه. عشان مكانش ينفع أخسر حد فيخرج من حياتي فميزانها يختل زي ما بيختل بأي تغيير يحصل له.
فاكرة كويس إن صديق ليا كان دايما يقولي: عمرك ما حتعرفي ترضي الناس كلها مهما حاولتي وأي شخص ناجح في الدنيا أكيد حيكون فيه ناس مبتحبوش وحيخسر ناس بسبب نجاحه. مكنتش بصدق، وبفضل زي ما أنا في سباق مستمر مع نفسي لإرضاء كل الناس فأبقى "محبوبة الجماهير" وأهو أبقى قربت بأي شكل من مدام "نادية الجندي".
وانعكس أسلوب حياتي التقليدي وطريقة تفكيري النمطية دي على درجة تقبلي لأي شخص مختلف عني في أي حاجة؛ سواء الاختلاف دة في معتقدات شخصية ولا طريقة تفكير ولا أسلوب حياة ولا اهتمامات. الناس المختلفة دول كانوا بالنسبة لي مخلوقات شاذة وغريبة مش بعرف أفهمهم. بحبهم وبصاحبهم و بعرف أتعامل معاهم بس كان دايما جوايا صوت خفي مزعج ينتقد باستمرار، مش عاجبه حاجة، ودايما معترض ومش معترف غير بأفكاره هو وطريقته في الحياة وأي حاجة تانية عيب وغلط وإزاي وليه وميصحش. باختصار، كنت شخصية تقليدية مملة ماشية جنب الحيط.. أو جوه الحيط!
خلال الثلاث سنوات اللي فاتت حصل لي تحول كبير ابتدى بإني اشتغلت شغل أجبرني على السفر الكتير والتعامل مع أنماط من البشر مختلفة في كل شئ: الجنسية، المعتقدات الدينية والسياسية، المستوى الاجتماعي والفكري والثقافي، السن، أسلوب الحياة، طريقة اللبس والكلام. اختلاف مرعب اصطدمت به في البداية وبعدين اتعودت عليه وبعدين حبيته وبعدين بقيت بدور عليه في كل حاجة في حياتي. واتكسر عندي حاجز الخوف من المجهول لما أجبرت إني أواجه واكتشفت إنه مش وحش زي ما أنا كنت راسماه في دماغي، بل بالعكس تماما.
وابتديت أحب التغيير بكل أشكاله.. فمبقاش فيه شهر في حياتي يعدي من غير ما أجرب أعمل حاجة جديدة ومختلفة. ومن خلال كل حاجة جديدة بعملها بقيت بشوف ناس مش زيي في كل حاجة بس شبهي في حاجات فأبقى متشوقة أسمعهم وأفهمهم وأتعلم منهم وألاقي اللي يقربنا مش أدور على مش عجبني وأشاور عليه.
وبقى عندي قائمة أحلام طويلة عريضة حققت منها حاجات كتير. وسقف طموحي علي أوي ومبقتش عارفة حيروح فين بعد كده. وبقيت كل ما أشوف حد مقبل على تجربة جديدة وقلقان منها أفتكر نفسي زمان وألاقي نفسي بتحمس له أكتر ما هو متحمس لنفسه.. يمكن عشان شوفت حلاوة التغيير وعشتها وحبتها ويمكن عشان اللي لسة قاعد جوة الصندوق صعب يشوف اللي انت شوفته بره إلا لو الظروف القهرية خدمته زيي وكسرت الصندوق دة ولقى نفسه وجها لوجه مع الحرية والحياة.. ويمكن عشان فيه اللي بيخاف من اللي حينتقده.. واللي حيتريق عليه.. واللي حيكرهه في اللي بيعمله أو حيقلل من نجاحه..
واللي حيحبط من عزيمته ويشفط من حماسه.. بس مهما كانت الصعوبات والعواقب، حلاوة اللي حتشوفه بره حتتغلب في الآخر على كل حاجة وحتبقى المشكلة الوحيدة إزاي تسيطر على الأحلام المتسابقة والطموح اللي ملوش حدود وإزاي تقرر انت عايز تعمل إيه في الآخر، نفسك توصل لإيه وتبقى إيه ومع مين.. فحتبقى عامل زي واحد راكب قطر بيلف مدن أوروبا وبيعدي على أجمل ما فيها: خضار، مناظر حلوة، ألوان مبهجة، سما صافية بتنورها الشمس وبعدين القمر، وكل محطة تنزل ناس وتطلع ناس جديدة فيعرفهم ويتكلم معاهم. تفتكروا الشخص ده عمره حيسأل نفسه هو القطر حيوصل إمتى؟ تفتكروا هو عايز القطر يوصل أصلا؟ أنا مفتكرش.